جان كورد
بالتأكيد، هذه ليست المرّة الأولى التي تساهم فيها بيشمركة القائد الخالد مصطفى البارزاني في كفاح الشعب الكوردي خارج إقليم جنوب كوردستان، فقد كانت البيشمركة جزءاً أساسياً من الجيش الكوردي لجمهورية كوردستان التي أعلن قيامها الرئيس الشهيد القاضي محمد في عام 1946 في شرق كوردستان وكان القائد البارزاني جنرالاً في ذلك الجيش، ولذا فإنه يستحق التقدير قدوم البيشمركه اليوم إلى كوباني بأمرٍ من الأخ الشجاع مسعود البارزاني، الذي يفتخر بكونه عنصراً من عناصر هذه القوة القتالية العظيمة لهذا الشعب الذي اقتحم بوابات التاريخ الحديث لتثبت للعالم أجمع أنها القوة التي تدافع عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ليس في جنوب كوردستان فحسب، وإنما في سائر منطقة الشرق الأوسط، إن توافرت لها الظروف الموضوعية الملائمة، والتأييد التام للعالم الحر الديموقراطي، فالحاضن الاجتماعي للبيشمركه هو كل الأمة الكوردية وأبناؤها وبناتها في كل أنحاء العالم، وبدون الحاضن الاجتماعي لا يمكن لأي جيش أن يحقق أي انتصار حقيقي.
السبب الأساسي في إرسال هذه القوة من البيشمركه إلى كوباني، وهي قوة إسناد وليس قتال، ليس القيام بتحرير جزءٍ من كوردستان، فتحرير كوردستان يتطلّب استراتيجية واسعة وعميقة بخطط مدروسة ومحكمة، ويتطلّب إمكاناتٍ وإطاراً ظرفياً أشد ملاءمة مما هي الأوضاع الحالية. ولكن هناك أسباب عديدة لهذا التدخل الكوردي في الصراع السوري الدموي، رغم خطورته، ومنها إسناد الدفاع الأسطوري لقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي عن مدينة كوردية قد تتعرّض إلى مذابح كبيرة في حال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها، كما أنه رد الجميل لقوات الكريلا التابعة لحزب العمال الكوردستاني التي دخلت مجموعات منها جنوب كوردستان لصد هجمات تنظيم الدولة الإرهابي وجنجويد البعث البائد والمرتزقة الطامحين في النهب والسلب على منطقة شنكال (سنجار) التي يقطنها الكورد اليزيديون. إلا أن هناك أسباب أخرى هامة منها تشكيل قوة أرضية كوردية مشتركة بين مختلف القوى الوطنية الكوردية تعمّق من التحالف مع الجيش السوري الحر في شمال سوريا، على غرار التحالف الذي نشأ في وجه الإرهاب الداعشي في العراق بين بيشمركة كوردستان والجيش العراقي النظامي، حيث لا يمكن القضاء على الإرهابيين دون وجود قوة أرضية تنظف أوكارهم وتطرد المجرمين بشكلٍ فعال.
