تخلف الحركة القومية الكوردية

زاكروس عثمان
اغلبنا نحن الكورد نسخر من تخلف  وجهل خصومنا التاريخيين العرب والترك والفرس وكثيرا ما نرجع حصولهم على دول مستقلة الى صفقات استعمارية،   وبنفس المقدار بعضنا  يشتكي من القدر والبعض الآخر يعاتب الدول الكبرى التي في كل  منعطف تاريخي تطمر الهدف الكوردي، وباتت لدينا قناعة راسخة بأننا شعب سوپرمان متفوق ولكن كل خيباتنا مصدرها مشيئة الغيب  او عامل خارجي والقليل منا إن التزم شيء من الموضوعية  فانه يربط العاملين السابقين بعامل ذاتي وهي الخيانة وكثيرا ما يتم تفسيرها بشكل مسطح او يتم  ذكرها  لتبرير النكسات المتتالية، فهل تحميل الأقدار والخصوم والإستعمار مسؤولية التراجيديا الكوردية هو نوع  من افراط الكوردي  في الثقة بنفسه ام هو الغرور و جهل ام  هروبا  من الاعتراف بالاسباب الحقيقية لهزائمنا التاريخية سواء المتعلقة  بالعوامل الموضوعية او الذاتية.
لاشك ان العامل الدولي  والاقليمي و الجيوبوليتيك  له اثر كبير على مصير الكورد ولكن لماذا نفشل في ايجاد حل لهذه  المعضلة “اللعنة” وذلك بالتخلص قدر المستطاع من التأثيرات السلبية للعامل الخارجي  والاستفادة اكثر من تأثيراته الايجابية، لماذا لم نتعلم  من تجارب خصومنا الذين نهزأ بهم مع انهم نجحوا فيما فشلنا نحن به، هل قرأ احدنا بشكل علمي  حركة القومية التركية والعربية والفارسية والاسرائيلية على الاقل في التاريخ المعاصر كي يفهم الفكر السياسي لدى الخصوم والاصدقاء ويكتشف توجهاتهم واساليب عملهم  ويستفيد من محاولاتهم وتجاربهم  هل سألنا انفسنا كيف حصل هؤلاء المتخلفين على دول وكيف فشلنا نحن المتفوقين في ذلك،  نحن لا نملك إجابات شافية لأننا لم ندرس جيدا حركة القومية الكوردية  حتى نفكر بدراسة حركات القوميات المناوئة لنا،  هناك دراسات سردية – تاريخية  وحتى هذه تكون منقوصة وغير موضوعية، ولكن ما نحتاجه ليس تاريخ حركة القومية الكوردية والعربية …الخ  بل نقد هذه الحركات لبيان نقاط ضعفها وقوتها وتقييم  ادائها وقياس نجاحاتها واخفاقاتها، ان الدراسات النقدية  الكوردية قليلة في هذا المجال وللاسف تنطلق من رؤى ايديولوجية – حزبوية ضيقة يغلب عليها الطابع الشخصي  ولهذا فسرت الامور وفق ما يماشي  القناعات السياسية لهذه الجهة او تلك وبالتالي لم  تساعد  على معرفة بعض الحقائق التي  أثرت على  عمل الحركة القومية الكوردية  لانه ليست هناك مراجعة  علمية  للثوارت الكثيرة  التي  لم يكتب لها النجاح بل  اغلب المراجعات تدخل نطاق أدب المذكرات التي تقتصر على ذكر الجوانب التنظيمية والميدانية،  في حين المسألة تحتاج نظرة سياسبة – فلسفية  ترفع الغطاء عن خبايا الامور لتصل إلى اسباب اعمق من الاسباب الظاهرية التي نعتقد انها العامل الحاسم  في فشل حركة القومية الكوردية، ولعل اكبر نقاط  ضعفها  هي انها لم تمارس السياسة كعلم وفكر له جانب نظري وجانب عملي وكلاهما لن يكتب لهما النجاح بدون اخضاعهما للدراسة والنقد لان اساس كل علم هو النقد.
