نبحث عن خيارات المجلس الوطني الكوردي أمام هذه التحديات والتحولات القائمة، فالحركة الكوردية منذ التأسيس عام 1957 وهي تناضل سلمياً وفق الظروف المتاحة والأساليب الممكنة وعلى المسارين الوطني والقومي، من أجل بناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية، تتحقق فيها الحرية والعدالة والمساواة، وتحترم فيها الحقوق المشروعة للشعب الكوردي، وتلغى فيها جميع المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية المطبقة بحقه، وتزال جميع آثارها، وبوصول رياح التغيير (الربيع العربي) دخلت الحركة الكوردية مرحلة جديدة اعتبرتها تاريخية مفصلية وفرصة ذهبية لتحقق أهدافها، فقامت بلملمة صفوفها وترتيب أوراقها ضمن إطار المجلس الوطني الكوردي الذي أسسته في 26/10/2011 من الأحزاب السياسية والتنسيقات الشبابية والنخب والفعاليات المستقلة، والذي يعتبر عنواناً كوردياً بارزاً حازعلى الاعتراف داخلياً وخارجياً، على أنه ممثل شرعي للشعب الكوردي في سوريا، فقد أقر في وثيقته السياسية أنه جزء من الثورة السورية السلمية ثورة الحرية والكرامة من أجل إزالة الاستبداد والفساد، فكان مشاركاً ومتضامناً منذ البدايات، وباستخدام النظام العنف والحل العسكري أخذت الأحداث اتجاهات أخرى، وتدخلت قوى وأطراف كثيرة وبأجندات غريبة وخطيرة، فأصبحت سورية ساحةً للصراعات والمساومات وتصفية الحسابات، فالمعاناة والمأساة والنكبة والكارثة.. باتت عناوين بارزة للأزمة المتفاقمة المستدامة، وأعداد الضحايا من القتلى والمشردين والمعاقين مرعبة تزداد يوماً بعد يوم، وأرقام الخسائر المادية في الممتلكات والبنى التحتية فلكية تكبرمع دوام الأزمة ..
بهذه الصورة المأساوية المؤلمة، تتأكد ضرورة الحل السلمي عبر الحوار بين الفرقاء المتصارعة، بعد استحالة الحسم العسكري لصالح أية جهة، لذلك كان مؤتمر جنيف 2، وحضور المجلس الوطني الكوردي بموقعه وموقفه ودرجة تفاعله وتأثيره في المشهد السوري يوضحه المنحني البياني للأحداث والتطورات التي واجهته منذ البدايات وإلى تاريخه :
1) لم يستطع المجلس الوطني الكوردي الحفاظ على نفسه ككتلة كوردية موحدة ومستقلة على غرار التحالف الكوردستاني في العراق على الساحة السورية، على أن ينسّق ويتعاون مع الأطراف والجهات التي تتفق مع سياساته وتعترف بتوجهاته، انطلاقاً من خصوصية الكورد وطبيعة مناطقهم، واستفادة من التجارب الماضية وبخاصة أحداث 2004 وتداعياتها.
2) لم ينجح في وحدة الصف والخطاب الكورديين كضرورة وحاجة مرحلية واستراتيجية للنضال الوطني والقومي:
أ- عدم المحافظة على بعض مكوناته من الأحزاب والتنسيقات والمستقلين وعدم حمايتهم من الانقسام والتشرذم وعدم منعهم من الإرتماء في أحضان أخرى مختلفة أو منافسة للمجلس في الأسلوب والغاية..
ب- الفشل في تنفيذ التفاهمات والاتفاقيات الموقعة مع مجلس شعب غربي كوردستان.
3) غياب العمل المؤسساتي والشراكة الحقيقية بين مكونات المجلس وهيمنة بعض الأحزاب على جميع المراكز والمفاصل، وسيطرة النزاعات الأنانية والحزبية والخلافات الشخصية في تشكيل المحاورغير المتجانسة فكرياً وتنظيمياً، والتي أدت إلى فقدان الثقة والمصداقية والانسجام، وبالتالي حدوث الشرح والصدام في كثير من الحالات.
4) افتقاد المجلس لمشروع(كوردي سوري) مستقبلي عملي بمبادئه ومقوماته وخطواته، والانطلاق من ذهنية ومنهجية أساسها الاعتماد على الغير (إقليم كوردستان العراق) للتخطيط والإدارة واتخاذ القرار ثم التنفيذ نيابة عنها، والمراهنة على فشل المنافسين والخصوم على الأرض لاثبات الوجود وشرعنته .
5) عدم امتلاك المجلس للإرادة و القرار،وترهينها للقوى الكوردستانية وتوافقاتها وتبايناتها, وتسخيرها لتنفيذ أجنداتها كورقة رابحة في التوازنات والتفاهمات المحلية والاقليمية والدولية.
