اقتلاع الفلاحين من جذورهم

  طريق الشعب *

أبلغت مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في الحسكة عن طريق دوائرها في المناطق مئات الفلاحين في مختلف مناطق محافظة الحسكة, بشطب عقود إيجارهم وعقود أجور المثل والانتفاع, وعللت ذلك بحجة عدم حصولهم على الترخيص القانوني وفقاً لأحكام القانون 41 لعام 2004 وتعديلاته, وبالتالي إنهاء علاقتهم بتلك الأراضي تمهيداً لانتزاعها منهم.

في مختلف المحافظات السورية تم منح سندات تمليك للفلاحين للأراضي التي وزعت عليهم بموجب قانون الإصلاح الزراعي, وكان فلاحو الحسكة واتحاد الفلاحين والقوى السياسية يطالبون بمعاملتهم بالمثل ومنحهم أيضاً سندات تمليك, وأثيرت هذه المسألة في أعلى المستويات في القيادة السياسية للبلاد, ولكن شيئاً من ذلك لم يتم على أرض الواقع
 ومعلوم أيضاً أنه قد جرت تحقيقات أمنية في مختلف مناطق المحافظة منذ أكثر من سنة تتعلق بواقع الفلاحين المنتفعين وأجور المثل وعقود الإيجار, ظن الفلاحون أثناءها أن الدولة بصدد تمليكهم الأراضي التي يستثمرونها أسوة ببقية المحافظات, ووفقاً لقانون الإصلاح الزراعي, ولذلك فإن القرارات الأخيرة الصادرة لم تكن فقط مفاجئة للفلاحين, وإنما لمختلف القوى السياسية في البلاد, لمخالفتها الصريحة لقانون الإصلاح الزراعي ولمصالح الفلاحين, بل لمصالح البلاد عامة .

إن حجة عدم حصول الفلاحين على الترخيص القانوني وفقاً لأحكام القانون/41/ لعام2004حجة واهية وخبيثة لا أساس لها من الصحة, لأن توزيع تلك الأراضي على الفلاحين جاءت بقرار سياسي من القيادة السياسية وبموجب قانون الإصلاح الزراعي, في مجال إحداث التحولات الاشتراكية في بداية الستينات من القرن الماضي, وهي بالأساس لا تخضع لمثل هذه التراخيص التي يتم الحديث عنها.

لقد مضت على تلك العقود أكثر من/40/ عاماً, وخلال هذه الفترة كان الفلاحون يقومون بتسديد قيم عقود إيجارهم, ولو تم حساب تلك الأجور المسددة لفاقت قيم الأرض التي يستثمرونها أضعافاًَ مضاعفة, ولكل ما سبق فإن هذه الأراضي التي يستثمرها الفلاحون أباً عن جد أصبحت في الحقيقة والواقع ملكا لهم و لا يوجد قانون يسمح بانتزاعها منهم, ولم يصدر في سوريا لغاية تاريخه قانون بالتراجع عن قانون الإصلاح الزراعي.

لقد خلقت هذه القرارات حالة كبيرة من الخوف والقلق لدى الفلاحين على رزقهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم, وعلى مصيرهم كفلاحين أباً عن جد, لأن مضمون تلك القرارات وغايتها هو اجتثاث الفلاحين عن جذورهم, وقطع مصدر رزقهم الوحيد, وتركهم لمصير مجهول, بل تشريدهم وإضافتهم إلى جيش العاطلين عن العمل المتزايد يومياً, ولذلك كله فإن هذه القرارات لا تتفق مع القرار السياسي الذي جاء بالإصلاح الزراعي, وإنما هو قرار سياسي ضار بالوطن والمواطن, لا ترعي مصالح الشعب ومصالح الوطن, ولا حاجة للتلاعب وتغطية تلك القرارات بلبوس القانون, وعدم الحصول على الترخيص القانوني, فتلك مهزلة لا تنطلي على أحد.
إن هذه القرارات تأتي وسوريا تتعرض جهاراً نهاراً إلى تهديدات بالعدوان عليها, وهي في الواقع تهديدات خطيرة وجدية, فكيف تتطابق هذه القرارات مع مصالح البلاد وضرورات خلق الاستقرار وتعزيز الوضع الداخلي الذي هو حجر الصمود الأساسي أمام أي عدوان.

إننا إذ ندين هذه القرارات الجائرة التي جاءت بالتضاد مع مصالح الوطن والمواطن والتي لا تستند على أي قانون والمخالف للدستور, فإننا نطالب الجهات المعنية بالتدخل لإلغاء هذه القرارات وإعادة الطمأنينة إلى الفلاحين في مصدر رزقهم الوحيد, ونطالب كل الوطنيين والتقدميين والديمقراطيين في البلاد بالتضامن مع هؤلاء الفلاحين ورفع أصواتهم بالتنديد بهذه القرارات الجائرة والمطالبة بإلغائها, ونطالب كل الفلاحين بالتضامن وتوحيد صفوفهم والدفاع عن حقوقهم وأرضهم وعدم التخلي عنها تحت كل الظروف ومهما غلت التضحيات.

إن كافة الفلاحين الذين تم تبليغهم لغاية تاريخه بشطب عقود إيجارهم هم من الفلاحين الكرد, وهنا يتشابك الطبقي والقومي, وتتوضح مرامي الجهات التي تقف وراء هذه القرارات, إن هذه القرارات تطال كل الفلاحين وبخاصة الأكراد منهم, وبذلك تنضح من هذه القرارات رائحة سياسية واضحة لا حاجة لإنكارها .الجميع يعرف أنه قد جئ بعرب الغمر إلى محافظة الجزيرة بعد عام1973, وتم منحهم سندات تمليك, وأن الفلاحين الذين تم شطب عقود إيجارهم يستثمرون أراضيهم بموجب قانون الإصلاح الزراعي منذ بدايات الستينات من القرن الماضي, ومع ذلك تصدر قرارات كف يدهم عن الأراضي التي قاموا باستصلاحها وتحسينها, فأية مفارقة هذه؟ وأي تمييز جائر هذا الذي يجري؟ والعالم كله يعلم أن نزع الأرض من الفلاح يعني نزع روحه وأكثر من روحه.
وأخيراً نسأل السادة القابعين وراء هذه القرارات:
 هل تم التراجع رسمياً عن قانون الإصلاح الزراعي؟

* الجريدة المركزية للحزب اليساري الكردي في سوريا – العدد 337 نيسان 2010

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…