هل حدث ان باحث  او سياسي او سكرتير حزبوي من الكورد صرف جهده وتفكيره على عقد مقارنة بين حركة القومية الكوردية والحركات القومية للشعوب المجاورة  هل بحثنا عن اسباب نجاحهم  في الوصول إلى اهدافهم حتى نتعلم منهم ونقلدهم،  هل لاحظنا ان كل قومية من هذه  القوميات رغم تعدد تياراتها السياسية واختلاف توجهاتها إلا انها تستقي كلها من مصدر ايديولوجي واحد وهذا سر نجاحها.
لو اتينا الى شعب اسرائيل سوف نجد ان المؤسسين الاوائل قد وضعوا الأيديولوجيا الصهيونية كمنهج رسمي للدولة العبرية وقد تبنت الاحزاب الاسرائيلية بمختلف توجهاتها هذه  الايديولوجيا ولهذا مهما بلغت حدة الخلافات بين الاحزاب ومهما كانت  التباينات بين شرائح المجتمع الاسرائيلي فان الجميع متفقون ملتزمون بالصهيونية اي وضع مصلحة شعب ودولة اسرائيل فوق اية مصلحة هذه الروح هي التي  قادت الاسرائيليين للفوز بدعم وتعاطف الدول الكبرى وبالتالي النجاح في بناء دولتهم، بالنسبة لعرب سوريا والعراق هم ايضا تبنوا ايديولوجية قومية عروبية “البعث” وقد نجحوا في زرع الفكر العروبي في اذهان عرب البلدين ولهذا تجد الشيعي الذي كان  معارضا للبعث العراقي يتبنى سياسة شوفينية – عنصرية بعثية وتجد السني المعارض للبعث السوري يتبنى نفس نهج البعث حتى انه في سبيل مكافحة القومية الكوردية يكاد يتحالف مع نظام البعث الاسدي أذ كلاهما يتنافسان على الالتزام بمنهج البعث في رفض القومية الكوردية وهذا يظهر حرص العروبيين على قوميتهم، والامر نفس الشيء في تركيا ايضا التي تتبنى رسميا الايديولوجيا الطورانية وجميع الاحزاب التركية  تنضوي تحت هذه الايديولوجيا بما فيه حزب اردوغان فالتركي يضع قومه ودولته فوق  اي اعتبار وهذا ما  انقذ تركيا من زوال  كان وشيكا،  وفي ايران تم تبني الايديولوجيا الخمينية والتشيع وهي في الحقيقة  غطاء للقومية الفارسية حيث تلتزم كافة  الاطراف بها ومن ضمنها احزاب المعارضة، كما هو واضح فان القوميات المجاورة كل منها اوجدت لنفسها ايديولوجيا واحدة لا يمكن تجاوزها، ولكن القومية الكوردية لم تنجح حتى الأن  في ايجاد ايديولوجيا جامعة تعلو الاحزاب والتيارات والاشخاص بعبارة اخرى يفتقر الكوردي الى تربية  قومية سليمة ولهذا حين يقع خلاف كوردي – كوردي  لا يوجد التزام اخلاقي او معنوي او وجداني  يمنع احد الطرفين عن الاستعانة بالعدو ضد الكوردي الاخر مع انه  يدرك مخاطر جلب العدو الى البيت الكوردي ولكنه يفعل لانه لم يتعلم من احد ان مصلحة شعبه وبلاده  اهم من مصالحه الخاصة، ها نحن نجد اطراف  في جنوب كوردستان تستعين بالنظامين العراقي والايراني لاسقاط حكومة الاقليم  مع ان سقوطها يهدد بزوال الفيدرالية وخضوع  الاقليم لاحتلال عراقي مباشر، ولا اظن ان انعدام روح المسؤولية  إلا انعداما للفكر القومي السليم،  يبدو اننا نحتاج الى عملية بناء طويلة الاجل تبدأ من الصفر علينا اولا بناء انسان يصعب عليه الاستعانة بالعدو لنيل مكاسب ذاتية ولايجاد هكذا انسان نحتاج ايديولوجيا ترتقي الى مستوى ايديولوجيات الخصوم. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…