جان كورد
سندخل الموضوع دون تمهيد حتى لا يطول، ولذا أقول: ثمة أسبابٍ هامة وجادة لهذا الهجوم السياسي الكاسح، من ملاحقات واعتقالات، ونفي من الوطن، ومنع عن السكن في البيت، وتخريب مراكز حزبية، وتفجير منازل واغتيال مسؤولين وكوادر للحزب، من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) أو المليشيات التابعة له، على الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا (KDP-S) الذي تشكّل من أربعة أحزاب كوردية سورية مؤخراً، وذلك بعد مناقشاتٍ ومساوماتٍ طويلة الأمد في عاصمة إقليم جنوب كوردستان وتحت رعايةٍ مباشرة من مكتب السيد الرئيس مسعود البارزاني، وهذه الأسباب هي:
أولاً – لا يختلف اثنان على أن حزب الاتحاد الديموقراطي هذا انتاج أوجلاني من حيث الفكر والممارسة، والأوجلانية كانت في ذروة قوتها وانتعاشها “الثوري” تعتبر الحزب الديموقراطي الكوردستاني في سائر أجزاء كوردستان حركة رجعية، عشائرية موالية للإمبريالية والصهيونية والفاشية التركية، يجب اجتثاث جذورها من الأرض الكوردية، ومن بين الكوادر المؤسسة لحزب الاتحاد الديموقراطي من قاتل بالسلاح ضمن تشكيلات (الكريلا) التابعة لحزب العمال الكوردستاني في تسعينيات القرن الماضي ضد الحزب الديموقراطي الكوردستاني في جنوب كوردستان، وكان الهدف الأساس من تلك الهجمات المسلحة الواسعة ليس احتلال مراكز عسكرية وكسب جماهير سياسية فحسب، بل القضاء المبرم على العائلة البارزانية التي ارتبط اسم الديموقراطي الكوردستاني أينما كان بتضحياتها منذ بداية القرن العشرين في سبيل حرية الكورد وتحرير وطنهم، وبالتالي نسف ما بناه البارزانيون من قوة سياسية شعبية تؤمن إيماناً تاماً بأن الشيوعية غير قادرة على تحرير الكورد وكوردستان وبأنها لا تلائم واقع الأمة الكوردية، ومصالح الدول الشيوعية تمنعها من الوقوف إلى جانب حركة التحرر الوطني الكوردية، وذلك من خلال تجربة مر بها قائد الديموقراطي الكوردستاني بنفسه، الملا مصطفى البارزاني، المؤمن بالإسلام ديناً وبالديموقراطية طريقاً للحكم، رغم مكوثه لمدة تقارب الاثني عشر عاماً في الاتحاد السوفييتي، هذا القائد الذي سيبقى خالداً في ذاكرة الأمة الكوردية حتى قيام الساعة بالتأكيد. والأوجلانية كانت حركة ماركسية – لينينية تؤمن بدكتاتورية البروليتاريا ومعصومية القائد وبضرورة التطهير السياسي المستمر في صفوفها التنظيمية للمتمردين على القيادة فكراً وسياسة، ورفض قيام أي معارضة ديموقراطية بين الشعب لأن الحركات الشيوعية تعتبر الديموقراطية دجلاً إمبريالياً وخيانةٍ للثورة الأممية… بل إن السيد أوجلان الذي لايزال الشخصية الأهم في حزب الاتحاد الديموقراطي، بل في مختلف الأحزاب التي تم تفريخها أو تصنيعها من قبل الحركة الأوجلانية في كوردستان، كان يعتبر الديموقراطي الكوردستاني من أشد الأعداء على حركته، إذ يقول:”إن أكثر الذين يلحقون بنا الخسائر والأضرار هم أشتات بقايا (الحزب الديمقراطي الكردستاني) المصطنع والمزيف، وأتباعهم، والتشكيلات العشائرية التابعة لهم، وكذلك عناصر التشكيلات القومية البدائية…” (أنظر: مختارات – جزء 2، ص 133، من منشورات حزب العمال الكردستاني، 27/11/1991).
