البيشمركة والتحدي الثلاثي الأبعاد

ابراهيم محمود

 

لا أظن أن البيشمركة اليوم ، في موقف تُحسَد
عليه. 

 
أظن أن البيشمركة اليوم في موقف تُحسد عليه  . 
 
إلى أي درجة تجد البيشمركة نفسها في مثل هذا الموقف
المركَّب والمتناقض معاً ؟ 
 
أسئلة ثلاثة، في سؤال واحد يخص موقع البيشمركة اليوم كقوة
دفاع عسكرية جبهاتية كردية في إقليم كردستان. إذ لأول مرة تجد البيشمركة نفسها في
مواجهة تحدٍّ ثلاثي الأبعاد، هو واحد من حيث المبدأ والنتيجة بالتأكيد:

على مستوى الاسم : إذ إلى أي درجة تستطيع هذه القوة العسكرية
المسلحة تأكيد اسمها فعلاً، في نطاق تطابق الاسم مع المسمى؟  وهي التي تمثل إقليم كردستان وشعب الإقليم، لا
بل وكل كردي يجد نفسه امتداداً للإقليم باعتباره جهة كردستانية لها اعتبارها
السياسي والقومي والاجتماعي والنفسي، وهنا تكتسب حضورها القومي العريض. 

 
على المستوى الإقليمي: حيث الأنظار مسلَّطة عليها، في ضوء التحدي
الداعشي الذي يصعب التكهن بقوته، وهمجية أسلوبه في تخريب المكان وترويع السكان، أو
أي جهة تقع تحت سيطرته، كما حدث في شنكال، إذ يكون الإرهاب والترهيب وجهين لعملة
واحدة في سياسة هذا الأكبر من التنظيم وما دون التنظيم معاً، وبالنسبة إلى الذين
يراهنون عليه في المنطقة وفي مناطق أخرى، لحظة النظر إلى ” إعراب
” البيشمركة السياسي والقومي والرمزي. تلك حرب لا يمكن التردد حول اعتبارها
مصيرية للإقليم ولكل ذي شعور قومي كردي، بغضّ النظر عن أي موقف خلافي، كما الحال في
أي رقعة جغرافية كردستانية، انطلاقاً من مفهوم وحدة الاسم، سوى أن مقام البيشمركة
المتقدم، وفي الواجهة المحلية والإقليمية والعالمية، كما الحال راهناً، يضفي عليها
بعداً استراتيجياً عالي المستوى. 
 
على المستوى العالمي: فما يجري نقله مباشرة، يفعّل هذا المفهوم،
وهذا الامتداد في الأهمية، وذلك من خلال متابعة لكل مستجد في ساحة المعركة ذات
الحدود الطويلة والوعرة والخطرة في آن، ومع قوة إرهابية وتخريبية أكثر من مفهوم
القوة جهة النظر إلى حقيقتها في التحرك والمدد والتغطية والانتشار، فيستحيل حصر
ساحتها، وأقل منها، عند التدقيق في بنيتها وهي التي تسمي نفسها دون ركيزة إسناد من
أحد، إلا أن القوة هذه والتي أربكت قوى واخترقتها ولفتت الأنظار إليها في المنطقة:
في العراق وخارجه، في ضوء التشرذم القومي العربي المركزي قبل كل شيء” علينا
أن نتذكر دائماً مخلفات أو بقايا النظام البعثي العراقي الصدامي السابق في العمق
العراقي، وحتى العربي في ضوء الانكسار القومي العربي وأفول نجمه كثيراً، وأوهام
التسميات وخدعتها ” النقشبندية الدورية: أي بالنسبة لعزة ابراهيم الدوري  ومن معه قديماً وحديثاً، عبر النفخ في الرماد ما
استطاع المعنيون بها  إلى ذلك سبيلاً
“، وهم يتلمسون نشوة الانتشار في إهاب داعش وخلاف داعش ..”، أي مع وجود
خطط مدروسة أو محبوكة بحيث تكون البيشمركة في الواجهة، وهي في الواجهة واقعاً، إن
مددنا النظر في الجاري على الأرض، لتكون هي العقبة الوحيدة الأوحد أمام انتشار هذا
الغول الداعشي ” حصان البعثيين والمتبعثنين وأعوانهم جهاراً
راهناً، وبالنسبة للعالم، على صعيد المجابهة العسكرية المنظمة، بقدر ما يتم تحديد
الأخطار التي تتمثل في داعش ظاهراً، وما يصحبها باطناً، وهي مأخوذة بعين الاعتبار،
بقدر حالات التأهب المتفاوتة والتنبه لها في أميركا وأوربا، ولا يظنن أحد أن
المعركة التي تخوضها البيشمركة باتت معركتها هي وحدها، إنما كل من أمسى في وضعية
مباراة: 
 
