وسقط العالم في سوريا!

هوشنك بروكا

ما يجري في سوريا منذ أكثر من 3 سنوات ونيف، ما عاد “ثورةً” كما بدأت، ولا هو حرب النظام ضد المعارضة، وإنما هو حرب الجميع ضد الجميع، وكلّ العالم ضد كلّ العالم، والشعب السوري هو الوحيد الذي يدفع ثمن الفاتورة باهظاً. العالم كلّه حاضرٌ أو مشارك بشكلّ أو بآخر في هذه الحرب، كلّ طرف يريد العبور إلى أجنداته على جنازة سوريا.

بعد كلّ هذا الخراب والخراب المضاد، تبيّن للقاصي الداني، أنّ ما يهم العالم، مشرقاً ومغرباً، هو ليس إسقاط النظام ولا إسقاط المعارضة، وإنما الأهم هو إسقاط ما بينهما، أي إسقاط سوريا وهو ما حدث على الأرض بالفعل حتى الآن.
وما الفيتو الروسي ـ الصيني الأخير الذي منع إحالة الملف السوري إلى “الجنائية الدولية” إلا دليلاً آخر على نيّة العالم و”مجلس أمن”(ه) على المضي قدماً في إسقاط المزيد من سوريا وشعبها وزمانها ومكانها وثقافتها واجتماعها واقتصادها.

ليس في نيّة العالم بقطبيه الأميركي والروسي، حتى الآن، إنقاذ سوريا، وإنما الأهم هو إنقاذ النظام والمعارضة على السواء، والحفاظ على “توازن الرعب” بين الطرفين ما أمكن، لضرب هذا بتلك، وهذه بذاك، وجرّ سوريا والسوريين، بالتالي، نحو المزيد من السقوط في الحرب الطائفية التي راح ضحيتها حتى الآن مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوّقين والمفقودين، ناهيك عن الملايين المشرّدة، وتدمير أكثر من نصف البنى التحتية وانهيار الزراعة والصناعة والتجارة وخسارة فادحة في قطاع النفط.

في الحرب لا يوجد شيء إسمه “أخلاق”، أي ليس للحرب أخلاق. جميع الحروب، بقديمها وحديثها، كانت ولا تزال بدون أخلاق، إلا أنّ ما يحدث في سوريا زهاء 37 شهراً متواصلاً هو واحدة من أكثر الحروب لا أخلاقيةً في التاريخ المعاصر وربما الحديث أيضاً. ما يحدث في سوريا، هو إشارة لسقوط أخلاق العالم وأخلاق المؤسسات الأممية وعلى رأسها مجلس الأمن. في الحرب الطائفية الخارجة عن كلّ الأخلاق، الدائرة في سوريا لم تسقط سوريا وشعوبها فحسب، وإنما سقط أخلاق العالم أيضاً.

صحيحٌ أنّ السياسة هي مصالح قبل كلّ شيء، لكن المصالح على مستوى الأخلاق العالمية، لا يعني أن يتحول جزء من العالم إلى غابة يأكل فيها الجميع الجميع، ويقتل فيها الجميع الجميع، ويفنى فيه الجميع الجميع.

أرسطو اعتقد ذات فلسفةٍ أنّ “الإنسان بطبيعته، حيوان سياسي”، إلا أنّ ما يجري في سوريا، يثبت أنّ ما يمارسه الإنسان، اليوم، في سوريا من سياسة، هو أقرب إلى “إنسان هوبز” في كونه “إنساناً ذئباً” أو “ضد مدنياً” من “إنسان أرسطو” في كونه “إنساناً مدنياً” بإمتياز. إنسان سوريا اليوم، الداخل في حرب الجميع ضد الجميع، هو الإنسان الخارج عن التاريخ، أو “الإنسان الذئب لأخيه الإنسان” على حدّ قول توماس هوبز.

لاشك، من المهم الإشارة، ههنا، إلى أنّ “الثورة السورية” هي واحدة من أكثر الثورات غباءً في العالم. هي ثورة بلا عقل. بتحوّل أهل الإرهاب إلى أهل ل”الثورة السورية” لم تفقد “الثورة” عقلها فحسب وإنما فقدت كلّ وجودها وكلّ مشروعيتها. هذه “حقيقة سورية” مرّة، بكل أسف، لكن هذا لا يبرر صمت العالم على ما يجري في سوريا، و”مجلس أمن” (ه) الذي فشل فشلاً ذريعاً في إنقاذ حياة البشر من السقوط في أقذر حربٍ أهلية في التاريخ المعاصر. ما يجري في سوريا من محو للبشر والشجر والحجر، ومحو للتاريخ والثقافة والإنسان، يثبت للعالمين أنّ العالم لم يأخذ العبر والدروس من حربين كونيتن ومئات الحروب الإقليمية والأهلية، التي ذهب ضحيتها ملايين البشر ومدن وقرى ومجمعات سكنية أعدمت عن بكرة أبيها. ربما لهذا قال “أينشتاين العصر” ستيفن هاوكينغ ذات مقالٍ مؤثر له: “الحرب في سوريا قد لا تمثل نهاية البشرية، ولكن كل ظلم يُرتكب يكون شرخًا في الواجهة، التي تبقينا متلاحمين، ومبدأ العدالة الكوني قد لا يكون مترسخًا في علم الفيزياء، لكنه لا يقلّ أهمية بالنسبة إلى وجودنا. ومن دونه لن يمضي وقت طويل بكل تأكيد قبل أن يتوقف الجنس البشري عن الوجود.”
سوريا اليوم، هي “جرح العالم” في هذا العصر.
في سوريا يشهد العالم سقوطه مرّتين: مرّة في سقوط أخلاقه وأخرى في سقوط سياسته.
في سوريا سقط العالم.. سقطت أخلاق العالم.. سقطت قيم العالم.. سقطت شرعة العالم!

هوشنك بروكا

hoshengbroka@hotmail.com

إيلاف

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…