وعلى الرغم من أن نظرة السيد أوجالان نفسه قد تغيّرت مع السنين تجاه “أعداء” الأمس، بعد سلسلةٍ من الهزائم والانكسارات، والفشل الكبير في القضاء على البارزانية والعائلة التي يفتخر بها الكورد أينما كانوا، وبعد أن تنازل عن رئاسة المؤتمر القومي الكوردستاني المنشود للسيد الرئيس مسعود البارزاني في رسالةٍ له من معتقله بتركيا، كما وصلنا خبر ذلك عن طريق زائريه ومحاميه، إلا أن المدرسة الأوجالانية التي تربى فيها كوادر حزب الاتحاد الديموقراطي الكبار منذ أن كانوا فتياناً مستعدين لحرق أنفسهم في سبيل زعيمهم لاتزال على تلك العقلية المؤمنة بأنها لها وحدها حق القيادة في المجتمع الكوردي، وأنها لا تجد حرجاً في تقديم الولاء للكماليين والأسديين ولملالي طهران وقم، في حين يعتبرون أنفسهم أعقل وأوعى من أن يقبلوا بمنافسةٍ ديموقراطية وسلميةٍ لهم، من قبل الحزب الديموقراطي الكوردستاني أو أي حزبٍ سياسي كوردي لهم، بل لا يزالون على أسلوبهم الذي يتميزون به، أسلوب الإفراط في السب والشتم والتحقير والتخوين لكل من يؤيد سياسات الديموقراطي الكوردستاني أو يسير معه… حتى وصل الأمر بهم في هذه الفترة الأخيرة إلى إحضار أناسٍ جهلة إلى أقنية تلفزيوناتهم وبخاصة من النساء ليسبوا ويشتموا السيد البارزاني وحزبه مثلما كانوا يفعلون في فترة الهجوم المسلح على الديموقراطي الكوردستاني، أيام تواجد زعيمهم السيد أوجالان في قبضة الأسد الأب، يكيل له المدح والثناء وينفّذ ما يطلبه منه دون تردد، ومنها تحقيق رغباته في إظهار مدى “طول يده” في داخل العراق… فالعداء للديموقراطي الكوردستاني نهج فكري وممارسة تاريخية عريقة وليس وليد اليوم.
ثانياً – على الرغم من أن الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا يرفض الانجرار وراء أي نزعةٍ طائفية، ويدعو باستمرار إلى الحوار بين الأطراف المتناقضة سياسياً، كما فعلت مختلف أطراف الحركة الوطنية الكوردية، إلا أنه من خلال الأحزاب المؤسسة له (أحزاب الاتحاد السياسي الأربعة) ومن خلال (المجلس الوطني الكوردي) الذي هو عضو أساسي فيه، منضم – ولو متأخراً جداً – إلى أكبر تجمع سياسي سوري (إئتلاف قوى الثورة والمعارضة الوطنية) الذي يترأسه الآن السيد أحمد الجربا، وهذا الائتلاف عامل على مختلف الصعد لإسقاط نظام العائلة الأسدية ويبدو كجهةٍ سياسية سورية لا علاقة لها بالمنظمات الإرهابية السنية المتطرفة، بل هو داخلٌ في صراعٍ معها على كسب المجتمع السوري ويحظى بتأييد دولي وعربي، وهذا يعني أن الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا جزء من الحراك الوطني السوري لدحر نظامٍ طائفي يستخدم سائر أنواع الأسلحة لتدمير ٍ منهجي يستهدف الأغلبية السكانية (السنية) التي ترفض هذا النظام.