بلا شك لكل فعلٍ أو عملٍ إيجابيات وسلبيات، ولهذا التدخل الكوردي “العراقي!” المثير في المعارك داخل سوريا، برضى المجتمع الدولي وعدم ممانعة تركيا وإيران ونظام الأسد، كرهاً أو طوعاً، إيجابيات عديدة، نذكر منها:
-سقوط الأسطورة التي كانت تردد بأنه لولا الكريلا و70 عنصر من الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني لسقطت عاصمة كوردستان هه ولير (أربيل) في أيادي تنظيم الدولة الإسلامية. وكذلك الأسطورة التي كانت تنشر في محطات التلفزيون واليافطات التي ترفع في المظاهرات عن”خيانة البارزاني” وتحالفه مع “داعش” ضد “أحرار كوردستان”، ولا أدري ماذا تقول النساء الكورديات ومن خلفهن من صناديد الثورة، اللواتي كن يتوسلن البرلمان الألماني لكي لا يوافق على مساعدة “البارزاني” بالسلاح لأنه “خائن!!!”، وأين هي “الصحافية!” التي تم تجنيدها لاتهام البيشمركه ب”بيع شنكال” و ب”الهروب من ساحات القتال!!!”، بل أين هم الإعلاميون الذين تحولوا إلى أبواق للشتم والسب والاستهتار بالبارزاني والبيشمركه؟ لماذا هم ساكتون؟ والعالم كله يعترف بأن البيشمركه هي القوة الظافرة والأهم التي تواجه إرهاب ووحشية تنظيم الدولة الإسلامية بجدارة وفعالية وتتقدّم على كل الجبهات. نعم، أين هم هؤلاء ورئيس رؤسائهم أوجالان يقول بنفسه: “البارزاني ليس رئيس إقليم جنوب كوردستان فحسب وإنما هو قائد قومي يجب اتباعه والسير وراءه.” فهل يصدقون رئيسهم في كل ما يقول إلا في هذه الجملة؟ بل لايزال هناك “جحوش صدامية” في جنوب كوردستان تنشر في مواقع تحمل أسماء كوردستانية ظلماً وعدواناً ما مفاده أن البارزاني لم يرسل بيشمركته إلا ليسد الطريق أمام دعمٍ دولي مباشر لقوات الحماية الشعبية، فليسأل هؤلاء الخونة مسؤولي هذه القوات والحزب الذي يشرف عليها عما أوصاهم به قادة وسياسيو المجتمع الدولي، قبل أن ينشروا مثل هذه السخافات.
-قدوم البيشمركه إلى كوباني لنصرة شباب الكورد السوريين وبناتهم الذين يقاتلون ببسالة أسطورية، في حين هربت 5 فرقٍ عسكرية عراقية من أمام مئات الدواعش تاركة كل أسلحتها وأرديتها ونياشينها، قد خلط أوراق اللعب للنظام السوري الذي خان قوات الحماية الشعبية التي لم تحاربه أصلاً إلاّ في حالاتٍ نادرة، وأوراق اللعب في أيادي تركيا، وكذلك إيران، والمعارضة السورية التي كانت تتفرّج لترى كيف ستسقط كوباني الكوردية في أيادي تنظيم إرهابي، دون أن تفعل شيئاً، وكأن كوباني ليست سورية! وفي الحقيقة إنها حسب قناعة الكورد ليست كذلك وإنما كوردستانية على الرغم من الحدود الاصطناعية لسايكس – بيكو، وما تلا ذلك من معاهدات لن يعترف بها الشعب الكوردي إطلاقاً.
– هذه الأعداد الصغيرة من قوات البيشمركه رفعت معنويات الأمة الكوردية بأسرها، وزادت من همة المدافعين عن كوباني، وستقوي مع تقديم أوّل شهيدٍ منها تلاحم كافة قوى شعبنا، فها هم عشرات الألوف من الكورد يخرجون في كل المدن “التركية!!!” لتحية البيشمركة على طول الطريق بين مدخل الخابور على الحدود العراقية – التركية وإلى كوباني، وهم يهتفون بأن الأمة الكوردية واحدة وأن الكورد لا يعترفون بهذه الحدود الغاشمة وأن البيشمركة وقوات الحماية الشعبية متحدان، كما أن آلافاً مؤلفة من شباب كوردستان وكهولها ونسائها مستعدون جميعاً للذهاب إلى كوباني وسواها تلبيةً لنداء البارزاني وينتظرون إشارةً منه.
– إن تواجد قوات البيشمركه في غرب كوردستان سيساهم في تثوير الوضع الكوردي في المنطقة ويزيد من تلاحم القوى الكوردية وتفعيل الحاضن الاجتماعي الضامن لوجود وتطوّر أي حركة سياسية.
– بالتأكيد فإن ذهاب البيشمركه من إقليم كوردي إلى إقليم كوردي آخر عبر إقليم كوردي ثالث سيثير زوبعة قوية من التساؤلات والتعقيبات والانتقادات بما يسهّل “تدويل” القضية الكوردية على الصعيد العالمي، وبخاصة فإن أي عاقلٍ في الكون لن يكون ضد مساعدة الأخ لأخيه في وقت الضيق… ولكن يقبل بسقوط مدينة مؤمنة بالحرية في أيادي الإرهابيين، أعداء الحرية، وهذا إيجابي جداً.
