ومن المتوقع أن يشكل إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أرضية مناسبة لإطلاق المفاوضات السورية – الإسرائيلية، وفتح هذا الملف الذي أصبح عالقاً منذ أن انقطعت المفاوضات غير المباشرة إثر حرب غزة.
وفي العراق فإن انسحاب الوحدات القتالية الأمريكية في نهاية شهر آب، واقتصار التواجد العسكري على خمسين ألف عسكري، تنحصر مهامهم في التدريب والإسناد، يعبّر عن هروب من مسؤولية مهام الاستقرار وإتمام العملية السياسية، أكثر ما يعبر عن تنفيذ بنود الاتفاقية الأمنية، لأن الانسحاب المذكور يتزامن مع أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، ومع عودة العمليات الإرهابية التي تهز المدن العراقية من جديد، ومع تعاظم غضب الشارع العراقي على واقعه السياسي والمعاشي، كما يأتي في ظل ارتفاع الأصوات المعبرة عن عدم جاهزية القوات العراقية قبل عشر سنوات أخرى، مما يعني في نظر الكثير من المراقبين بأن إدارة أوباما بدأت تنطلق فقط، في سياستها العراقية، من الشأن الداخلي الأمريكي المرهق من أعباء الحرب وخسائرها البشرية ومصاريفها التي بلغت حوالي ألف مليار دولار، كما تنطلق من استحقاقات الانتخابات النصفية للكونغرس التي اقتربت مواعيدها، ومن الانتخابات الرئاسية القادمة التي يحلم الرئيس أوباما بولاية ثانية فيها.
ويشكل ذلك مبعثاً حقيقياً لمخاوف العراقيين من المستقبل الغامض في ظل غياب ضمانات كافية لاستمرار عملية تداول السلطة، وبقاء التعددية السياسية الحالية.
ومما يزيد من تلك المخاوف هو الامتدادات الإقليمية لمعظم الكتل السياسية وزيادة صلاحيات رئيس الوزراء مما يزيد من هواجس المشاركين في العملية السياسية بأن الدور الخارجي والاستعانة به هو قدر لابد منه لتقريب المواقف، وخاصة الدورين الإيراني والأمريكي.
لكن إيران رغم عجزها حتى الآن عن توحيد الكيانات الشيعية، لكنها تماطل في قبول حكومة وحدة وطنية، بانتظار الانسحاب الأميركي، بغية التفرد بالساحة العراقية، في حين تستعجل فيه الإدارة الأمريكية التشكيلة الحكومية الجديدة لاستكمال سحب قواتها التي يعتبر بقاؤها بمثابة رهينة إيرانية، وتشكل أحد أسباب التردد الأمريكي في القبول بخيار الحرب ضد إيران أو ضد حلفائها.
ويبقى الجانب الكردي في العراق أحد ضمانات التوازن بسبب دوره الحيادي الذي ساهم في إبعاد العراق عن مخاطر الحرب الأهلية قبل سنتين، ويسعى الآن إلى مواصلة هذا الدور من خلال تقديم مقترحات تعيد النظر في الصلاحيات التي تتمتع بها الرئاسات الثلاث، بهدف تعزيز الثقة المتبادلة، والحد من نزعة الهيمنة والتفرد، وتصحيح العلاقات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية من خلال الالتزام بتطبيقات الدستور، وخاصة المادة (140) التي لا تتعلق فقط بكركوك، بل تشمل كل المدن والقصبات التي تعرضت للتغيير الديمغرافي في عهد النظام البائد، على أسس عرقية أو طائفية… وبغض النظر عن الجدل الدائر بين الكتل السياسية، فإن الحكومة العراقية المنتظرة، في حال الاتفاق على تشكيلها، سوف تعبر عن واقع سياسي جديد يحمل بصمات اللاعبين الأساسين، وتفاهمها بشكل أو بآخر، مثلما يحمل معالم المرحلة المقبلة التي تحمل قواسمها المشتركة.
وقد يبقى تشكيلها إحدى أوراق إيران الأساسية في موضوع مواجهة العقوبات الدولية التي قررت مواجهتها خارج أراضيها، من جهة، لكنها تبدي، من جهة أخرى، الاستعداد لاستئناف التفاوض مع مجموعة الدول (5+1) بعد شهر رمضان الحالي، تحت غطاء تشغيل محطة بوشهر، والذي يحتاج له نظام طهران لمحاصرة خصومه في الداخل، والتخفيف من وطأة العقوبات، وإبعاد شبح الحرب.
