د. محمود عباس
لا يخفى عليكم المشاريع العنصرية لنظام الأسد الشمولي، والذي يهدف إلى إذابة الكرد كليا، لذا ينشر وبذكاء ثقافة مشوهة بين الكرد كبديل عن ثقافة نظامه الشمولي، وذلك باستبدال قديمه المستهلك بجديده، الذي قلما يكتشفه الواحد منا لأول وهلة. وعليه من بين خططه، دفعُ الكردي من دون أن يشعر إلى إثارة سؤال مثير للجدل والنقاشات السفسطائية العقيمة، الخالقة للتناقضات والتناحرات والنعرات الحزبية، تفرش ببساطة أمام كل كردي، ويستفز بها كل سياسي مرتبط بحزب أو مستقل، والسؤال هو: من المسبب في إثارة الصراع الكردي الكردي؟ أو من المسبب في الهجرة الكردية؟ كلمة من! في هذه الأسئلة المحفزة على إعطاء جواب، هي التي يقف عليها العدو بدقة، وينتظر النتائج، وليست الأجوبة، لا يهمه الجواب بقدر ما يهمه إثارة السؤال للأطراف التي تطرحه والأطراف المعنية بالجواب عليها.
مدركا تماما أن أصابع الاتهام في هذا السؤال لن توجه إليه. وهذا السؤال، بحد ذاته، واسع التأثير وله القدرة على تعميق هوة الخلافات والتناقضات إلى حد الاقتتال، فالجواب على مثله، بطبيعة الحال، تمهيد لإثارة الصراع، هنا، لا بد أن يحقق نصرا (العدو)، وينجح عند إقناع أحد الطرفين على إنه هو الأصح والآخر يثير الشبهات. وهنا لا نود أن نطرح السؤال المثير نفسه، من المسبب في خلق الصراع الكردي الكردي بين أحزاب غرب كردستان وبين الإقليم الفيدرالي وبين منظومة المجتمع الكردستاني والمتمثل حاليا بحزب ألـ” ب ي د”؟ ليس بلغز على المتتبع والملم بالوضع الكردي أن المسبب الأول هو العدو وهو المخطط لهذا ولأمثاله، ولكن بخث وذكاء مما يصعب على عامة الناس إدراكه، وانجراف الكرد نحو الهوة، هو لقلة الحنكة، وربما لبساطته وسذاجته، ليس مهما، هنا، من هو البادئ، فالمطلوب من كل الأطراف الكردية، الوقوف مطولاً على نقد الذات والحد من الصراع، وليتيقن أن الرابح من هذه هو العدو وحده وليس غيره، كما العدو ليس فقط داعش والتيارات التكفيرية، بل العدو الأساسي والمقتدر هو النظام الشمولي السوري حاليا بالنسبة لواقع غرب كردستان.
استراتيجية ذكية تطبقها السلطة الشمولية لترسيخ ذهنية تقضي على المشاعر والأحاسيس الكردستانية، يبثها في أعماق المجتمع الكردي في غرب كردستان لتؤدي إلى خلق النعرات الحزبية، مع تقزيم القيم الوطنية السورية أو الكردستانية. وهي مبنية على مفاهيم الانتماء الحزبي، هذا الانتماء الذي يدفع بالإخوة في حزب الـ “ب ي د” والأحزاب الأخرى (ذكرنا اسم ب ي د دون الأخرين لأنها تمثل السلطة القائمة) إلى إهمال قطع دابر هذا السؤال الذي نحن بصدده، بل كثيرا ما يشددون فيما بينهم على الجواب لمثل هذا السؤال المثير للقلاقل، وما أكثر الحالات التي اثبتوا فيها الجواب المطلق والكلي من قبل طرف تجاه الآخر وبالعكس وإن كانت الأساليب مختلفة. لهذا يجد الكردي نشر الحقد والكراهية بين بعضهم البعض أمرا طبيعيا، بل واجبا قوميا. وهكذا يكون العدو الواجب على الكردي محاربته والقضاء عليه هو العدو المصطنع من الصلب الكردستاني. ويكون من البديهي تناسي العدو الحقيقي المهيمن عليهم، والمتلاعب بمصير الأمة الكردية والمخطط لأذكى وأخبث الطرق للقضاء على الكيان الكردي، في كل كردستان. وبادٍ لنا جميعا تشتيت الإنسان الكردي روحا وانتماءً، وبناءً في أجواء الحاضر المتلاطم بين الكرد والمأتى من هذا العدو المتلاعب بمقدرات الشعب بكل يسر وسهولة.