وهنا يجدر بنا التذكير بأن كوادر حزب الاتحاد الديموقراطي يأخذون فكر السيد عبد الله أوجالان نهجاً لهم، يسترشدون به في حلقاتهم التثقيفية ودورات كوادرهم المتقدمة، وهو نهج يرى “العلوية ثورية وتقدمية” و”السنية إصلاحية ورجعية وتقف ضد الثورة”، وهذا ما يزيد الشرخ اتساعاً بين حزب الاتحاد الديموقراطي وسائر القوى المنضمة للائتلاف الوطني السوري وكل من على أسلوبه وعدائه للعائلة الأسدية “العلوية”. فلنقرأ بعض الفقرات من الكثير الذي كتبه السيد أوجالان في هذا المجال الطائفي، ولم يكن أحد في الحزب قادراً على معارضته، بل لايزال أتباعه على نهجه بصدد المسألة الطائفية حتى اليوم، فهو يقول:”… ونذكر بأنه ما كل ما خلقه الدين سلبياً، فثمة تيارات وأجنحة داخل الإسلام. وهي في صراعٍ دائم منذ ولادته. ويتجسد ذلك بأبرز أشكاله في معاوية وعلي (كرّم الله وجهه).” (أنظر مختارات – جزء 2 – ص99)، وبعد أن بيّن الشرخ في الإسلام بصراعٍ دائم بين تيارين، ويكرر الحديث عن ذلك في موضعٍ آخر ، قائلاً: “الإسلام الحقيقي منذ عهد الخلفاء الراشدين هو ذلك الجناح الذي قاده علي (رضي الله عنه)، ولا يزال مستمراً حتى الآن ممثلاً اليوم في ذلك التيار الصامد في وجه الامبريالية…” (نفس المصدر – ص 103) ثم يزداد توضيحاً بعد ذلك مباشرةً فيقول:” العلوية تحظى باحترام واسعٍ لدى الشعوب وتعتمد توسيع حرياتهم أساساً لها. بمعنى آخر: العلوية هي احترام الحقيقة الوطنية للشعوب…” (نفس المصدر – ص 103) وبعد أن يضع العلويين في مواجهة الكمالية الطورانية (وفي الحقيقة إن ولاء العلويين كرداً أو تركاً لمصطفى كمال قوي جداً حتى اليوم بعكس ما يقوله) فإنه يصوّر العلوية وكأنها هي الفئة الدينية الوحيدة في مجابهة الاستعمار، فيقول: ” العلوية في حقيقتها عند الأكراد هي النموذج المتطوّر من المقاومات والصمود في وجه الأجنبي. هذه هي الحقيقة.” (نفس المصدر ونفس الصفحة) في حين أنه يعتبر النقشبندية السنية “طريقة عثمانية زرعت بين الأكراد، هي طريقة الحكام الارستقراطيين، وهي أساس العمالة، بل العمالة بعينها منذ أيام إدريس البدليسي (بشكل خاص) وحتى الآن.” (نفس المصدر ونفس الصفحة) وإدريس البدليسي هذا أمير من أمراء الكورد كان قد انتزع حكماً ذاتي للكورد من الدولة العثمانية في أيام عزّ وسطوة تلك الدولة العملاقة. فالربط بين الحكم الذاتي والعمالة أساس من أسس سياسات الأوجلانية فيما مضى، في حين أن المطالبة بحرية واستقلال الكورد صار في نظرها الآن “رجعيةً وتقوقعاً قومياً متخلفاً وخيانة للكفاح المشترك لشعوب المنطقة”. ويكرر السيد عبد الله أوجالان ثناءه وتقديره للإسلام “التقدمي الثوري” الذي تمثله “الثورة الإسلامية” في إيران بتوجهاتها المعادية للإمبريالية في حين أنه يعتبر “الإسلام السني” خادماً للكمالية الطورانية التي هي العدو الأوّل للأمة الكوردية وللشعوب في المنطقة… وبإمكان الجميع العودة إلى تفصيلات هذه النظرة إلى المسلمين والإسلام في العديد من كتب السيد أوجالان. وعلى هذه الفلسفة بني حزب الاتحاد الديموقراطي الذي كان لابد له من تشرّب فكرة العداء للإسلام السني والميل صوب العلوية والشيعة، على الرغم من أن أكثر من 90% من أعضائه من الكورد السنة بالتأكيد.
