جان كورد
إن تحرير الموصل من قبل القوات العراقية بدعم التحالف الدولي من قبضة داعش والاستيلاء على كركوك بالخيانة في الصف الكوردي وبدعم الحشود الطائفية التابعة للحرس الثوري الإيراني، قد أصاب رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي بالغرور وزاد من غروره السياسي ونفخه الذاتي عسكرياً ونفسياً ذلك الموقف المخزي للدول “الديموقراطية!” وتكالب دول الطوق المعادي لكوردستان حيال استفتاء الاستقلال للشعب الكوردي، الذي لم يخرج عن نطاق التمتع بحق تقرير المصير المثبت في ميثاق الأمم المتحدة. فإذا بنا أمام شخصية متناقضة ونفسية معقدة لرئيس وزراء عراقي لا يختلف في نظرته السياسية بصدد كوردستان المخالفة لدستور الدولة عن نظرة الدكتاتور البائد وزبانيته المجرمين، فهو لا يكف عن ضرورة العودة إلى الدستور، إلاّ أنه عملياً مستمر في حربه على كوردستان، سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، ويستخدم سلاح “فرق تسد” ضد الحكومة الكوردية والأحزاب السياسية والقيادات العسكرية الرافضة لسياساته هذه. إنه بصراحة يقود حرباً غير معلنة أو ينهج سياسةً تبدو سلمية في صورتها، إلاّ أنها مدمرة لوجود الفيدرالية المنصوص عليها في الدستور ذاته عملياً.
ما نراه جلياً هو أن لا غاية لهذا الديكتاتور الذي لا يقل عداءً للكورد عن سلفه المالكي من وراء دعوته للحوار سوى كسب الوقت، حتى يتسنى له تعميق الشرخ في الصف الكوردي، إلى درجة السعي لافتعال حربٍ داخلية في كوردستان، وتجميع أكبر عددٍ من (الجاش) عن طريق الإغراء المالي، مثلما استخدم صدام حسين السلاح ذاته بشكلٍ فعال، وتقطيع أوصال الفيدرالية بطرح موضوع “محافظات شمال العراق” لفصل محافظات الإقليم عن بعضها بعضاً، والسكوت المؤقت عن تواجد القوات التركية في البلاد وما تطرحه الدوائر الأمنية في أنقره من مشروع تخريب لكوردستان يتضمن إقامة فيدرالية مؤلفة من طوز خورماتو وتلعفر وكركوكـ ، لا يكون فيها للكورد سوى أضعف الأصوات، وتصعيد لغة التهديد والوعيد ضد الإقليم بهدف القضاء على النظام الفيدرالي كلياً فيما بعد، لأن العقلية العقيدية التي تتحكم بحكومة العبادي والنظام السياسي العراقي عامةً لا تؤمن بالفيدرالية والإدارة اللامركزية والحكم الذاتي لفئةٍ أو منطقةٍ، وليس فيها من مرجعية دستورية حقيقية، وإنما مرجعية دينية طائفية أعلى مقاماً من كل المواد الدستورية ومن القوانين العراقية.
يعتمد السيد العبادي في حربه الخاصة هذه على إقليم كوردستان على المساهمة الواسعة والفعالة للمليشيات التابعة لإيران رغم أنها عراقية التجنيد والتي تأخذ أوامرها من أسيادٍ غير عراقيين، بل من قواد الحرس الثوري الإيراني، والمخجل هنا حقاً أن رايات هؤلاء المتهمين بالإرهاب من قبل الإدارة الأمريكية تخفق فوق الدبابات والعربات المدرعة الأمريكية ويعيثون في العراق وسوريا ولبنان واليمن فساداً ويخلقون المشاكل الكبيرة لشعوب المنطقة، في ذات الوقت الذي تعلن إدارة ترامب بأنها مصرة على إنهاء الدور التوسعي لإيران في المنطقة لأنه دورٌ خطير ويضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
إن تسعير الخلافات بين مكونات شعب كوردستان، وسياسة تهجير السكان بهدف التغيير الديموغرافي في المناطق المتنازع عليها، والسعي للوصول عن طريق اتفاقيات شكلية وعلى الورق مع قادة البيشمركة أو عن طريق استخدام القوة العسكرية ضدها، ليس إلاّ تنفيذاً لمخطط جهنمي يهدف إلى انتزاع مصادر ومعابر الثروة الاقتصادية لكوردستان، بل إنه الاستعمار في حقيقته، إضافةً إلى أن نظام العبادي الذي يتشاجر نواب برلمانه فيما بينهم بالأحذية واللكمات في ظل دستورٍ مخترقٍ بشكل فاضح، يكبت الحريات في المدن التي استولى عليها الحشد الشعبي وقواته العسكرية، بل يقتل الصحافيين ويحرق بيوت المواطنين وينسف مقرات الأحزاب المعارضة للقمع والإرهاب الحكومي ولا يتوانى عن ارتكاب كل الجرائم التي لا يمكن حتى للخونة من الكورد تبريرها أو الدفاع عنها، بعد كل ما حدث لشعبنا الكوردي في تلك المناطق.
وهذا في الحقيقة ليس إلا استمراراً لحرب حكومة العبادي على كوردستان بأساليب أخرى، وسط سكوت العالم الحر الديموقراطي مع الأسف، فهل يعود العقلاء من الكورد الذين انضموا إلى جوقة الخونة إلى رشدهم ويقفوا مع شعبهم وبيشمركة وطنهم ضد هذه الحرب التي تجري رغم جلوس الطرفين الكوردستاني والحكومي على طاولة الحوار، وبرأيي فإن لجوء العبادي إلى الحوار ليس إلاّ ابتسامة ثعلبٍ ماكر في وجه من يظن أنهم فرائس سهلة له.
01 تشرين الثاني، 2017
kurdaxi@live.com
facebook: Kurdaxi1