ما يقوم به الإخوة في الإقليم هو خروج من منطق الحلم والتحلي بالصبر، وحنكة التشاور، وخلق الأجواء المؤمل منها الإجماع على اتفاق ما. ولكنهم ينزلقون إلى نفس المستنقع، ولا يقل عما يقوموا به الإخوة من الأخوة في الطرف الأخر؛ كالاستراتيجية التي تضعها منظومة المجتمع الكردستاني، وينفذها ألـ”ب ي د” المؤدية إلى إثارة النعرات بين جنوب وغرب كردستان. الطرفان يستخدمان تكتيكاً خاطئاً، إن كانت بدراية أو بدونها. المرجو منهما عدم إقحام الوطنية والدفاع عن الشعب أو عن كردستان الحلم في هذا الصراع العقيم. وما يؤسف له أن شريحة من الكرد تنجرف إلى مستنقعهما، وصارت تحمل الأحقاد كثقافة تجاه الآخر الكردي، تحت عباءة العداوة ضد حكومة الإقليم، وترد عليها شريحة مماثلة من شعب الإقليم بالمثل ضد ألـ”ب ي د”. وفي بعدها العميق عداوة تبدأ بين الحكومات لتنتهي إلى الشعب البريء ذاته في المنطقتين.
لنعد إلى تحفيز سؤالنا، دون أن نسأل. ظهور الخندق بين غرب وجنوب كردستان فجأة، لاشك إنها عملية منافية للقيم الإنسانية، مثلها مثل جميع جدران الفصل بين الشعوب فما بالكم بشعب واحد، وتشويه للعلاقات الكردستانية وجغرافيتها، فالحد من بعض المجموعات الإرهابية أو إغلاق الطريق على تنقلات أعضاء ألـ”ب ي د”، سترافقها قطع أرزاق العديد من العائلات التي تعاني المآسي، وقد تكون بداية لتقسيم كردستان الحلم، حتى لو كانت في الخيال، مع كل هذا فإنها نزلت كالغيث النعيم للبعض، تلقفها ألـ”ب ي د” وأثيرت كقضية مصيرية ووطنية بضجة غير طبيعية في إعلامه، وكان بإمكانه تدارسه معا بطريقة أكثر حنكة ووطنية، لو كانت النيات قومية أو وطنية صادقة، لكنه بعكس ذلك شكل مسيرات، بتغطية غير مسبوقة من الإعلام، حملوا أعلام ألـ”ب ي د” والـ”ي ب ك”، وصور القائد أوجلان، بدعوة أن الشعب الكردي في غرب كردستان ضدها، وبالمقابل بدل الإقليم الراية الكردستانية براية الحزب، وأثار هذه القضية بدون التفكير في النتائج المترتبة عليها في المستقبل، وهكذا شارك الإقليم بكل ثقله في تأجيج نار الصراع الكردي الكردي، وهي في الحقيقة دعاية لنقل الصراع الكردي الكردي من عمق غرب كردستان إلى عموم جغرافية كردستان، وهنا العملية لا تختلف عن نفس الصراع الخاطئ الذي ظهر بين ألـ”ب ك ك” والديمقراطي في أعوام 1992 -1994م. وكنا قد نبهنا إليها قبل أكثر من سنتين بأن ألـ”ب ي د” يعيد تجربة ألـ”ب ك ك”، وهي تجربة خاطئة، ولا تخدم القضية الكردية، ولا الشعب الكردي، وتسهل مخططات العدو للقضاء على كردستان الحلم وإلى الأبد. وهي الطريقة التي ستؤدي إلى توسيع وتعميق الثقافات المتضاربة أصلاً بين الكرد. وهي من الطرق السهلة للعدو لإرسال كردستان الحلم إلى العدم الكلي.
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
استراتيجية ذكية تطبقها السلطة الشمولية لترسيخ ذهنية تقضي على المشاعر والأحاسيس الكردستانية، يبثها في أعماق المجتمع الكردي في غرب كردستان لتؤدي إلى خلق النعرات الحزبية، مع تقزيم القيم الوطنية السورية أو الكردستانية. وهي مبنية على مفاهيم الانتماء الحزبي، هذا الانتماء الذي يدفع بالإخوة في حزب الـ “ب ي د” والأحزاب الأخرى (ذكرنا اسم ب ي د دون الأخرين لأنها تمثل السلطة القائمة) إلى إهمال قطع دابر هذا السؤال الذي نحن بصدده، بل كثيرا ما يشددون فيما بينهم على الجواب لمثل هذا السؤال المثير للقلاقل، وما أكثر الحالات التي اثبتوا فيها الجواب المطلق والكلي من قبل طرف تجاه الآخر وبالعكس وإن كانت الأساليب مختلفة. لهذا يجد الكردي نشر الحقد والكراهية بين بعضهم البعض أمرا طبيعيا، بل واجبا قوميا. وهكذا يكون العدو الواجب على الكردي محاربته والقضاء عليه هو العدو المصطنع من الصلب الكردستاني. ويكون من البديهي تناسي العدو الحقيقي المهيمن عليهم، والمتلاعب بمصير الأمة الكردية والمخطط لأذكى وأخبث الطرق للقضاء على الكيان الكردي، في كل كردستان. وبادٍ لنا جميعا تشتيت الإنسان الكردي روحا وانتماءً، وبناءً في أجواء الحاضر المتلاطم بين الكرد والمأتى من هذا العدو المتلاعب بمقدرات الشعب بكل يسر وسهولة.