ثالثاً – ليس شاقاً معرفة السبب الثالث وراء حرب حزب الاتحاد الديموقراطي على الديموقراطي الكوردستاني، وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية، والتقارب الفجائي الذي حصل بين الحركة الآبوجية عموماً وبين كل من إيران ونظام الأسد العلوي التابع لإيران. فالمصلحة المادية تلعب دوراً كبيراً في استمرارية أي حركةٍ سياسيةٍ كانت، إضافة إلى الضرورات التي تفرضها العقائد والايديولوجيات، إذ قبل اندلاع الثورة السورية لم يكن النظام الأسدي بحاجة إلى قوى وجهود الكورد، ولسنواتٍ عديدة كان يعتقل منتسبي حزب الاتحاد الديموقراطي بشكل يدعو للاستغراب، ثم توقف عن ذلك فجأة وسمح لزعمائه الفارين إلى خارج سوريا بالعودة إلى البلاد وأفرج عن كثيرين من معتقلي الحزب، ويقال بأن هناك اتصالات سرية جرت بين الحزب والأجهزة الأمنية، ولم تمض فترة طويلة وإذا بحزب الاتحاد الديموقراطي ينتشر سريعاً كالنار في الهشيم ويعلن سيطرته على “روج آفا” التي هي الترجمة ل”غرب” والمقصود به (غرب كوردستان) أو المنطقة الكوردية داخل الحدود السورية، وذلك بدون أن يكون هناك استيلاء على مواقع عسكرية سورية أو دوائر حكومية قسراً أو أي أعمال عنف، بل في صورة “استلام وتسليم” ولكن بدون إيصالات أو بيانات مشتركة. وبسرعة البرق صار لدى الحزب سلاح كثير وأزياء مطرزة للمقاتلين وإمكانات ضخمة بشكلٍ ملفت للنظر والشك، ثم أقام الحزب “إدارة ذاتية ديموقراطية” بدون “هوية كوردية” وهو الحزب الذي كان يتهم سواه بالخيانة والعمالة لأن الآخرين كانوا حسب زعمه يخافون المطالبة بالحرية للشعب الكوردي مثله. وحتى اليوم لم يسقط برميل متفجر واحد من مروحيات النظام على أية دائرة من دوائر هذه الإدارة الذاتية التي تصدر المراسيم والقوانين ولها جهاز عسكري ووزارات (منها الخارجية) وشرطة ونظام مؤسساتي للعدالة وجني الضرائب والسجون والإعلام، بل وضع قانوناً للأحزاب… في حين أن نظام الأسد لا يتوانى عن قصف سائر المدن السورية بوحشية لا يتصورها العقل، وليس هناك مدينة طالبت بما طالب به حزب الاتحاد الديموقراطي، وهي كلها مدن سورية بغالبية عربية. فكيف يمكن اقناع الشعب السوري بما حدث في المنطقة الكوردية وما يحدث في كل سوريا ما عدا هذه المنطقة؟
إن دخول حزب الاتحاد الديموقراطي في الحلف الإيراني هو السبب الذي دفع بإيران إلى “تحييد المنطقة الكوردية” من خلال وضعها مؤقتاً تحت أيادي حزب الاتحاد الديموقراطي، مقابل عدم مساهمته في أي قتالٍ ضد النظام، ومقابل وقوفه إلى جانب الحكومة العراقية (حكومة المالكي العميلة لإيران) في عملية إضعاف خصومه السنة ومنافسه المتمثل في الحزب الديموقراطي الكوردستاني برئاسة السيد مسعود البارزاني الذي له علاقات جيدة مع سائر الدول الداعمة للثورة السورية، وعلى وجه الخصوص العربية السعودية وتركيا والأردن والكويت، وبسبب أن الديموقراطي الكوردستاني هو الذي دعم مشروع توحيد أحزاب (الاتحاد السياسي) لتندمج فيما بينها وتشكّل الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا برئاسة السيد سعود الملا، الذي رفضت سلطات حزب الاتحاد الديموقراطي السماح له بالذهاب إلى بيته، وأرغمت بعض رفاقه القياديين على الخروج من سوريا ومنعت آخرين من عبور الحدود، كما اعتقلت سواهم من كوادر الحزب أو اختطفتهم.