يجمع المراقبون (المتابعون والمهتمون) للشأن الكوردي والمجلس الوطني الكوردي على أنه ولد ضعيفاً ثم معطلاً ثم فاشلاً ثم مريضاً في غرفة الإنعاش ويعود ذلك لأسباب عامة ومباشرة منها:
1)- نتيجة لسياسة التصحّر السياسي التي مارسته النظام ضد الحركة الكوردية من قمع وتمزيق وتمييع و تشويه وتدجين..
2)- تدخل القوى الكوردستانية السافروالصارخ في شؤون الحركة الكوردية ومحاولة احتوائها وتجنيدها خدمة لسياساتها.
3)- عقد الخصومة الناجمة عن الصراعات الحزبية والخلافات الشخصية بسبب الانشقاقات والاصطفافات المتكررة والمتعددة والمستمرة.
4)- ضعف الإمكانات الإعلامية والمادية والدبلوماسية والعسكرية لدى فصائل الحركة.
5)- افتقار الحركة لحلفاء دوليين كبار يقدمون الدعائم والمساندة .
6)- سيطرة الأنانية و المزاجية الشخصية والعصبية الحزبية القاتلة والتبعية السياسية العمياء على الأجواء العامة في مناقشة المواضيع واتخاذ القرارات بشأنها.
7)- سيطرة الأساليب التوافقية والآليات الكلاسيكية الحزبية في المجلس, وافتقار المهيمنين على المجلس للخبرة والتجربة العملية, وعدم استثمارالتقنيات والوسائل الحديثة, وعدم الاستعداد والتأهيل للعمل ضمن الظروف الراهنة والمستجدة بمعطياتها ومقتضياتها.
8)- إضافة إلى ما سبق فقد كان لتدويل الأزمة السورية ودخول الكورد ديمغرافياً وجغرافياً في الحسابات السياسية محلياً واقليمياً ودولياً, ازدادت الضغوطات والمحاولات لجر المجلس إلى مواقع لإضفاء الشرعية أو تحقيق التوازن أوتمرير مشاريع لصالح أطراف ضد أخرى.. مستخدمين المال السياسي والضخ الإعلامي والعرض المناصبي و الضغط الأمني من خلال امتدادات المحاور المتصارعة بمؤسساتها وشخصياتها وممثلياتها.
والسؤال الأول المطروح: هل يستطيع المجلس مراجعة نفسه ويتعافى، ويتجاوز محنته ويستنهض من سباته، فيحل مشاكله ويرتب أوراقه من جديد، ويحسم خياراته ويتخذ قراراته بوضوح وجرأة واستقلالية لصالح القضية الكوردية وطنياً وقومياً, ويلتزم جميع مكوناته بمقرراته السياسية و التنظيمية ….؟! أم سيبقى اسماً لهيكل مشلول تستثمره جهات لأهدافها ومصالحها الخاصة ؟!
وبعد جنيف 2 , عادت جميع الأطراف المشاركة والمعنية بالشأن السوري إلى مرجعياتها لتنظيم أدائها لتجمع قواها وتنسق ملفاتها استعداداً لمواجهة المتغيرات والمستجدات في المستقبل, خلال وضع خطط وبرامج مجدية وعملية..
والسؤال الثاني المطروح: هل للمجلس خيارات محددة ضمن الترتيبات المطروحة من قبل المعارضة والنظام والدول العظمى والإقليمية ؟!
لقد بدا واضحاً انقسام الائتلاف الوطني السوري وفشله في احتضان جميع القوى المعارضة وتمثيلها, والمساعي الجارية لنقل مكاتبه من تركيا إلى القاهرة، وكذلك عدم إلتزام الإئتلاف بالوثيقة الموقعة مع المجلس نصاً وروحاً، وقد كان جلياً في افتتاحية مؤتمر جنيف 2 حين لم يشر رئيس الإئتلاف إلى المكون الكوردي وقضيته في كلمته، ومن ثم تم تقديم الرؤية السياسية للائتلاف إلى المندوب العربي والدولي (الأخضرالإبراهيمي) دون مشاركة ممثلي المجلس الوطني الكوردي في صياغتها، أو الاطلاع على مضمونها، وعدم سعي الإئتلاف لتثبيت القضية الكوردية كبند مستقل في جدول الأعمال، إضافة إلى عدم وجود شراكة حقيقية في الإئتلاف حين تشكيل المكاتب والوزارات التابعة له منذ انضمام المجلس له، وعدم الاطلاع على طبيعة وكمية وكيفية المساعدات المالية والإغاثية التي تخص للائتلاف(ادخال واخراج ومصادر..) وعدم استشارة ممثلي المجلس حين اتخاذ مواقف وقرارات واصدار بيانات تتعلق بالوضع الكوردي والمناطق الكوردية ..
