ابراهيم محمود
للمتابع لما يجري في كوباني ومحيطها، وموقعها بالنسبة لكل من الرئيس الأميركي أوباما والرئيس التركي أردوغان، على صعيد العلاقات الدولية وتوجهاتها السياسية الراهنة، يمكن تلمُّس نوع من الاتجاه المعاكس بينهما في النقاط التالية:
أولاً، تكون كوباني نقطة ارتكاز لأوباما، تجاوباً مع اهتمامه بمصلحة أميركا في الخارج، ومن خلال ارتباطها بإقليم كردستان العراق الذي اُعطي دوراً في مواجهة إرهاب داعش المتجاوز لحدوده حباً في المصلحة الأميركية وليس حرصاً على الإقليم نفسه، بينما أردوغان فيرى أن أي اهتمام بالإقليم يوقظ المارد الكردي من قمقمه المتخوف منه تاريخياً، وأن الاهتمام بكوباني إلى جانب الإقليم تمهيد متخوَّف منه لربط بين جزء كردي وآخر يهدد الجزء الكردي الأكبر والذي تسيطر عليه تركيا .
ثانياً، تكون كوباني نقطة تفعيل قوة خارجية بالنسبة لأميركا، وضمن مصلحة أكبر تخص ” الناتو ” والمس بها مس بسيادة الناتو إنما بسيادة أميركية معلومة وممتدة صوب الخارج، وتركيا داخلة في نطاق المصلحة الأميركية كقوة أكبر، وليس كقوة موازية لقوة أميركا، بينما يرى أردوغان أن تنمية قوة معينة في كوباني تهديد لأمن تركيا الجغرافي السياسي في الجوار حيث يكون الكرد متجاورين، وتعتبر تركيا نفسها قوة إقليمية وكوباني داخلة في نطاق نفوذها السياسي اعتباراً، ويعني ذلك في المحصلة المس بهيبتها في المنطقة.
ثالثاً، ما يخشى منه أوباما هو أن تتعرض مصالح أميركا للخطر في الخارج، وفي تلك النقاط الحيوية، وكوباني باتت علامة تنبيه لها، بينما يخشى أردوغان من أن تتزعزع وحدة تركيا للخطر، لأن المشدَّد عليه في كوباني يعني تهديد أمنها الداخلي .
رابعاً، كوباني بالنسبة لأميركا لا تؤخَذ بوصفها كردية بقدر ما تكون عامل إسناد لقوة أميركية، وفي نطاق تحالفها الدولي ضد الإرهاب الذي يتهدد مصالحها قبل كل شيء، بينما أردوغان فيرى في كوباني الكابوس الكردي الذي يسمّي وحدة الكرد القومية.
خامساً، من خلال كوباني، لا يكون أوباما لأميركا أكثر من القائم بدور، وهو في منصبه الرئيسي، ويتحرك ضمن نطاق محدد مرسوم من قبل خبراء ومستشارين معينين وقانون أميركي لا يستطيع تجاوز حدوده، بينما أردوغان فهو يعتبر كوباني من رهانات قوته، وأن الذي يستطيع تحقيقه لا يمكن لسواه إنجازه، ولم يحققه من كان قبله.
سادساً، من خلال الإهتمام الأميركي وعبر أوباما، بكوباني حرصاً على مصلحته التي تشمل منطقة واسعة في الشرق الأوسط، يبرز أوباما في واجهة اهتمامات المنطقة باعتبارها الشخص الذي يتمتع بنفوذ واعتبار داخليين، وهو بلونه المزيج من الأسود والأبيض، كونه بن رجل كيني ” أفريقي ” وامرأة امريكية، بينما أردوغان فيرى في هذا الاهتمام إثارة البلبلة في تركيا هذه التي تسمّي التركي وحده، وتتخوف من النظر إلى الكردي بصفته كردياً إلا في نطاق ضيق، وكأن كوباني تحد لهذا التاريخ الأتاتوركي الأحادي الجانب .
سابعاً، ما يهم أوباما، وخاصة راهناً، هو الحفاظ على كوباني ومنعها من السقوط لأن داعش بات تحدياً كبيراً لأميركا، أما أردوغان فما يهمه هو إمكان سقوط كوباني، لأن في ذلك الحيلولة دون تقوية الوجود الكردي وإبرازه في تركيا بالذات .
