فؤاد عليكو
كنت قد كتبت مقالاً بتاريخ 20/6/2014 تحت عنوان (ماذا بعد الموصل؟) وذكرت فيه بأن ما حصل في الموصل ماهي إلا لعبة مخابراتية إيرانية مع حلفائه لتسليم الموصل إلى أكثر القوى السنية تطرفاً وإرهاباً، مستهدفاً من واراءها ضرب المكون العربي السني المعتدل مع داعش ومن ثم التصادم بين داعش وإقليم كردستان العراق نتيجة سياسة الإقليم غير المرحبة به إيرانياً وسورياً وتصادم الإقليم مع المالكي باستمرار، ونزوع الإقليم نحو مزيد من الاستقلال وذلك من خلال استثمار الطاقة ذاتياً دون الرجوع إلى سلطة المركز والبحث عن مستثمرين ومصدرين دوليين عبر ميناء جيهان التركي وكذلك تلويح الإقليم بتطبيق مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكردي عبر استفتاء عام يتقرر فيه مستقبل الإقليم السياسي مع العراق خاصة بعد قطع المالكي استحقاق الإقليم من حصته في ميزانية الدولة وممارسة سياسة لى الذراع بحق قيادة الإقليم،
وذكرت أيضا بأن الرياح لم تجري كما اشتهت السفن الإيرانية، فلم يحصل مثل هذا التصادم المخطط له، لابل اتجهت رياح المعركة صوب بغداد وسامراء بعد أن تمت السيطرة على محافظة صلاح الدين خلال 24 ساعة أيضا، وذلك بفضل توجيه القوى السنية المتصارعة مع المالكي منذ فترة طويلة لمسار المعركة، واستغلال الكرد هذا المشهد الدرامي سياسياً وعسكرياً في الموصل وصلاح الدين والتمدد صوب المناطق المتنازع عليها مع سلطة المركز والسيطرة عليها بالكامل دون قتال يذكر، مما دفع بالمالكي وإيران إلى التخبط السياسي والعسكري وبات الدفاع عن بغداد ووقف الزحف هو الهدف المرحلي لهما، وما أن تمكنا من السيطرة على الوضع في جبهة بغداد واستعادة الأنفاس والتواصل مع عملائها في مركز القرار لدى داعش حتى عاد بالمخطط إلى التنفيذ من جديد فكان الهجوم المباغت على شنكال وزمار والربيعة بقوة نارية وبشرية هائلة تفوق اضعاف ما يملكه البيشمركة الكردية، ولم يعد ممكناً الصمود في وجهها فكانت خسارة معركة شنكال وزمار كارثياً على الكرد الإيزيديين وغيرهم المتواجدين في المنطقة بكل معنى الكلمة، لكن قيادة الإقليم وبفضل ما يتحلون به من أرضية شعبية كردستانية وحنكة عسكرية والتفاف شعبي كبير ودبلوماسية دولية ناجحة استطاعوا السيطرة على الوضع واخذ زمام المبادرة في المعركة والتوجه نحو تحرير المناطق التي خسرتها في المعركة سابقاً، ومن المؤسف القول أن اعلام ب ك ك وب ي د استغلوا المشهد سياسياً وعسكرياً لأجنداتهم الحزبية والإساءة إلى قيادة الإقليم وتشويه سمعة وصورة البيشمركة كردياً وخاصة لدى الطائفة اليزيدية واظهار أنفسهم بانهم الحماة الأساسيين عنهم، كما استطاعوا استغلال فراغ البيشمركة في شنكال من تأسيس موضع قدم لهم هناك مستغلين بذلك الذين كانوا على خلاف مع الديمقراطي الكردستاني سياسياً منذ فترة طويلة.
لكن وسط هذه التراجيديا الكردية الجديدة وما يحاك ضد الكرد من مؤامرات هنا وهناك فقد بات واضحاً بأن القضية الكردية تجاوزت الحصار الإقليمي الخانق والمستمر منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم وأضحت قضية تستقطب الاهتمام الدولي ولها حلفاء دوليين وخاصة امريكا والعديد من الدول الأوربية المؤثرة على القرار العالمي والذين تدخلوا مباشرة عسكرياً وسياسياً وتقديم كل اشكال الدعم المطلوب وإفشال المخطط الإيراني/المالكي المعد بدقة فائقة، لا بل ارتد المتآمرون على نحورهم ودفع نوري المالكي الثمن غالياً وأقصي نهائياً عن السلطة في العراق وقبل الإيرانيون بالهزيمة وبالتأكيد سوف يعيدون النظر بحساباتهم بشأن الإقليم والقضية الكردية بشكل عام، كما أن تركيا التي كانت تراقب المشهد عن كثب وما ستؤول اليه التطورات في إقليم كردستان العراق، فمن المؤكد أنها ستكون أكثر جرأة في البحث عن حل للقضية الكردية في تركيا خاصة بعد نجاح أردوغان برئاسة الجمهورية التركية في الجولة الأولى من الانتخابات بعد تغلبه على كل القوى السياسية التركية مجتمعة من اليمين الى اليسار الى التيار الديني المدعوم من قبل فتح الله كولان، وبالتالي سيدفعه هذا الانتصار الداخلي وهذا الاهتمام الدولي بالقضية الكردية إلى الإسراع من وتيرة المفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني p k k والوصول إلى اتفاق نهائي لإنهاء الصراع بين تركيا وحزب العمال والتي استمرت قرابة 30 عاماً، ومن المؤكد أن الرئيس مسعود سوف يلعب دوراً إيجابياً ومؤثراً لإنجاح المفاوضات لما له من مكانة لدى الطرفين من جهة والمجتمع الدولي ككل، وعليه نستطيع القول بأن آفاق الحل للقضية الكردية في الأجزاء الأربعة أضحت مسألة وقت إذا استطعنا استثمار هذا الوقت وهذا المناخ الدولي الإيجابي لصالحنا وابتعدنا عن الأنانيات الحزبية الضيقة والأفكار الطوباوية غير المجدية عملياً واستطعنا توحيد طاقاتنا وتسخيرها لخدمة شعبنا فقط بعيداً عن الأجندات الحزبية والمؤامرات الإقليمية.