أما في تركيا فإن حكومة آردوغان، رغم نجاحها في سياسة تصفير المشاكل مع الجيران إلى حد كبير، وبناء علاقات إقليمية قائمة على المصالح المشتركة، فإنها فقدت جزءاً من دورها الإقليمي، كوسيط في بعض ملفات المنطقة، ومنها ملف المفاوضات السورية – الإسرائيلية، لصالح الدور الفرنسي، بعد قرار الرئيس ساركوزي تعيين مبعوث خاص لمتابعة الاتصالات، بمباركة أمريكية، من أجل استئناف هذا المسار، وكذلك ملف المفاوضات بين مجموعة (5+1) وإيران بشأن تبادل اليورانيوم المخصب.
كما أنها تراجعت في الداخل عن مواصلة الانفتاح الديمقراطي حيال الشعب الكردي، حيث لا تزال مناطقه تشهد نسباً عالية من البطالة والأمية، ويعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر، مما يخلق حالة من الاستياء نتيجة الإهمال الاقتصادي المترافق مع القمع والاعتقالات..
وفي الداخل السوري فإن موجة الفقر تواصل طغيانها بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية التي ترتبط بحياة الناس اليومية وحاجاتهم الأساسية التي يصعب تأمينها من قبل ملايين المواطنين بسبب النهب، وعجز السياسات الاقتصادية التي أدت إلى تآكل القوة الشرائية وتدهور الأوضاع المعاشية ، مما يستدعي رسم سياسات جديدة تستعيد الدولة من خلالها وظيفتها الراعية والضامنة لمصالح الناس، وإعادة النظر بكل القرارات التي أساءت للمجتمع السوري، بما فيها المرسوم 49 لعام 2008 ، والتراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات التي تمس حياة المواطنين، واستعادة رقابة الدولة لحركة السوق وأسعار السلع، وتعديل قوانين الاستثمار وفق شروط جديدة ، وصيانة القطاع العام وتحديثه وحمايته من الروتين والفساد، وإيلاء الاهتمام الكافي للزراعة ودعمها بمستلزمات الإنتاج ومكافحة الأمراض الوبائية التي ألحقت أضراراً كبيرة بموسم القمح ، وتصيب حالياً موسم القطن وغيره من المحاصيل، ومعالجة ظاهرة الهجرة التي باتت تهدد المجتمع بالتفكك والتحلل، وتحمل معها أخطار جسيمة ، خاصة بعد أن بلغت أعداد ضحاياها الملايين..وإذا كانت مثل هذه الهجرة تحدث خللاً كبيراً للتركيب والتنوع السكاني، مثلما تحدث عجزاً في تقديم الخدمات الضرورية ، فإن الهجرة الخارجية تحمل معها مخاطر التشوّه والضياع، حيث توقعت دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لقسم السكان في الأمم المتحدة في تقريرها عن هجرة السكان، بما فيهم الكفاءات العلمية، أن يزداد عدد المهاجرين السوريين خلال الثلاث سنوات الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة، والنمو البطيء في زيادة قوة العمل بنسبة 2,1% سنوياً، مقابل ما يزيد عن 2,5% في القوة البشرية، مما يشكل نزيفا حاداً للخبرات العلمية قد يحرم البلاد من طاقات هامة ويكرس واقع التخلف العلمي والإنتاجي..
وبما أن أسباب هجرة تلك الكفاءات باتت معروفة، وفي مقدمتها تحسين مستوى المعيشة والدخل، الذي يعتبر هدفاً لكل فرد في أي مجتمع، كذلك البحث عن أجواء الحرية وتأمين الحقوق والشعور بالطمأنينة على الحياة والمستقبل، ورغبة التحرر من الخوف والقلق، فإن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة تندرج في إطار الإصلاح الديمقراطي الشامل.
ومن المؤسف القول أن نسبة كبيرة من ضحايا هذه الظاهرة هم من جماهير شعبنا الكردي الذي يخضع لسياسات وقوانين استثنائية، وتتضاعف معاناته، حيث يعاني كغيره من أبناء هذا البلد من غياب الحريات الأساسية، ومن إفرازات الأزمة الاقتصادية، مثلما يعاني، بسبب انتمـائه القومي، من قساوة السياسـة الشوفينية، وتطبيقاتها المقيتـة.
في 1|9|2010
اللجنة السياسية