ثامناً، ليس داعش غريباً بالنسبة لأميركا فهو ليس أكثر من سلالة ” قاعدية ” أسامة بن لادن، واستفحال خطره في المنطقة، وفي كوباني يعني أن داعش أصبح في موقع العاصي والمتمرد على سلطة أميركيا في الخارج، وأردوغان الذي يلتقي مع أوباما في هذه النقطة، سوى أن تركيا ركّزت على داعش جرّاء تنامي قوة الكرد، وفي الإقليم كان الضوء الأخضر، وفي كوباني التي ترجمت كردياً بظهور مقاومة كردية، وداعش موصول بأمن تركيا في العمق، والقضاء عليه تحجيم لقوة تركيا وربما انتقال إلى الداخل التركي وزعزعته أمنياً .
تاسعاً، كوباني لأوباما هي كوباني كموقع جغرافي، والاعتراف بالمقاومين الكرد باعتبارهم كرداً، تأكيد على كردية الموقع ومن فيه، بينما أردوغان فيسعى جاهداً إلى طمس هذه الهوية، كما في تصريحاته المتناقضة المترجمة لمخاوفه، والأحدث منها: كان اسمها عين العرب وها هي تسمى كوباني، وهذا تعبير عن تزييف تاريخي كامتداد لتزييفات تاريخية أخرى، لأن كوباني هي الاسم الأقدم” في مطلع القرن العشرين نسبة للشركة العاملة في المنطقة” كامباني “، بينما عين العرب فتعريب لها من قبل النظام السوري لاحقاً.
عاشراً، يمكن لكوباني أن تحقق تقدماً أميركياً في المنطقة على صعيد الهيبة سياسياً ومعها قوى التحالف الأوربية، وهذا من مصلحة الكرد بالمعنى القومي، بينما الوضع مغاير تماماً لتركيا، إذ إن أردوغان يعتبر تحقيق هذا الانجاز انتصاراً للكرد، وهزيمة منكرة لداعش وإرهابه، ونذير خطر لتركيا وفي داخلها، وليكون من تناقض المصالح بروز للدور الكردي وتحد لتركيا وللدول التي تتقاسم كردستان.
حادي عشر، من خلال كوباني الموقع الحدودي المجاور لتركيا تماماً، برز أوباما كالرؤساء السابقين لأميركا في موقع الذئب الذي يتربص بـ ” طريدته ” وفي النطاق المرسوم لها، وهنا يكون داعش، بينما أردوغان ففي موقع الثعلب الذي يراوغ خوفاً من الوقوع في مصيدة الذئب غير المباشرة، وأن تكون حركة الذئب مهددة لوجوده هو بالذات ولحزبه ومن وراءه، وهذا يمهد الطريق لـ” الخطر الكردي ” المرصود باتجاه العمق التركي .
ثاني عشر، كوباني تمثل للاثنين دائرة الطباشير القوقازية المعروفة، حيث إن أردوغان يسعى جاهداً إلى عدم الخروج من الدائرة دون غنيمة معينة، وكوباني امتداد لغنيمة جغرافيا داخلة في نطاق نفوذها، بينما أردوغان فيسعى جاهداً إلى تأكيد مصلحة أميركية والحرص على بقاء الدائرة سليمة لتأكيد نفوذها، وبالتالي، فإن تركيا ستنتقل من دائرة كوباني إلى دائرتها الجغرافية بثلثها الكردي.
ثالث عشر، انتخِب كل من أوباما وأردوغان مرتين، والفارق كبير، بين انتخاب أوباما الذي يستجيب لسياسة أميركية بغضّ النظر عن لونه، بالعكس، جاء تأكيد اللون ترجمة لانفتاح أميركي على الداخل المتنوع، وأوباما المعني بكوباني لاعب دور أميركي واسع النطاق، بينما أردوغان فقد اُنتخِب لأنه يستجيب لسياسة تركيا متنامية بوجهها المركّب القومي الطوراني والديني المترَّك، ولمحو كل تنوع في الداخل التركي، وكوباني مقلقة لأردوغان كونها تسمّي هذا التنوع الذي يخشاه هو وكل المتشبعين بالنزعة الأتاتوركية.