من يقف مع داعش: انخراطاً وتعاطفاً ودعماً، ولو دون تسمية
تخوفاً من المحاسبة، ودائماً لوجود هذا المسمى بـ” العمق القومي والرمزي
العربي أو العروبي تحديداً ” ولو على سبيل التعويض، كما لو أن تجلي البيشمركة
هو انكسار شوكة مغامر قوموي، عروبوي في العمق، وقد أُدرِك ذلك من خلال وسائل
الإعلام العربية بجلاء وخاصة في بداية المجابهة، حيث وجدت البيشمركة نفسها في موقف
صعب في المواجهة لانتفاء التعادل ولو النسبي في العدة والعتاد ” بعد سيطرة
داعش على أسلحة غاية في التطور في الموصل بتدبير لا يخفي على أحد  ممن هم في المركز : بغداد وأبعد منها “،
ولتستعيد البيشمركة قوتها المأمولة واللافتة للأنظار تالياً كما الحال راهناً ،
وهو ما يصدم من يحاول تجاهل هذه المعادلة من الداعشيين ومن يجري في ركابهم ، ولأن
البيشمركة غير منفصلة عن القيادة السياسية لها، إنما تغدوان هنا بالمقابل قوة
واحدة في الاتصال والتحرك والمواجهة . 
 
من يقف في مواجهة داعش: وتبقى البيشمركة هي قوة الرهان الوحيدة،
ولكنها قوة تتبع أرضها وشعبها ومبدأها، باعتبارها جيشاً نظاماً من حيث المبدأ، وأن
الاهتمام المركز بها إنما توافق مع هذا الشعور المشترك بالخطر الداعشي وامتداداته
ما بعد الحدودية المحلية والإقليمية، وليكون هذا الاختبار هو الأول من نوعه، وربما
الأكثر حسماً وانعطافاً في التاريخ الكردي المعاصر، انعطافة مسجلة لدى المعنيين
بالحرب وصنفها والمترتب عليها هنا وهناك قيمياً ، إذ عبر هذه البوابة المفتوحة
والكبيرة جداً والمتحركة، تجاوز الإقليم حدود محليته وإقليميته، بقدر ما تجاوز
حدود ” هامشه ” المعطى له من قبَل المركز ” بغداد “، كما لو أنه
حكومة قائمة بذاتها، بقدر ما تجاوز نطاق التمثيل النسبي المقتصر على الإقليم وحده
فقط، إلى نطاق الأبعد من حدود عراق الدولة في الاتصال واللقاءات السياسية عالية
المستوى مع مراكز القوة في العالم وتأكيد الذات في الفعل الكردي المركَّز، كما هو
معروف من كل متابع إعلامي وغير إعلامي في أمكنة مختلفة، وعلى مستوى عالمي، ليكون الإقليم
في مركز العاصفة، وعاصفة مضادة معاً .

كل ذلك يعدُ بالكثير غير المسبوق أملاً، أو
يحيل الكردي باسمه في الإقليم وخارجه إلى موقع دلالي واعتباري مغاير، بدءاً من هذا
التاريخ العاصف مجدداً، أو الامتحان العسير الذي لما تزل البيشمركة تخوضه بمزيد من
العزيمة والتقدم اللذين يعززان من مكانة الإقليم بمعناه السياسي والاجتماعي
والأخلاقي والحضاري معاً. 

 
ربما، كان مؤثّراً قول كهذا، والذي يعنيني
جداً، في نطاق هذا التحدي وطبيعته وأبعاده الخفية والعلنية، وهو: أن تكون كردياً
هو أن تكون مع البيشمركة، لأن ثبات عزيمة البيشمركة وانتصارها المشروع إعلاء من
شأن الكردي وكردستان بالمعنى الأوسع للكلمة .

الرهان لا يستند إلى أي أساس عاطفي أو مبايعة
بالمجان بالتأكيد، إنما إلى واقع لا يتنكر له إلا من يتنكر لوجوده الفعلي على الأرض،
واقع يقصي الخيار الثالث !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…