إدريس سالم
يقول وينستون تشرشل وهو رئيس وزراء المملكة المتحدة «ركبت سيارة أجرة، متوجهاً إلى مكتب BBC لإجراء مقابلة، عندما وصلت طلبت من السائق أن ينتظرني 40 دقيقة حتى أعود، اعتذر السائق وقال “لا أستطيع، حيث عليّ الذهاب إلى المنزل لكي أستمع إلى ما يقوله وينستون تشرشل”. لقد استغربت وفرحت من شوق هذا الرجل ليستمع إلى أقوالي، فأخرجت مبلغ 10 جنيهات، ودفعت له بكل سرور. وعندما رأى المبلغ قال لي “ليذهب تشرشل وأقواله إلى الجحيم، سأنتظرك ساعات حتى تعود!”.
في سلسلة زياراته الرسمية تحت بنديّ ”الدبلوماسية، والعلاقات الاقتصادية“، توجّه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إلى عدة دول إقليمية، كالسعودية وتركيا وإيران، بهدف تكثيف الجهود المشتركة لمحاربة تنظيم داعش «هذا في الإعلام. فماذا تحت الطاولات؟»، إلا أن الهدف الرئيسي منها هو الضغط على حكومة كوردستان، لإلغاء نتائج الاستفتاء الدستورية والشرعية، ومحاربة الدولة الكوردية القادمة.
حقيقة؛ في كل زيارة يقوم بها العبّادي، يتلقى الرجل الشيعي – الذي لا يتحرّك إلا وفق أجنداته – إهانات وطعن في الكرامات، تطال شخصه كرئيس وشعبه العراقي، فمؤخراً في زيارته لأنقره، استقبله رجب طيب أردوغان، جلسا أمام الكاميرات، وخلفهما علمان تركيان كبيران، وسط جدل لغياب العلم العراقي، بعد أن تم استقباله في المطار من قبل وزير الجمارك والتجارة التركي بولنت توفنكجي «حسب البروتوكولات الرسمية للقاءات رؤساء الدول، يجب وجود علم كل رئيس خلفه»، وكأنّ أردوغان يستقبل والياً تركياً، لإحدى ولايات الجمهورية التركية.
لم يكتفِ العبادي بهذه الإهانة العثمانية، ولم يأخذ منها العبرة السياسية، لا ولم يحسب حساباً لكرامة الشعب العراقي، فخرج من مكتب أردوغان، متوجهاً إلى طهران، ليستقبله علي الخامنئي بعباءة غطّى بها ثياب النوم وجورباً أبيضاً وشِبشِباً (شحاطة أو صندل أو نعل أو حذاء، أو خُفّ) يتبيّن من خلال الصورة التي تداولها نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي بأنها بلاستيكية سوداء، وكأن الوقت كان متأخراً حتى استعجله العبادي ليلتقي به، ويطلعه على كل التحركات التي قام بها، ليتوجّه بعدها إلى قصره في بغداد، وينام هنيئاً.
من ناحية أخرى، وفي زيارتي العبادي لأنقرة وطهران، كان هناك مسعى آخر، يتم الحوار عنه حتى الآن، هو الوصول إلى معبر فيشخابور، الذي يربط جنوبي كوردستان بغربه، ونشر قوات من الحشد الشعبي الشيعي والشرطة الاتحادية فيه، ولو تمّ ذلك، وهو بالأمر الصعب، فإن شراكة الأنظمة الاستبدادية الأربعة، هي لإنهاء أي تجربة تحرّرية كوردية، وهو ما سيصطدم بالمصلحة الأمريكية ويؤثر عليها كثيراً «رهان الأمريكان على العبادي، على المحك»، لكثرة اللاعبين الاقتصاديين، وحربهم على النفط الكركوكي، كالشركات الفرنسية والبريطانية والإسرائيلية والإيرانية وأيضاً الأمريكية «المبادئ الإنسانية والأهداف الاقتصادية لا تلتقيان في المعادلات السياسية».
وعليه فإن الجميع يظلم هذا الرئيس الذي لا يمتلك القرار السياسي، وحتى قرارة نفسه، فبات بديهياً لدى القاصي والداني، بأنه يتحرك بأوامر من ملالي إيران، وبتغزّل أمريكي «أنور الحمداني مقدم البرامج في قناة الفلوجة يكشف وجود 43 مكتباً للحرس الثوري الإيراني في العراق، وخاصة الموصل وكركوك والسليمانية، وبإدارة قاسم سليماني»، فبدل أن ينقذ بغداد من الدمار و والفساد، ويوضع حدّاً لانتهاكات وخروقات الحشد الشيعي، جاء إلى كوردستان المعمّرة والمسالمة والحاضنة لأكثر من مليون نازح عراقي، بقوات عراقية يقودها قادة الحرس الثوري الإيراني، ليصرف الأنظار عن فشل حكومته في رخاء بلاده، ويحشد لنفسه دعماً شعبياً، ويستعد لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وليقود العراق مرة أخرى نحو المزيد من الخراب التحتي والدمار المجتمعي والعنف الطائفي.
لماذا يظلمون رئيساً يُؤتمَر من إيران، بعدم تقاطع مواقفه مع الاستراتيجيّة الإيرانيّة، من خلال عدم منع الدور الذي يعطى للحشد الشعبي في الملف الأمني والعسكري العراقي، ويهينونه إقليمياً بطرق لعلّها الأكثر دبلوماسية؟ فيما الطبقة السياسية في العراق تنهب المال العام ومنذ 13 عاماً، وتبحث عن النفوذ وعلى ظهور الفقراء والتعساء، حيث صرّح رئيس إدارة مكافحة الفساد في العراق مشعان الجبوري لصحيفة غارديان البريطانية وقنوات تلفزيونية أخرى أن جميع مَن يديرون العراق فاسدون مرتشون، من قمة الهرم إلى قاعدته، مشيراً “نعم جميعهم فاسدون وصانعون للفساد، بمن فيهم أنا، ولا يوجد حل”.
أخيراً.. ما الفرق بين قادة يسلبون أموال الفقراء وقادة يعمّرون عقول الفقراء؟ فوينستون تشرشل قاد أوروبا كاملة ضد اجتياح النازية، وانتصر على هتلر، إنه أول لورد لقيادة البحرية، وله دور كبير في تقسيم تركة الدولة العثمانية الظالمة، فكان أديباً ورسّاماً ومؤرّخاً وكاتباً، ألّف كتباً عديدة (الشعوب الناطقة باللغة الإنكليزية، حبّ النهر، لورد راندولف تشرشل، حياتي الباكرة، مارلبورو)، فيما معظم قادة العراق الحاليين معروفون لدى شعبهم، بأنهم أشدّ سوأ وعنفاً من صدام حسين.
كاتب وصحفي كوردي