من خلال العلاقة الوطيدة بين التيار العلوي في قيادة حزب العمال الكوردستاني (في جبل قنديل بجنوب كوردستان) والحكومة الإيرانية المنخرطة في الحرب السورية بقوة، تم وقف قتال حزب الحرية والحياة (بيجاك) ضد طهران، وهو تنظيم الآبوجيين في شرق كوردستان، ومن ثم تم احداث تغيرات لصالح التعامل مع إيران في برنامج واسم وتركيبة قيادة ذلك الحزب مؤخراً، مقابل تأييد إيراني كبير لموقف حزب العمال الكوردستاني (الأم التي ولد منها حزب الاتحاد الديموقراطي) في سوريا. وليس مصادفةً أن يعلن أحد قادة الآبوجية (دوران كالكان) (تركي) أن حزبه سينخرط بشكل سافر في الصراع السوري إن استمرت الحال على هذا الشكل، وأن يعلن قائد الحرس الثوري الإيراني استعداد بلاده لزج أكثر من مائة ألف مقاتل في هذه الحرب التي قال عنها بأن الأسد يحارب أعداء إيران بالنيابة عن الإيرانيين وأن حدود بلاده تصل إلى سواحل البحر الأبيض… بمعنى أن “المجال الحيوي” لبلاده (وهي فكرة أدولف هتلر أصلاً) يمتد إلى حيث يصل السلاح الإيراني…
وعلى الرغم من أن نظرة السيد أوجالان نفسه قد تغيّرت مع السنين تجاه “أعداء” الأمس، بعد سلسلةٍ من الهزائم والانكسارات، والفشل الكبير في القضاء على البارزانية والعائلة التي يفتخر بها الكورد أينما كانوا، وبعد أن تنازل عن رئاسة المؤتمر القومي الكوردستاني المنشود للسيد الرئيس مسعود البارزاني في رسالةٍ له من معتقله بتركيا، كما وصلنا خبر ذلك عن طريق زائريه ومحاميه، إلا أن المدرسة الأوجالانية التي تربى فيها كوادر حزب الاتحاد الديموقراطي الكبار منذ أن كانوا فتياناً مستعدين لحرق أنفسهم في سبيل زعيمهم لاتزال على تلك العقلية المؤمنة بأنها لها وحدها حق القيادة في المجتمع الكوردي، وأنها لا تجد حرجاً في تقديم الولاء للكماليين والأسديين ولملالي طهران وقم، في حين يعتبرون أنفسهم أعقل وأوعى من أن يقبلوا بمنافسةٍ ديموقراطية وسلميةٍ لهم، من قبل الحزب الديموقراطي الكوردستاني أو أي حزبٍ سياسي كوردي لهم، بل لا يزالون على أسلوبهم الذي يتميزون به، أسلوب الإفراط في السب والشتم والتحقير والتخوين لكل من يؤيد سياسات الديموقراطي الكوردستاني أو يسير معه… حتى وصل الأمر بهم في هذه الفترة الأخيرة إلى إحضار أناسٍ جهلة إلى أقنية تلفزيوناتهم وبخاصة من النساء ليسبوا ويشتموا السيد البارزاني وحزبه مثلما كانوا يفعلون في فترة الهجوم المسلح على الديموقراطي الكوردستاني، أيام تواجد زعيمهم السيد أوجالان في قبضة الأسد الأب، يكيل له المدح والثناء وينفّذ ما يطلبه منه دون تردد، ومنها تحقيق رغباته في إظهار مدى “طول يده” في داخل العراق… فالعداء للديموقراطي الكوردستاني نهج فكري وممارسة تاريخية عريقة وليس وليد اليوم.
