التلوث في سوريا

  حسين جلبي

يكشف زلزال الثورة السورية المتصاعد، و ما يخلفه من تسونامي دماء متواصل، يضرب و دون هوادة جذور الإستبداد و الفساد، يكشف و على مدار الساعة، عن نسبة عالية من التلوث، تمكن من مفاصل الحياة المختلفة، حيث يحتاج إزالته إلى جهد إستثنائي كبير، يبدو أنه سيحتاج إلى زمنٍ طويل، كما كشف هذا الزلزال أيضاً عن أزمة أخلاقية أخذت تطفو على السطح، بعد أن تحطمت القشرة الرقيقة التي كانت تخفي ما تحتها من عيوب.

فحيثما أدرت أذنيك يصعقك زعيق الأبواق، و أينما توجهت ببصرك صدمتك المشاهد، و لا تعلم أين المفر، فلقد تضامنت و تواطئت كل الأصوات والصور الرسمية و توابعها لتدفع المرء إلى غاية واحدة ألا و هي اليأس.
قوات الأمن تطلق النار على مدنيين عزل و تفتقد رجولة الإعتراف بفعلتها، فتنسبها إلى عصاباتٍ مسلحة، مضحية بذلك بسمعتها (الطيبة) في صنع الحدث، و القدرة على (التنبؤ) به قبل حدوثه و منعه، و من ثم عرض إعترافات الأشرار على الجمهور، و طبيب يمنع الجرحى من دخول (مشفاه)، متمثلاً أخلاق السكين و ليس المبضع في تعامله مع الجرح، و عضو مجلس شعبٍ يدعو إلى غزو العالم ليتناسب مع طاقات الرئيس القيادية، و مجلسٍ إجتمع على قلب رجلٍ واحد، يضحك إذا ضحك الرئيس، و يتجهم إذا عبس، يصفق بشكل رائع يحسد عليه و بإيقاع واحد و في وقتٍ واحد دون أدنى هفوة، يتوزع أعضائه إلقاء المدائح في عرض سمفوني أخاذ.
 ممثلون مزقوا أقنعة الخير التي إرتدوها على الشاشة، و نزلوا على الأرض ليلعب جلهم دوره الحقيقي المخزي، دور المنافق الأكبر في مسلسل النفاق الكبير، يروون مسلسل بكائياتهم تأثراً بما قاله الرئيس، و كأن الدم المراق في الشوارع و الساحات و أنات الجرحى و آهات الثكلى لا تستحق منهم هي الأخرى دمعةً حتى لو كانت مصطنعة، كأن هذا الدم ليس إلا (كتشب) صبغ به أجسادهم، ممثلون منافسون.
كم صدمتنا الحقيقة، العكيد لم يكن عكيداً، و الزعيم لم يكن سوى هلفوتاً، و القبضاي كان نذلاًً، و الكبير كان قزماً، و الحسناء كانت شمطاءً، و الوسيم كان قبيحاً، فلقد سقطت الأقنعة و أزيلت المساحيق، فظهر كل شئ على حقيقته تحت ضوء الشمس.
و لاعبون ركلوا قلوبنا بقسوة خارج المرمى، و جموعٌ لا زالت تقبض على العصا من المنتصف.

   
 أحدهم يرجو السلطة تمديد قانون الطوارئ  و تشديد القبضة الأمنية، و آخر يقول بأن الجرحى ليسوا سوى ممثلين صبغوا أجسادهم بالأدوية الحمراء، و ثالث يقول أن المشاهد مفبركة تعود إلى ثورات أخرى، بقي أن يطالبوا بفرض قانون طوارئ  أكثر ( طوارئيةً) من قانون الطوارئ القائم الذي تأقلم معه المواطنون.
إنه زمن الإنعطافة التاريخية للنفاق و التحولات الكبرى المناسبة للكسب دون حدود، فلقد فتحت الخزائن و بدأت المكرمات، و كل من له حلم أو مشروع أوهدف يمكنه تحقيقه ببضع كلمات، و ليس عليه سوى تنظيف الشوارع، بلعق الدماء التي تسيل عليها، أو إهالة التراب عليها، أو تجاهلها، و من ثم تنظيف الأيادي الآثمة و الأفواه الملوثة بأوراق المال المنهمر.
الشعب سعيدٌ هذه الأيام، أنها مكرمة العشر دقائق المجانية، إستغلها للثرثرة و رواية النكات، رغم أنه يعلم أن هذه الدقائق كانت فاتورتها الأغلى، أنه دم الشهداء و الجرحى، أيها المجانيون.
فعلاً يا حيف، ففي الوقت الذي هناك (زخ رصاص على الناس العزل)، ثمة آخرون يزخون كلاماً مجانياً على التلفونات، و إعلام يتصرف و كأنها مجرد سحابة صيف.


لكن زلزال الثورة السورية قد تسبب أيضاً في تدفق ينابيع صافية، بدأت تشق طريقها من جوف الأرض الطيبة، لقد بدأنا نرى نصف الكأس الملآن.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…