هي الفئة ذاتها .. السم القاتل في الطعام الكوردي

د. ولات ح محمد
    في ليلة الاستفتاء 24/9/2017 حاولت فئة تمثل الجناح الإيراني داخل الاتحاد الوطني الكوردستاني الانقلاب على الجناح الكوردي من الحزب الذي شارك في اتخاذ قرار إجراء الاستفتاء. في تلك الليلة أعلن المدعو بافل وبتصرف شخصي خارج مؤسسات الحزب أن كركوك لن تشارك في الاستفتاء. وقد أحدث بذلك بلبلة في الأوساط الشعبية التي ضاعت بين إمكانية مشاركة كركوك وعدم مشاركتها في الاستفتاء. أعقب ذلك تسرب أخبار أفادت بأن هناك محاولة انقلاب على الدكتور نجم الدين كريم محافظ كركوك لإزاحته عن مركزه وتنصيب شخص آخر مكانه.
هذه الفئة هي ذاتها التي عبّرت قبل شهور عن استعدادها لتسليم نفط السليمانية لبغداد مقابل الحصول على الرواتب (والحقيقة أنها كانت تقصد تحقيق مكاسب شخصية وإضعاف أربيل). وهي الفئة ذاتها التي استقبلت ربيبة نور المالي (بدون كـ) في السليمانبة حنان فلتاوي وتعهدت لها بالتعاون التام معها ومع معلهما عميل قاسم سليماني وبائع العراق لداعش. فلتاوي قالت لتلك الفئة في تلك الزيارة: لماذا تسمحون لأربيل بأن تكون عاصمة الإقليم الوحيدة؟ لماذا لا تكون السليمانية عاصمة أخرى ومركز قرار آخر؟. قالت لهم ذلك دون أن تتوقع أن تسمع ردة فعل غير راضية عن هذا الكلام لأنها تعلم أنها تخاطب أناساً باعوا أنفسهم. أفراد هذه الفئة ذاتها هم الذين  نسقوا قبل أيام (وربما أسابيع) مع قاسم سليماني الذي قاد العملية العسكرية الطائفية ضد كركوك وأهلها لتسليم حشده المناطق التي تسيطر عليها قواتهم من دون قتال.
    هذه الفئة هي ذاتها التي رفضت كل الدعوات لتوحيد قوات البيشمركة تحت قيادة مركزية واحدة طول كل هذه السنوات حتى تستخدم بيشمركتها والمناطق التي تحت سيطرتها ورقة للمساومة والبيع والشراء والعمل لحسابهم الشخصي في الوقت المناسب، واليوم قد جاءهم هذا الوقت. 
    منذ أن غاب الراحل جلال طالباني عن المشهد السياسي العراقي والكوردستاني قبل خمس سنوات صار الاتحاد الوطني بشكل أوضح موضع تجاذب بين تيارين، أحدهما وطني كوردي يعمل بأجندة كوردية والثاني عميل إيراني  يعمل مع أطراف محلية وإقليمية لحسابه الشخصي. هذه الفئة الثانية وسعت من صلاحياتها وراحت توظف الحزب لحساباتها الشخصية وأهملت مؤسساته، وهذا ما دفع برهم صالح وكوسرت رسول إلى إنشاء مركز القرار داخل الحزب في آذار مارس الماضي. وهذا الجناح الذي يضم أيضاً الدكتور نجم الدين كريم وشيخ مصطفى شيخ جعفر وغيرهم (بعد خروج برهم صالح) هو الذي عقد الاتفاقات الأخيرة مع الديمقراطي على إجراء الاستفتاء وفتح البرلمان ورفع العلم الكوردستاني فوق كركوك وضمها إلى المناطق المشمولة بالاستفتاء، بغير رضى الجناح الآخر.
    ما قام به اليوم أفراد هذه الفئة العميلة الذين وصفهم بيان القيادة العامة لقوات بيشمركة كوردستان بأنهم ” ارتكبوا خيانة تاريخية كبرى ضد كوردستان والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل كوردستان تحت راية الاتحاد الوطني” بتسليمهم كركوك لعصابات الحشد هو (في أحد أوجهه) شكل من أشكال الحركة الانقلابية الانتقامية داخل الاتحاد الوطني لإضعاف جناح الشرفاء والوطنيين داخل الحزب (سواء أكانوا في مواقع سياسية أم عسكرية وأمنية) أمثال كوسرت رسول ونجم الدين كريم الذين ما زالوا يفكرون في كوردستان ومصلحتها؛ فمنذ أن قام كوسرت رسول بتصحيح مسار الحزب بإنشاء مركز القرار مع برهم صالح في مارس آذار الماضي راحت الفئة العميلة تعمل لاستعادة سطوتها على الحزب لتنفيذ مصالحها الشخصية ومصالح معلميها نوري وقاسم الإيرانيين. وقد جاءتها هذه الفرصة الذهبية لتقوم بالانقلاب والانتقام معاً: الانقلاب على نجم الدين كريم لإزاحته عن موقع محافظ كركوك بعد أن فشلت في ذلك ليلة الاستفتاء، ولتنفيذ لقرار نوري وحيدر البرلماني بإقالة المحافظ. كريم الذي رفع العلم الكوردستاني في سماء كركوك وأصر على مشاركتها في الاستفتاء على استقلال كوردستان قررت الفئة العميلة إزاحته والتخلص منه. أما الانتقام فكان من هذا الجناح الكوردي في الحزب وحليفه الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن عموم الكورد الذين صوتوا بنسبة 92% بنعم لكوردستان، لأن بقاء كوسرت رسول ونجم الدين كريم ورفاقهما سيقطع الطريق على أي مخطط لإيران ضد كوردستان، ولأن نجاح مشروع كوردستان سيقضي على هذه الفئة المريضة ومصالحها الشخصية وقد يعرضها للعقوبة على يد نوري وسليماني لفشلهم في أداء وظائفهم.  
