قــــراءة في واقـــع أمــر التقــــدمي

أحمــــــد قاســــــــم
هناك من يعتبر موقف ( الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ) نابع من الأنانية الحزبية عندما يصّر على توحيد الصف الكردي في هذه الظروف الإستثنائية.
1- من جهة المجلس الوطني الكردي, يعتبر أن دور المجلس محوري في العمل الدبلوماسي السياسي حتى وإن بقي بدون قاعدة جماهيرية لطالما أنه يملك جوازات سفر (مُفَيَزَة) وثمن تكت طائراتهم مدفوعة يتجولون بين العواصم ضمن دائرة الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من جهة, ومن جهة أخرى رواتب كوادرهم القيادية مدفوعة من قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني تحت إعتبار على أن هذا الحزب يساعد ويدعم الحركة السياسية لكرد سوريا, وبالتالي, يبقى موضوع وحدة الصف الكردي والعمل على تحقيقه في الخانة الأخيرة من إهتمامات المجلس الوطني الكردي في سوريا, أو أنه يرى وحدة الصف يجب أن تكون على مقاسه.
2- تف – دم ( حركة المجتمع الديمقراطي ) العائدة إلى حزب الإتحاد الديمقراطي, من جهته يرى أنه فوق كل الإعتبارات لطالما يملك قوة فاعلة من وحدات الحماية من الجنسين تقدر بعشرات الآلاف, وأثبتت تلك القوات وجودها وجدارتها في مواجهة داعش والحرب على الإرهاب بدعم دولي, وهو (أي الحزب) يمتلك كل الإمكانيات والآليات لبناء مؤسسات ما تشبه مؤسسات الدولة, وبالتالي لايحتاج إلى حزب لايملك القدرة على التحرك ( لا مالياً ولا عسكرياً ) بغض النظر عن تأثير الدور الإقليمي على قراراته وممارساته الأمنية ضد كوادر وقيادات المجلس الوطني الكردي وتشديد الخناق عليهم وزجهم في المعتقلات. فهو, أي حزب الإتحاد الديمقراطي يصف ويحدد وحدة الموقف والصف وفق محدداته التي أطرتها في إطار المشاركة في مؤسسات إداراته الذاتية ومجالسه المختلفة كموظفين من دون التدخل في عملية إتخاذ القرارات السياسية والعسكرية… وقطع العلاقات مع المعارضات السورية بكل أشكالها, وذلك شرطاً مقدماً لأي حوار توافقي.
3- الأحزاب التي تم فصلهم من المجلس الوطني الكردي ( الوحدة الديمقراطي و الديمقراطي الكردي – البارتي وحزب اليسار الديمقراطي ) شكلت من منطلق ردود الفعل تجاه قرار فصلهم تياراً آخر باسم التحالف الوطني الديمقراطي واعتبار ذلك الخط الثالث, لكنهم في حقيقة الأمر إنضموا إلى خيمة الإدارة الذاتية من دون أن يعلنوا إنضمامهم إلى ( تف – دم ) والتي تشكلت من العديد من الأحزاب ” بالأسم ” من دون أن نجد لهم قواعد.
4- هناك أحزاب مستحدثة وفعاليات من المجتمع المدني خارج تلك الأطر لاحول لها ولا قوة في ظل تشتت الكلمة الكردية لايعتبرون لها أي إعتبار, وقد يُسْتَعْمَلَهم عند المناسبات وإصدار البيانات كزيادة أرقام ليس إلا.
وسط هذا المشهد المتأزم والمدمر لمصلحة الشعب الكردي في سوريا, يرى (التقدمي) أنه إما أن يسعى إلى تغيير المشهد باتجاه إيجاد نوع من التوافقات بين الأطراف والأطراف كحد أدنى لتشكيل مرجعية سياسية تمثل إرادة الشعب الكردي ويتم من خلالها تشكيل وفد جامع وموحد للتمثيل الكردي في العمل الدبلوماسي ومشاركة أي حوار أو مفاوضات دولية وإقليمية حول الأزمة في سوريا وحلها حلاً سلمياً ديمقراطياً, أو أن ينأى بنفسه عن كل تلك المهاترات والتجاذبات الضارة والإبتعاد عن تحمل مسؤولية ما تؤول إليها الأطراف خدمة لخصوم الكرد في هذه الظروف.