ثانياً – على الرغم من أن الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا يرفض الانجرار وراء أي نزعةٍ طائفية، ويدعو باستمرار إلى الحوار بين الأطراف المتناقضة سياسياً، كما فعلت مختلف أطراف الحركة الوطنية الكوردية، إلا أنه من خلال الأحزاب المؤسسة له (أحزاب الاتحاد السياسي الأربعة) ومن خلال (المجلس الوطني الكوردي) الذي هو عضو أساسي فيه، منضم – ولو متأخراً جداً – إلى أكبر تجمع سياسي سوري (إئتلاف قوى الثورة والمعارضة الوطنية) الذي يترأسه الآن السيد أحمد الجربا، وهذا الائتلاف عامل على مختلف الصعد لإسقاط نظام العائلة الأسدية ويبدو كجهةٍ سياسية سورية لا علاقة لها بالمنظمات الإرهابية السنية المتطرفة، بل هو داخلٌ في صراعٍ معها على كسب المجتمع السوري ويحظى بتأييد دولي وعربي، وهذا يعني أن الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا جزء من الحراك الوطني السوري لدحر نظامٍ طائفي يستخدم سائر أنواع الأسلحة لتدمير ٍ منهجي يستهدف الأغلبية السكانية (السنية) التي ترفض هذا النظام.
وهنا يجدر بنا التذكير بأن كوادر حزب الاتحاد الديموقراطي يأخذون فكر السيد عبد الله أوجالان نهجاً لهم، يسترشدون به في حلقاتهم التثقيفية ودورات كوادرهم المتقدمة، وهو نهج يرى “العلوية ثورية وتقدمية” و”السنية إصلاحية ورجعية وتقف ضد الثورة”، وهذا ما يزيد الشرخ اتساعاً بين حزب الاتحاد الديموقراطي وسائر القوى المنضمة للائتلاف الوطني السوري وكل من على أسلوبه وعدائه للعائلة الأسدية “العلوية”. فلنقرأ بعض الفقرات من الكثير الذي كتبه السيد أوجالان في هذا المجال الطائفي، ولم يكن أحد في الحزب قادراً على معارضته، بل لايزال أتباعه على نهجه بصدد المسألة الطائفية حتى اليوم، فهو يقول:”… ونذكر بأنه ما كل ما خلقه الدين سلبياً، فثمة تيارات وأجنحة داخل الإسلام. وهي في صراعٍ دائم منذ ولادته. ويتجسد ذلك بأبرز أشكاله في معاوية وعلي (كرّم الله وجهه).” (أنظر مختارات – جزء 2 – ص99)، وبعد أن بيّن الشرخ في الإسلام بصراعٍ دائم بين تيارين، ويكرر الحديث عن ذلك في موضعٍ آخر ، قائلاً: “الإسلام الحقيقي منذ عهد الخلفاء الراشدين هو ذلك الجناح الذي قاده علي (رضي الله عنه)، ولا يزال مستمراً حتى الآن ممثلاً اليوم في ذلك التيار الصامد في وجه الامبريالية…” (نفس المصدر – ص 103) ثم يزداد توضيحاً بعد ذلك مباشرةً فيقول:” العلوية تحظى باحترام واسعٍ لدى الشعوب وتعتمد توسيع حرياتهم أساساً لها. بمعنى آخر: العلوية هي احترام الحقيقة الوطنية للشعوب…” (نفس المصدر – ص 103) وبعد أن يضع العلويين في مواجهة الكمالية الطورانية (وفي الحقيقة إن ولاء العلويين كرداً أو تركاً لمصطفى كمال قوي جداً حتى اليوم بعكس ما يقوله) فإنه يصوّر العلوية وكأنها هي الفئة الدينية الوحيدة في مجابهة الاستعمار، فيقول: ” العلوية في حقيقتها عند الأكراد هي النموذج المتطوّر من المقاومات والصمود في وجه الأجنبي. هذه هي الحقيقة.” (نفس المصدر ونفس الصفحة) في حين أنه يعتبر النقشبندية السنية “طريقة عثمانية زرعت بين الأكراد، هي طريقة الحكام الارستقراطيين، وهي أساس العمالة، بل العمالة بعينها منذ أيام إدريس البدليسي (بشكل خاص) وحتى الآن.” (نفس المصدر ونفس الصفحة) وإدريس البدليسي هذا أمير من أمراء الكورد كان قد انتزع حكماً ذاتي للكورد من الدولة العثمانية في أيام عزّ وسطوة تلك الدولة العملاقة. فالربط بين الحكم الذاتي والعمالة أساس من أسس سياسات الأوجلانية فيما مضى، في حين أن المطالبة بحرية واستقلال الكورد صار في نظرها الآن “رجعيةً وتقوقعاً قومياً متخلفاً وخيانة للكفاح المشترك لشعوب المنطقة”. ويكرر السيد عبد الله أوجالان ثناءه وتقديره للإسلام “التقدمي الثوري” الذي تمثله “الثورة الإسلامية” في إيران بتوجهاتها المعادية للإمبريالية في حين أنه يعتبر “الإسلام السني” خادماً للكمالية الطورانية التي هي العدو الأوّل للأمة الكوردية وللشعوب في المنطقة… وبإمكان الجميع العودة إلى تفصيلات هذه النظرة إلى المسلمين والإسلام في العديد من كتب السيد أوجالان. وعلى هذه الفلسفة بني حزب الاتحاد الديموقراطي الذي كان لابد له من تشرّب فكرة العداء للإسلام السني والميل صوب العلوية والشيعة، على الرغم من أن أكثر من 90% من أعضائه من الكورد السنة بالتأكيد.