    كركوك التي لم يجرؤ أي قائد كوردي التنازل عنها في أي يوم وتحت أي ظرف، كركوك التي سماها الخالد البارزاني قلب كوردستان والراحل الطالباني قدس كوردستان. اليوم تقوم هذه الفئة الخائنة بتسليمها وبيعها لأعداء الكورد وكورستان بدافع من أحقاد ومصالح شخصية، وباتفاق مع نوري والقاسمي والعبادي والخزعلي والعامري، قادة الحشد الطائفي الذي كان لنواب هذه الفئة العميلة في البرلمان العراقي الفضل الأكبر لتمرير قانون يجعله تابعاً لقوات الأمن العراقية بصفة رسمية ويغزو كركوك وكوردستان ويقتل البيشمركة بصفة رسمية أيضاً.  
    أمس وقبل عملية الغزو بخمس ساعات كانت هيرو (وهي أحد عناصر هذه الفئة) في الاجتماع الذي انعقد بين الحزبين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني في السليمانية بحضور الرئيسين معصوم والبارزاني، وتم الاتفاق فيه على النقاط الخمس المعروفة. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: مادامت هذه الفئة الخائنة قد اتفقت مع السليماني على تسليم مناطق سيطرتها بدون مقاومة لماذا لم تستجب لدعوة الحكومة العراقية بتسليم تلك المواقع سلمياً قبل أيام؟. لماذا تركت الأمور تسير حتى الساعة الأخيرة وكأن قواتها ستدافع عن مواقعها؟ لماذا أعطت الذريعة لكل هذه القوات والعصابات أن تأتي إلى حدود الإقليم وتقتحم قرى كركوك وتهجر أهلها وتقتلهم وتقتل البيشمركة؟ لماذا تركت عشرات الآلاف من المتطوعين من أبناء كركوك إضافة إلى الآلاف من أبناء زاخو ودهوك وأربيل ينتظرون في شوارع كركوك استعداداً للدفاع عنها إلى جانب البيشمركة، بينما كان تلك الفئة الخائنة تأمر البيشمركة التابعة لها بتسليم كركوك لعصابات الحشد بكل دم بارد؟. لماذا تركوا رفاقهم في الحزب (كوسرت رسول ونجم الدين كريم وغيرهم) عرضة للقتل على يد تلك العصابات بعد أن تركوهم وحدهم في المواجهة بعد انسحابهم المفاجئ، وربما كان مقصوداً؟!.
    يبدو أن هذه الفئة لم تقرر فقط خيانة الكورد وكركوك وأهلها بتسليمها لتلك العصابات بل قررت أيضاً جلب تلك العصابات إلى داخل مدن الإقلبم أو على حدودها حتى تكون الشوكة التي تمنعها من الهدوء والاستقرار والتطور تنفيذاً لتعليمات مموّلهم نوري وقائدهم السليماني. وحتى تبرر هذه الفئة الوقحة جريمتها ادعت أن الاستفتاء هو سبب هذا الغزو، علماً أن الحكومة العراقية وقادة الحشد الطائفي قالوا جميعاً إن الاستفتاء ليس له علاقة بغزو كركوك، وإنما هدفه العودة إلى حدود 2014 قبل مجيء داعش وبسط سيطرة الحكومة الاتحادية على تلك المناطق بغض النظر عن إجراء الاستفتاء أو عدمه.
     ما حدث ويحدث ليس خلافاً سياسياً أو خلافاً في الرأي بين أطراف كوردستانية على مسألة معينة يمكن التحاور حولها أو تقديم تنازلات لتقريب المواقف. ما اقترفته أياديهم الملوثة هو أنهم خانوا حزبهم ورفاقهم وخانوا شعبهم وخانوا كوردستان. هؤلاء لم يقترفوا فقط خيانة بيع كركوك لعصابات طارئة، بل ارتكبوا كذلك جريمة بالتسبب في قتل وتشريد وتهجير عشرات الآلاف من مناطقهم وقراهم في كركوك. ولذلك لم يعد لهؤلاء مكان في قاعات الاجتماعات والاتفاقات ومراكز القرار، بل المكان الذين يجب أن يكونوا فيه وبأقصى سرعة هو خلف القضبان وقاعات المحاكم بتهمة الخيانة العظمى. فذلك هو الإجراء الوحيد الذي يمكن أن يوفي الشهداء دماءهم والحزانى دموعهم والحالمين بكوردستان حلمهم. 
    القيادة الكوردستانية والشرفاء في الاتحاد الوطني وأبناء كوردستان (أبناء كركوك والسليمانية على نحو خاص) مطالبون باتخاذ إجراءات عاجلة لمحاسبة هؤلاء الخونة لأن أي تأخير في إنزال العقاب بهم سيزيد الطين بلة؛ فالمسألة اليوم ليست كارثة خيانة بيع كركوك فقط، بل هي معالجة هذه الفئة التي باتت سماً في كل طبخة كوردية؛ إذ لا مستقبل لكوردستان بوجودها. والذي باع كركوك اليوم بهذه الأعصاب الباردة من السهل عليه أن يبيع السليمانية غداً بذات الطريقة وبثمن أرخص وبتكلفة أغلى. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…