لقد حاول التقدمي حثيثاً لإنتاج ما أعلن عنه مراراً لكنه لم يسعفه (القدر), حتى إخراجه من الإئتلاف تبين فيما بعد أنه كان نتيجة توافق بين البعض من أعضاء المجلس والبعض الآخر من الإئتلاف لإبعاد التقدمي, كان ذلك قبل إنسحاب التقدمي من المجلس, إلا أن إنسحاب ( التقدمي ) من المجلس كان فرصة سانحة لتنفيذ ما كانوا يسعون إليه, وذلك نتيجة للدور المميز الذي لعبه التقدمي داخل الإئتلاف والمجلس معاً, عندما أصر التقدمي على مشاركة المجلس في مفاوضات جنيف2 بوفد مستقل. فاضطر الإئتلاف إلى قبول ذلك وشارك وفد المجلس بشكل مستقل بقيادة الأستاذ عبدالحميد درويش إلى جانب وفدالإئتلاف في مواجهة وفد النظام. إلا أن الأهم في الأمر, هو الموقف الصريح والجريء الذي أبدى به الأستاذ عبد الحميد في مستهل الحوار المباشر بعد وصولهم إلى طريق مسدود بدون أن ينتجو أي تقدم في العمل التفاوضي, حتى على مستوى التوافق على برنامج العمل, حيث قال الأستاذ عبدالحميد درويش في مداخلته: ” إنني أرى بعض من تجار الحروب وسط المعارضة وهم من لايرضون إنجاح المفاوضات بالقدر الذي أرى في وفد النظام أمراء للحروب لايرضون إيقافها.. لذلك لاأعتقد أن حواراً بهذا الشكل وبهذه العقليات أن ينتج ما ينتظره مننا الشعب السوري.. وإنني أخجل أن أكون بين هؤلاء وأمثل شعبي الكردي.. “
حقيقة كان الموقف مفاجئاً لدى الجميع, وبالتالي, أحدث نوعاً من الإمتعاض لدى البعض من قيادات الإئتلاف من جهة, واستغلال البعض من قيادات المجلس ذلك الإمتعاض لدى البعض من أعضاء الإئتلاف لتشيل كتلة ضد التقدمي والعمل على إبعاده عند الفرصة التي يرونها مناسبة. فكانت فرصة إنسحاب (التقدمي) من المجلس, مع إصرار (التقدمي) البقاء كحزب في الإئتلاف. ومن خلال عدة لقاءات ثنائية بين هيئة رئاسة الإئتلاف وقيادة ( التقدمي ) المتمثل بالسكرتير, تبين أن هناك كتلة من الإئتلاف والمجلس معاً لايرضون بقاء (التقدمي) في الإئتلاف.. وأعتقد أن الموقف كان له أبعاداً سياسية إقليمية ضاغطة على رئاسة الإئتلاف إضافة إلى موقف المعارضين لبقاء (التقدمي).
ولايزال المعارضون (للتقدمي) داخل المجلس يلعبون دورهم للحيلولة إلى دون رجوع (التقدمي) إلى المجلس.. حيث أن المحاولات الأخيرة التي استبشر الناس فيها خيراً باءت بالفشل نتيجة معارضة هؤلاء خدمة لأجندات إقليمية التي تلعب دورها في تشتيت الصف الكردي والعمل على زيادة تشتيته يقيناً منهم أن وحدة الصف سيؤدي إلى تعزيز موقع الكرد عند أي حوار أو مناقشة مستقبل سوريا السياسي, وكذلك سيعزز موقف المعارضة الوطنية والديمقراطية السورية لتصبح البديل الأقوى للإستبدا.
لذلك أعتقد أن الكلام عن وحدة الصف الكردي في ظل الظروف الراهنة لاينتج المأمول لطالما أن الفاعل غير سوري ولايعمل لصالح سوريا. وبالتالي, فإن (التقدمي) في مسعاه وصل إلى طريق مسدود, مع إصراره على المواصلة في مسعاه وإقامة أحسن العلاقات مع كل الأطراف بشكل متوازن, حتى وإن كان أمله أقل من ضعيف لإنتاج أي توافق.
فلن أبالغ إن قلت بأن (التقدمي) لم يخسر من شارعه بعد إنسحابه من المجلس بقدر ما خسر المجلس من قوته في الإئتلاف. حيث أن جماهير (التقدمي) في غالبيته من النخبة الواعية التي تدرك الأمور وتقرأ الواقع بعيداً عن الإملاءات أو الشعارات التي تشوه على إتجاه البوصلة السياسية.. وللحقيقة فلا أقول أن (التقدمي) لم يخسر شيئاً, ولكن إصراره على ما يؤمن به ويعمل لتحقيقه يعوضه عن كل الخسارات, وخاصة أن الشارع الكردي والشارع السوري بالعموم وصل إلى حقيقة بأن المعارضة لم تكن على مستوى من المسؤولية التاريخية, وأن المجلس الكردي وكأنه مقطورة تتبع القاطرة من دون قيادة خاصة بهبها. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…