سرطان الثورة ومتطلبات الاستئصال

عبد العزيز التمو

عندما قامت الثورة السورية كان الحلم الكبير للشعب السوري ليس فقط التخلص من نظام الاستبداد الذي كتم على أنفاس الشعب لعقود تحت قوة القمع والبطش الأمني والاستغراق في الفساد السياسي والمالي, وإنما بناء نظام جديد يرتكز علي الديمقراطية الحقيقية التي تحقق التعايش بين الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية التي تميز المجتمع السوري, وتتبني عقدا اجتماعيا يرنو صوب التقدم والازدهار.

لكن السياسة التي انتهجها النظام في حرف  الثورة عن مسارها وضعها أمام مأزق كبير في انشاء تنظيمات متطرفة ارهابية تغلغلت في صفوف الثورة , نتيجة مقاومة النظام  للتغيير وسعيه للحفاظ على حكمه و شبكة مصالحه السياسية والاقتصادية
وتوظيف الاختلافات السياسية والمذهبية والقومية ليراهن دائما علي أن نظامه  أفضل من الجديد الارهابي, الذي سيجلب الفوضى والعنف وعدم الاستقرار, والانحراف في الثورة أيضا جاء نتيجة التطرف والتشدد الديني الذي يمثل آفة وسرطانا في جسد الديمقراطية المنشودة فالمتأمل في المشهد الحالي في سوريا يجد أن الصراع يتبلور بين الفكرة الديمقراطية والتطرف الديني او القومي  وهما بالطبع لا يمكن أن يتعايشان معا.
وقد بدأ الصراع يتحول من صراع بين الاستبداد والقمع ـ الذي يمثله نظام بشار الأسد الدموي وبين المعارضة الثورية ـ التي يمثلها الجيش الحر ـ لتحقيق الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة, إلي صراع داخل المعارضة ذاتها بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام علي الخط واندلاع المعارك الضارية بينه وبين قوات المعارضة السورية, وتحول تنظيم القاعدة بفصائله المختلفة إلي سرطان يهدد بوأد الديمقراطية المنشودة في سوريا ويشوه ثورتها, وأصبح الشعب السوري الآن يئن تحت مطرقة النظام, الذي يمارس القتل والدمار عبر براميل الوقود الحارقة, وسندان الجماعات المتطرفة, التي تنفذ الإعدام في العشرات يوميا, كما حدث أخيرا في مدينة الرقة, وهو ما جعل الثورة السورية  في خطر حقيقي أمام سرطان التطرف الديني.
اتساع حزام التطرف الديني والتكفيري والإرهاب في سوريا أضحي كالسرطان في جسد  الثورة الديمقراطية وتواجه تعثرات كثيرة نتيجة التنازع بين القوي الإسلامية والمدنية وصعوبة تحقيق التعايش بينهما في إطار ديمقراطية تعترف بالاختلافات وتستوعبها عبر التنافس السلمي وليس وفقا لنظرية الإقصاء من ناحية, والصراع بين أنصار النظام القديم وأنصار التغيير من القوي الثورية من ناحية أخري. هذا التطرف الديني يعوق  انتصار الثورة وتكريس الديمقراطية من عدة زوايا, الأولي أنه يشكل بيئة ملتهبة من العنف والصراع والإرهاب وإذكاء نار الطائفية والمذهبية والقومية , والثانية أنه يعطي الذريعة لأنصار النظام الاستبدادي لتفريغ الثورة الديمقراطية من مضمونها تحت حجج الاستقرار والأمن, وترويج أن الديمقراطية تقود دائما إلي الفوضى والخراب, وبالتالي يصبح الشعب السوري  أمام خيارين كل منهما أسوأ من الآخر, فإما التطرف الديني وإما الاستبداد والقبضة الأمنية بدافع الاستقرار, وكلاهما لا يمكن أن يتعايش مع الديمقراطية الحقيقية التي يرنو إليها الشعب السوري. والثالثة أنه وفر الفرصة للقوى والأطراف الخارجية ذات الأجندات الخاصة أن تلعب علي أوتار الصراع الحالي التي يغذيها التطرف للتدخل بشكل مباشر, وغير مباشر وإعادة رسم شكل الخريطة السورية بما يخدم مصالحها, وانشغال المعارضة السورية بصراعاتها الداخلية بما يعوقها عن التقدم صوب توحيد جهودها السياسية والعسكرية الديمقراطية وتحقيق الانتصار مما يجعلها دائما في موقع التابع, لأن الديمقراطية الحقيقية في اختيار القوى الحقيقية الممثلة للثورة السورية تمكنها من  استقلالية القرار في مواجهة محاولات الهيمنة التي تفرضها الدول الداعمة والمانحة والتي تبحث عن مصالحها .

انتصار الثورة على النظام وتحقيق الديمقراطية  لن تتحقق إلا باستئصال سرطان التطرف والاستبداد, وهي المعركة الحقيقية التي تواجه الثورة السورية في هذه المرحلة والتحدي الأكبر لها بأفشال مخططات النظام ومقولته اما الاستبداد او الارهاب, ولا خيار الا أن تنتصر وتحقق أهدافها التي قامت من أجلها,  ولا مجال للارتداد الى الاسوء.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين

الان ولنا كلمة بعد انقضاء امد الدعاية الانتخابية او حلول الصمت الانتخابي ….

من الواضح ان الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق : الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والاتحاد الوطني الكردستاني قد دخلا مبكرا معترك الدعاية الانتخابية البرلمانية بكل قواهما البشرية ، والاعلامية ، حتى موعد اجرائها في العشرين من الشهر الجاري ، وقد وصلت نشاطات…

دلدار بدرخان

-مسعود البارزاني هذا الاسم الذي يتردد صداه في جبال كوردستان وسهولها ليس مجرد قائد سياسي عابر بل هو الزعيم والمرجع الكوردي الذي توارثته الأجيال واستودعته آمالها وتطلعاتها، و هو امتداد لتاريخ مجيد من النضال والتضحية، و حامل راية الكورد في كل معاركهم نحو الحرية والكرامة، و كما كان أسلافه العظام يقف البارزاني شامخاً صلباً…

أكد الرئيس مسعود بارزاني ، أن إقليم كوردستان قد حقق فخرا كبيرا بوصوله إلى مرحلة انتخاب نظام حكمه، معتبرا ذلك انتصارا ومنجزا عظيمين.

وقال بارزاني في كلمة له خلال مهرجان انتخابي ضخم في مدينة أربيل اليوم الثلاثاء ، إلى أن الانتخابات كانت مقررة قبل عامين، إلا أن بعض الأطراف وضعت عراقيل أمام العملية، مما أدى إلى…

شوان زنكَنة

قدّم حزبُ العدالة والتنمية مشروعَ قانون من 12 مادة، يتضمن تعديلاتٍ في قانون أصول الضرائب، تهدف إلى رفع حجم واردات صندوق الصناعات العسكرية، وبموجب هذه التعديلات، تمَّ فرضُ ضرائب على بطاقات الائتمان، ومعاملات كُتّاب العدل، ومعاملات الطابو، وكافة ضرائب الختم، وتهدف الحكومةُ من هذه التعديلات استحصالَ ضرائب مقدارها حوالي 80 مليار ليرة سنويا.. وسيتمّ العملُ بهذه…