في أزمة الثورة ومأزق المعارضة

صلاح بدرالدين

   القضية السورية بتعقيداتها الواسعة وخصوصياتها المميزة الفريدة من نوعها من أكثر المسائل الراهنة التي تحتاج الى البحث والنقاش والمراجعة من جانب أصحابها المباشرين من مثقفين ومناضلين وناشطين ولاشك أن إطالة عمر الثورة السورية والتبدلات السريعة الدراماتيكية في المشهد الداخلي كانت من المفترض أن تشكل حافزا إضافيا للمزيد من المشاريع البرنامجية الانقاذية والصيغ السياسية البديلة المطروحة للنقاش ولكن وبدلا من ملامسة الأسباب الحقيقية لتلكؤ مسيرة الثورة وفهم مرتكزات تعاظم الردات الفكرية والثقافية والخلقية في الوسط المعارض على طول الخط وبدون توقف نرى الاقبال الشديد فقط في مواسم انتهاء دورة – رئيس الائتلاف – وطرح الأسماء البديلة في بازار المفاضلات بين هذا وذاك وكأن مستقبل القضية الوطنية يتوقف على اختيار الزعيم – المنقذ على غرار ثقافة نظام الاستبداد واعلامه المسخر في خدمة الفرد الدكتاتور.
  صحيح أن جزءا لايستهان به من أسباب التراجع والاخفاقات يعود الى ضعف العامل الذاتي الى حدود الرداءة ولكن وتصحيحا للانطباع السائد لدى البعض فان هذا العامل لاينحصر في دور القيادة الكفوءة فحسب بل يشمل البرنامج السياسي السليم وتوافق ممثلي المكونات الوطنية في مجتمعنا المتعدد الأقوام والديانات والمذاهب حول الأمور الأساسية وتوفر الآليات والوسائل السياسية والعسكرية الدفاعية المشتركة على قاعدة الديموقراطية والشراكة والمساواة .

 المقدمة السليمة لأي جهد فكري – ثقافي لمراجعة قضايا الثورة والمعارضة تستوجب الفصل بينهما , فالأولى تعتبر الأصل وقد سبقت الثانية , وقامت تحت ظل أهداف ثابتة وشعارات واضحة حاسمة بعكس الثانية التي غلب عليها الطابع الآيديولوجي والحزبي والدوافع المصلحية الضيقة , واذا كانت الأولى قد انطلقت من مصالح الشعب والتزمت بها , فالثانية حملت أجندات الخارج الإقليمي والدولي – المانح وروجت لها , الأولى وبما تتسم به كمصدر للشرعيتين الثورية والوطنية لم تمنح كجسم موحد شرعيتها للثانية ولم تنجح في الوقت ذاته من انجاز وحدة تشكيلاتها ومركزة قرارها لأن الثانية لم توفر لها الشروط المطلوبة وخاصة في الجانب المادي , الأولى تعيش أزمة مستعصية والثانية انتقلت الى درجة المأزق الشديد .
  أزمة قوى الثورة وعمودها الفقري تشكيلات الجيش الحر تتركز في عدم انجاز إعادة الهيكلة وتوحيد القيادة والمركز والقرار والمساهمة مع الحراك الثوري الشعبي العام في تشكيل القيادة السياسية – العسكرية المشتركة بالوسائل الديموقراطية  والصيغة التوافقية وذلك للخلاص من عبىء – المعارضات – ومهازلها وانحرافاتها وهدرها لأموال الثورة والشعب وفي الوقت ذاته انهاء لمأزقها العميق الذي لن يجد الحل عبر الترقيعات والانتقال من حضن إقليمي الى آخر .  
   ألم يكن استقالة مجموعة من كبار قادة المجالس العسكرية في الجيش الحر بالأمس القريب تعبيرا عن حالة الإحباط وفقدان الأمل من – الائتلاف – ورئيسه الذي صادر موقع  ” القائد العام للقوات ” تيمنا بالدكتاتور الأسد وقام بأكثر من انقلاب ضمن صفوف الجيش الحر وأركانه وأبعد العشرات من خيرة القادة لأنهم لم يسيروا في ركابه وعرقل عملية إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية عن سابق إصرار حتى لاتشكل عقبة أمام توجهه مستقبلا للتفاهم مع نظام الاستبداد اذا مادعت مصالح الدول المانحة ذلك . 
  من الغريب والمؤسف في آن أن يتم تجاهل مخارج الأزمة التي أشرنا اليها أعلاه ويجري البحث عن طرق ودروب لن تؤدي الى نتيجة إيجابية فمن باحث عن علاقات صداقة مع إسرائيل وطمأنتها حول مستقبل التعايش كمفتاح للتأثير على الموقف الأمريكي خصوصا والغربي بوجه عام ومن مروج للتفاهم مع النظام – كيف ماكان – على أساس القبول بوجود واستمرارية النظام ودولته السلطوية الاستبدادية ومن داع الى نسج العلاقات مع النظام الإيراني وقبول دوره ونفوذه في المنطقة وفي سوريا تحديدا والانتقال الى مرحلة السلم والتفاهم مع نظام الأسد بصيغة إيرانية خاصة ومن غارق حتى الأذنين في معركة اختيارالبديل – للجربا – كمنقذ يحمل مفاتيح التحرير والخلاص ! وكأن مصير القضية السورية مرتبط بماتؤول اليه نتائج اختيار فرد ما على رأس مؤسسة غير شرعية وغير ممثلة ديموقراطيا للمكونات السورية وغير مخولة من قوى الثورة بل تحولت عالة وتتحمل مسؤولية تبذير أموال الثورة واقتراف الأخطاء والخطايا .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…