ما يقوم به الإخوة في الإقليم هو خروج من منطق الحلم والتحلي بالصبر، وحنكة التشاور، وخلق الأجواء المؤمل منها الإجماع على اتفاق ما. ولكنهم ينزلقون إلى نفس المستنقع، ولا يقل عما يقوموا به الإخوة من الأخوة في الطرف الأخر؛ كالاستراتيجية التي تضعها منظومة المجتمع الكردستاني، وينفذها ألـ”ب ي د” المؤدية إلى إثارة النعرات بين جنوب وغرب كردستان. الطرفان يستخدمان تكتيكاً خاطئاً، إن كانت بدراية أو بدونها. المرجو منهما عدم إقحام الوطنية والدفاع عن الشعب أو عن كردستان الحلم في هذا الصراع العقيم. وما يؤسف له أن شريحة من الكرد تنجرف إلى مستنقعهما، وصارت تحمل الأحقاد كثقافة تجاه الآخر الكردي، تحت عباءة العداوة ضد حكومة الإقليم، وترد عليها شريحة مماثلة من شعب الإقليم بالمثل ضد ألـ”ب ي د”. وفي بعدها العميق عداوة تبدأ بين الحكومات لتنتهي إلى الشعب البريء ذاته في المنطقتين.
لنعد إلى تحفيز سؤالنا، دون أن نسأل. ظهور الخندق بين غرب وجنوب كردستان فجأة، لاشك إنها عملية منافية للقيم الإنسانية، مثلها مثل جميع جدران الفصل بين الشعوب فما بالكم بشعب واحد، وتشويه للعلاقات الكردستانية وجغرافيتها، فالحد من بعض المجموعات الإرهابية أو إغلاق الطريق على تنقلات أعضاء ألـ”ب ي د”، سترافقها قطع أرزاق العديد من العائلات التي تعاني المآسي، وقد تكون بداية لتقسيم كردستان الحلم، حتى لو كانت في الخيال، مع كل هذا فإنها نزلت كالغيث النعيم للبعض، تلقفها ألـ”ب ي د” وأثيرت كقضية مصيرية ووطنية بضجة غير طبيعية في إعلامه، وكان بإمكانه تدارسه معا بطريقة أكثر حنكة ووطنية، لو كانت النيات قومية أو وطنية صادقة، لكنه بعكس ذلك شكل مسيرات، بتغطية غير مسبوقة من الإعلام، حملوا أعلام ألـ”ب ي د” والـ”ي ب ك”، وصور القائد أوجلان، بدعوة أن الشعب الكردي في غرب كردستان ضدها، وبالمقابل بدل الإقليم الراية الكردستانية براية الحزب، وأثار هذه القضية بدون التفكير في النتائج المترتبة عليها في المستقبل، وهكذا شارك الإقليم بكل ثقله في تأجيج نار الصراع الكردي الكردي، وهي في الحقيقة دعاية لنقل الصراع الكردي الكردي من عمق غرب كردستان إلى عموم جغرافية كردستان، وهنا العملية لا تختلف عن نفس الصراع الخاطئ الذي ظهر بين ألـ”ب ك ك” والديمقراطي في أعوام 1992 -1994م. وكنا قد نبهنا إليها قبل أكثر من سنتين بأن ألـ”ب ي د” يعيد تجربة ألـ”ب ك ك”، وهي تجربة خاطئة، ولا تخدم القضية الكردية، ولا الشعب الكردي، وتسهل مخططات العدو للقضاء على كردستان الحلم وإلى الأبد. وهي الطريقة التي ستؤدي إلى توسيع وتعميق الثقافات المتضاربة أصلاً بين الكرد. وهي من الطرق السهلة للعدو لإرسال كردستان الحلم إلى العدم الكلي.
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية