ما بعد داعش مرحلة المخاض العسير..

م. محفوظ رشيد
 
    بلغ العنف والعنف المضاد الذي لازم ما يسمى بالربيع العربي في سوريا والعراق أشده، وعلى اثره ظهرت حركات وتيارات اسلامية متطرفة، اتخذت أشكالاً ومسارات مختلفة حسب الجهات التي تبنتها وموّلتها، وجندتها لفرض حضورها وأجنداتها بالوكالة. 
    برزت من بينها جبهة النصرة وداعش وطغت عليها، بسطت سلطتها على مناطق هامة وشاسعة من الدولتين متجاوزة الحدود والسيادة، وأقامت خلافتها، التي توسمت بالارهاب والوحشية من خلال ارتكابها جرائم القتل والتدمير والتهجير والسبي..، مهددة الأمن والسلام والاستقرار في العالم، مما اضطر التحالف الدولي(المجتمع الدولي) بقيادة أمريكا بمحاربتها.
باندحارها وانحسارها واقتراب نهايتها تسعى أطراف الصراع لاعادة تموضعها وانتشارها استعداداً لبدء مرحلة جديدة لجرد الحسابات واجراء التصفيات وجني الاستحقاقات بعد الانتهاء من تقاسم النفوذ والمصالح، فالمناورات العسكرية بين مدٍ وردٍ  لكل من روسيا وأمريكا عبر حلفائها على الأرض، والمبادرات السياسية من عقد المؤتمرات واللقاءات لكل طرف بمعزل عن الآخر ودون رعاية أممية، والحملات الاعلامية المتواصلة والنشاطات الدبلوماسية المكثفة لكل منهما أدلة واضحة وقاطعة على وصول الأزمة إلى فصولها النهائية، ومحاولة كل طرف وضع لمساته الأخيرة على خواتمها، فغزو كركوك من قبل الحشد الشعبي، واحتلال تركيا لادلب، وتقدم الجيش السوري في دير الزور، وتحضيرات مؤتمر حميميم/سوتشي، جميعها أحداث ووقائع تندرج في اطار التنافس الحاد والحاسم في رسم خارطة المنطقة مستقبلاً.
    مرحلة ما بعد داعش بمثابة مخاض عسير وخطير قبل الاعلان عن ملامح وخصائص الولادة الجديدة، التي ستكون مفاجئة وصادمة للجميع، مؤلمة ومخيبة للبعض، ومفرحة ومشجعة للبعض الآخر، لذلك تتعالى صيحات المقهورين والمنكوبين، وتتصاعد التوترات والحملات، وتتزايد الدعايات والاتهامات تعبيراً وتمهيداً ليتقيأ الكل ويفرغوا ما بداخلهم من أفكار وتصورات لتثبيتها على أرض الواقع، أوالتباكي ورد الاعتبار لما خسروه وما يخسرونه من طموحات وأحلام..
    وأمام هذه التغيرات والتحولات السريعة والشديدة لن تصمد بعض الكيانات والأطر الكلاسيكية القائمة، ستهمش أوستزول ما لا تحدّث وتفعّل وتهيّأ، وستظهر عناوين بديلةً جديدة بهياكلها وبرامجها، وستشكل اصطفافات وتحالفات جديدة مختلفة عن ما قبل  نهاية داعش ببنائها وقوامها ومهامها..
    هذه التغيرات القسرية في البنى لا بد أن تحدث شروخاً على الصعد الاجتماعية والثقافية والدينية، وستحتاج إلى جهود وشروط خاصة لمعالجتها، وهنا يبرز دور العقلاء من النخب الثقافية والسياسية والدينية والاجتماعية.. للحث على التسامي فوق الجروح، والحض على التسامح والتآخي والتعايش وحماية السلم الأهلي، وتهيئة النفوس والأجواء لقبول العيش كجيران أصدقاء، أو شركاء أحباء، وفق ما تفرزه توافقات الدول العظمى وتفاهماتها على مشروع الشرق الأوسط الجديد.
    فهل المقبل تقسيم كاليمن؟ أم اعادة تهيئة مثل مصر وتونس؟ أم تغيير في النظام وشكله كما في العراق بعد حرب الخليج؟ أم توافقات طائفية كما في لبنان؟ أم فرض نظام لا مركزي اتحاديي يراعي وحدة البلاد وسيادتها؟
    بناء على ما سبق، ينبغي على كافة القوى والفصائل الوطنية البدء بالحوار الجاد والمسؤول ضمن المكون الواحد وجميع المكونات معاً لايجاد التوافقات والقواسم المشتركة على أساس الشراكة الحقيقية واحترام الخصوصية القومية والدينية والطائفية كما تقره العهود والمواثيق الدولية، وتفرض المبادئ الديموقراطية والانسانية، وتوفر الظروف الموضوعية والواقعية.
    وما ينطبق على العام يمس الكورد بشكل خاص ومباشر، لأنهم جزء أساسي من القضية العامة (جزء من المشكلة والحل) بحكم وجودهم الجغرافي والديموغرافي، وتجسيده سياسياً وعسكرياً، وتطلعاتهم عادلة ومشروعة لنيل حقوقهم القومية والوطنية أسوة بشعوب المنطقة، لذلك يحتم عليهم ترتيب البيت الكوردي داخلياً بتوحيد صفه وخطابه، ليتمكن من فرض إرادته وتثبيت أجنداته وتحقيق غاياته، كي لا يذهب ضحية للمساومات والصفقات الدولية.
3/11/2017
————- انتهى  ————–

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…