ثالثاً – ليس شاقاً معرفة السبب الثالث وراء حرب حزب الاتحاد الديموقراطي على الديموقراطي الكوردستاني، وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية، والتقارب الفجائي الذي حصل بين الحركة الآبوجية عموماً وبين كل من إيران ونظام الأسد العلوي التابع لإيران. فالمصلحة المادية تلعب دوراً كبيراً في استمرارية أي حركةٍ سياسيةٍ كانت، إضافة إلى الضرورات التي تفرضها العقائد والايديولوجيات، إذ قبل اندلاع الثورة السورية لم يكن النظام الأسدي بحاجة إلى قوى وجهود الكورد، ولسنواتٍ عديدة كان يعتقل منتسبي حزب الاتحاد الديموقراطي بشكل يدعو للاستغراب، ثم توقف عن ذلك فجأة وسمح لزعمائه الفارين إلى خارج سوريا بالعودة إلى البلاد وأفرج عن كثيرين من معتقلي الحزب، ويقال بأن هناك اتصالات سرية جرت بين الحزب والأجهزة الأمنية، ولم تمض فترة طويلة وإذا بحزب الاتحاد الديموقراطي ينتشر سريعاً كالنار في الهشيم ويعلن سيطرته على “روج آفا” التي هي الترجمة ل”غرب” والمقصود به (غرب كوردستان) أو المنطقة الكوردية داخل الحدود السورية، وذلك بدون أن يكون هناك استيلاء على مواقع عسكرية سورية أو دوائر حكومية قسراً أو أي أعمال عنف، بل في صورة “استلام وتسليم” ولكن بدون إيصالات أو بيانات مشتركة. وبسرعة البرق صار لدى الحزب سلاح كثير وأزياء مطرزة للمقاتلين وإمكانات ضخمة بشكلٍ ملفت للنظر والشك، ثم أقام الحزب “إدارة ذاتية ديموقراطية” بدون “هوية كوردية” وهو الحزب الذي كان يتهم سواه بالخيانة والعمالة لأن الآخرين كانوا حسب زعمه يخافون المطالبة بالحرية للشعب الكوردي مثله. وحتى اليوم لم يسقط برميل متفجر واحد من مروحيات النظام على أية دائرة من دوائر هذه الإدارة الذاتية التي تصدر المراسيم والقوانين ولها جهاز عسكري ووزارات (منها الخارجية) وشرطة ونظام مؤسساتي للعدالة وجني الضرائب والسجون والإعلام، بل وضع قانوناً للأحزاب… في حين أن نظام الأسد لا يتوانى عن قصف سائر المدن السورية بوحشية لا يتصورها العقل، وليس هناك مدينة طالبت بما طالب به حزب الاتحاد الديموقراطي، وهي كلها مدن سورية بغالبية عربية. فكيف يمكن اقناع الشعب السوري بما حدث في المنطقة الكوردية وما يحدث في كل سوريا ما عدا هذه المنطقة؟
إن دخول حزب الاتحاد الديموقراطي في الحلف الإيراني هو السبب الذي دفع بإيران إلى “تحييد المنطقة الكوردية” من خلال وضعها مؤقتاً تحت أيادي حزب الاتحاد الديموقراطي، مقابل عدم مساهمته في أي قتالٍ ضد النظام، ومقابل وقوفه إلى جانب الحكومة العراقية (حكومة المالكي العميلة لإيران) في عملية إضعاف خصومه السنة ومنافسه المتمثل في الحزب الديموقراطي الكوردستاني برئاسة السيد مسعود