– إن تضحية الإقليم الجنوبي من كوردستان هذه التضحيات المختلفة، وفي مقدمتها إيواء مئات الألوف من لاجئي غرب كوردستان، رغم ظروفه المالية غير المساعدة الآن، وهو في حاجة إلى كل بندقية وكل مقاتل اليوم، سيترك آثاره في المستقبل الكوردستاني بشكل واضح.
وكما أن هناك إيجابيات فإن ثمة سلبيات أيضاً يجب عدم تجاهلها أو القفز من فوقها، وهي قد تجلب لشعبنا الأخطار، ومنها.
-ربما يتحول ذهاب البيشمركه إلى كوباني من مجرّد إسنادٍ عسكري لقوات مقاتلة في مدينة محاصرة تماماً إلى مصيدة أو فخٍ محكم لقوات البيشمركة هذه من قبل الإرهابيين المهاجمين، في حال تقاعس الدول المتحالفة عن دعم البيشمركه جواً وإعلاق تركيا ممرات المساعدة لها. فالهدف الأساسي من هجوم القوات الإرهابية على الموصل وترك السلاح العراقي لها بأوامر من بغداد المالكي كان فتح جبهة صراع لاستنزاف قوات البيشمركه، وخاصة بعد إعلان الرئيس البارزاني عن عزمه على إجراء استفتاء شعبي بصدد البقاء ضمن العراق أو استقلال كوردستان عنه.
-حاول الإرهابيون بهجومهم على كوباني، إضافةً للوصول إلى حدود تركيا التي تأتيهم عبرها مساعداتهم الدولية وتتزوّد من خلالها بعناصر أخرى قتالية، ارغام البيشمركه على توزيع قواها ومقاتليها على جبهة واسعة بهدف تحقيق ضغطها على جبهات القتال ضدهم في داخل العراق وعلى أطراف كوردستان، وفي محاولة يائسة لتأخير الهجوم على مدينة الموصل التي جعلوها عاصمة “خلافة كارتونية” لهم.
-قد تتحرّك مختلف الفصائل الإسلامية المتطرفة في سوريا والعراق، بل في المنطقة، ومنها التي تتستّر بأقنعة (الجيش السوري الحر) البريء من مواقفهم، لمناصرة تنظيم الدولة الإرهابي في كوباني، بهدف منع البيشمركه من أداء واجبها الإسنادي لقوات حماية الشعب “الكوردية” في المدينة، وبهدف منع الكورد من تثبيت أقدامهم في أرض وطنهم وفي مدينةٍ من مدنهم. وهذا سيرغم قيادة البيشمركة على تقوية تواجدها في المنطقة، مما يتطلّب الاتفاق مع تركيا في مسائل أخرى تعود بمنافع لتركيا أكثر من كوردستان.
-الموقف غير الثابت لتركيا في هذا الموضوع برمته قد يتحوّل فجأةً إلى موقف نصير عسكري للإرهابيين ضد البيشمركة وقوات حماية الشعب لأن مصالح تركيا تقتضي ذلك التقلّب الذي نلاحظه في مختلف مراحل التاريخ منذ مجيء الأتراك كغزاةٍ إلى المنطقة، وبخاصة بعدما رأوا كيف تستقبل جماهير الشعب الكوردي من شمال كوردستان هذه القوة الصغيرة من البيشمركة بالأعلام الكوردية والهتافات ودموع الفرح، فهي تخاف باستمرار من نهضة حقيقية وكبرى للشعب الكوردي في شمال كوردستان.
وحقيقةً هناك مخاطر كثيرة ومختلفة، ولكن كما قال شاعرنا الكبير مؤسس الفكر القومي الكوردي، الشيخ أحمدى خانى، في بيت شعرٍ له، قبل قرونٍ من الزمن: “بدون حربٍ وجدالٍ و تهوّر لا تتصوروا أن ينتهي هذا العمل بنجاح“
Bê ceng û cîdal û bê tehewwur Vê şuxlê qet mekin tesewwur