والسؤال الثالث المطروح : ماخيار المجلس في الإئتلاف؟ الاستمرار بنفس النمط والسلوك ؟! أم إعادة النظر في عضوية المجلس وحضوره ودوره ؟! أم البحث عن بدائل ؟! وماهي البدائل المقترحة؟
في ظل انقطاع العلاقات بين المجلسين الكورديين، وانهيار الاتفاقيات المبرمة بينهما، وتبادل الاتهامات والانتقادات عبر البيانات والتصريحات الإعلامية..
فالسؤال الرابع المطروح: هل هناك إمكانية وفرصة لإعادة الروح إلى الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين؟!وهل هناك رغبة للمشاركة في الإدارات والمؤسسات القائمة كما هي تلك التابعة لمجلس الشعب غرب كوردستان كالإدارة الذاتية والأسايش والمعابر ..؟! وإن كان الجواب بالنفي ؟ فما هي خيارات المجلس لتثبيت حضوره على الأرض لحماية المناطق الكوردية وتأمين سبل العيش والأمان فيها ؟!
تقوم أحزاب المجلس باجتماعات وتتخذ قرارات وتقوم بزيارات وتجري لقاءات وتصدربيانات في إقليم كوردستان العراق بغياب ممثلي المرأة والحراك الشبابي والمستقلين الذين تتجاوز نسبتهم 51% من تركيبة المجلس ..
فالسؤال الخامس المطروح : هل ستحافظ الأحزاب الكوردية على المجلس الوطني الكوردي بتركيبته على أساس الشراكة الحقيقية لكافة مكوناته كما هو مقرر؟! أم تبحث عن بديل جديد وباسم جديد(مجلس الأحزاب الكوردية مثلاً) وبهيكلية وآلية جديدتين؟ وماهي المقتضيات والمبررات لإقصاء باقي المكونات؟ وما أوجه الشرعية والصلاحية في اتخاذ القرارات والإجراءات بغيابها وخارج الهيئات الشرعية كالأمانة العامة والمجلس؟! ما هي الخطط الملموسة والعملية والبرامج الناجعة التي توصلوا إليها خلال فترة إقامتهم في الاقليم من أجل حل الأزمات
أسئلة سريعة :
لا بد أن نذكر القارئ الكريم بعدة معلومات ومعطيات بصيغة استفسارية بحثاً عن الأسباب والأهداف التي تقف خلفها، وذلك لغاية البحث والمناقشة:
1) لماذا لم يصبح حزب الPYD جزءاً من المجلس الوطني الكوردي بالرغم من مشاركته في لجنة الإعداد والتحضير ؟!
2) لماذا لم تلب الأحزاب الكوردية دعوة الرئيس السوري لمقابلته ومناقشة القضية الكوردية والوطنية ؟ وهل كان الموقف صحيحاً ؟ ولماذا؟
3) لماذا لم يزر ممثلو المجلس تركيا بناءً على دعوتها الرسمية خلال عام 2012؟
4) لماذا لم يزر وفد المجلس روسيا بناء على دعوة رسمية إلا بعد فوات الأوان ؟
5) لماذا يتأجل عقد المؤتمر الثالث للمجلس الوطني الكوردي لمرات عديدة؟
6) لماذا يتأجل عقد مؤتمر أحزاب الاتحاد السياسي وهي جزء معتبر من المجلس،والذي يعقد عليها آمال وطموحات كبيرة ؟
7) لماذا وماهي الأسباب التي جعلت عدة أحزاب وشخصيات مستقلة وتنسيقيات خارج أطارالمجلس ؟
8) لماذا لا يعلن راعي اتفاقية هولير السيد رئيس الإقليم عن انهيارها والهيئة الكوردية العليا بالرغم من اعلان المجلس من عدم التزام الطرف الآخر ببنوده، ورغبته في الانسحاب منها؟
9) لماذا لم يلتق سكرتيرو أحزاب المجلس بقيادة الـ KCK في قنديل،والـ YNK في السليمانية أسوة بغيرها من الأحزاب الكوردستانية؟
وختاماً:
تشكل المجلس الوطني الكوردي ليكون مرجعية كوردية تحمل على عاتقها مسؤولية الشعب الكوردي وقيادته، لتأمين حقوقه القومية والوطنية والديمقراطية، كي يعيش حراً كريماً في أمان وسلام، وعليه نسأل أخيراً:هل كان المجلس موفقاً في أداء مهماته وتحمل مسؤولياته وتنفيذ إلتزاماته وتحقيق غاياته التي تأسس من أجلها؟ ولمصلحة من تعطيل المجلس؟ وما هي الأسباب الخاصة والعوامل غير المباشرة المعطلة له؟وماهي الأسس والسبل الكفيلة لتفعيله وتنشيطه؟
ألم يفت الأوان؟ وهل هناك فرصة أخيرة لتجاوز الأخطاء والعثرات واستعادة عافية المجلس ونشاطه ؟!
————– انتهت —————
28/2/2014