البارزاني الذي له علاقات جيدة مع سائر الدول الداعمة للثورة السورية، وعلى وجه الخصوص العربية السعودية وتركيا والأردن والكويت، وبسبب أن الديموقراطي الكوردستاني هو الذي دعم مشروع توحيد أحزاب (الاتحاد السياسي) لتندمج فيما بينها وتشكّل الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا برئاسة السيد سعود الملا، الذي رفضت سلطات حزب الاتحاد الديموقراطي السماح له بالذهاب إلى بيته، وأرغمت بعض رفاقه القياديين على الخروج من سوريا ومنعت آخرين من عبور الحدود، كما اعتقلت سواهم من كوادر الحزب أو اختطفتهم.
من خلال العلاقة الوطيدة بين التيار العلوي في قيادة حزب العمال الكوردستاني (في جبل قنديل بجنوب كوردستان) والحكومة الإيرانية المنخرطة في الحرب السورية بقوة، تم وقف قتال حزب الحرية والحياة (بيجاك) ضد طهران، وهو تنظيم الآبوجيين في شرق كوردستان، ومن ثم تم احداث تغيرات لصالح التعامل مع إيران في برنامج واسم وتركيبة قيادة ذلك الحزب مؤخراً، مقابل تأييد إيراني كبير لموقف حزب العمال الكوردستاني (الأم التي ولد منها حزب الاتحاد الديموقراطي) في سوريا. وليس مصادفةً أن يعلن أحد قادة الآبوجية (دوران كالكان) (تركي) أن حزبه سينخرط بشكل سافر في الصراع السوري إن استمرت الحال على هذا الشكل، وأن يعلن قائد الحرس الثوري الإيراني استعداد بلاده لزج أكثر من مائة ألف مقاتل في هذه الحرب التي قال عنها بأن الأسد يحارب أعداء إيران بالنيابة عن الإيرانيين وأن حدود بلاده تصل إلى سواحل البحر الأبيض… بمعنى أن “المجال الحيوي” لبلاده (وهي فكرة أدولف هتلر أصلاً) يمتد إلى حيث يصل السلاح الإيراني…
وهكذا نجد أن المصالح المشتركة بين كل من إيران وحكومة المالكي ونظام الأسد والحركة الآبوجية هي التي تقف وراء العداء الذي يتحكم بالعلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والديموقراطي الكوردستاني، وستزداد هذه العداوة حدةَ بقدر ما تتعزز علاقة الديمقراطي الكوردستاني بالمعارضة الوطنية السورية وداعميها في المنطقة والعالم، وبقدر ما تتعمق الفجوة بينه وبين حكومة المالكي ومن على شاكلته في العراق، وقد تضطر إيران – مثل حافظ الأسد سابقاً– إلى زج الحركة الآبوجية في صراعٍ دموي ضد الديمقراطي الكوردستاني، ما لم يتحرك العقلاء ضمن طرفي الصراع لردم الهوة ولمنع أعداء الكورد من تسعير الأجزاء بين أبناء الشعب الواحد. فالعقلاء الديموقراطي الكوردستاني يجب أن يتفادوا الدخول في أي معركة جانبية اليوم لأنهم سيجابهون إيران بسببها، والعقلاء في الحركة الآبوجية يجب أن يدركوا أن عدوهم ليس الكوردي وإنما من يريد ضرب الكوردي بالكوردي والتفريق بينهما… من أجل مصالحه واستراتيجته…