في باب المقارنة بين الحالة السورية من جهة والحالتين التونسية والمصرية من الجهة الأخرى نتوصل الى جملة من المشتركات التي ظهرت على أرض الواقع وأشارت اليها القوى السياسية المعارضة في أكثر من مناسبة ومنها : تشابه في طبيعة النظام السياسي المنقاد من خلفيات عسكرية والحزب الواحد والعائلة الواحدة وتسلط الأجهزة الأمنية وقانون الطوارىء والأحكام العرفية والفساد المالي والاداري والتوريث واذا كانت سوريا تتميز أكثر بتعدديتها القومية والدينية والمذهبية فهي مصدر غنى اذا توفر الحكم الديموقراطي العادل علما أن تونس يتكون أيضا من القوميتين العربية والأمازيغية وفي مصر المكون القبطي المسيحي .
مشروع الانتفاضة الوطنية السلمية السورية الذي انطلق من درعا واستمر في دمشق واللاذقية وبانياس وحمص والقامشلي ودير الزور وعامودا وكوباني ودوما والمرشح للتوسع والتعاظم والتمدد نحو كل منطقة ومدينة وبلدة وقرية نابع من الداخل السوري ويحمل هموم السوريين في نيل الحرية وحفظ الكرامة الوطنية والوصول الى تقرير مصير بلدهم واعادة بناء دولتهم – دولة كل المواطنين – على أسس حديثة معبرة عن طموحات وآمال كل المكونات الوطنية على قدم المساواة وعلى قاعدة عقد اجتماعي مبرم متوافق عليه من الجميع من دون تغييب أو عزل أي طرف بمعزل عن تسلط الحزب الواحد والفئة الواحدة والفرد الواحد وفي ظل دستور جديد ( أرى شخصيا مشروع دستور سوريا الجديدة للسجين السياسي الناشط الحقوقي الأستاذ أنور البني من أهم الصيغ المطروحة) يتضمن المفاصل الأساسية من التغييرات ويضمن حقوق ومستقبل المكونات الأخرى غير العربية وغير المسلمة ولاشك أن نهج الانتفاض التغييري هو قدر تاريخي وحاجة موضوعية حياتية للشعب السوري خاصة بعد ذهاب كل الوعود الاصلاحية أدراج الرياح منذ خطاب القسم قبل احدى عشر عاما – ولا نقول أربعين – وحتى الآن وبعد تيقن واقتناع السوريين أن الأوان قد فات من جهتين : الأولى عجز نظام البعث الحاكم عن اجراء أية تغييرات حقيقة بعد تجربة الحكم البعثي المنهار في العراق لأن ذلك سيتناقض مع مصالح مراكز القوى الممسكة بالسلطة والثروة ومع العقلية السائدة والخطاب السياسي القائم على الأحادية والثانية أن رزمة الاصلاحات التي كانت مطروحة منذ عشرة أعوام لم تعد مجدية الآن خاصة وأنها قد تظهر بقطارة أمنية حذرة والانتقال الشكلي من قانون الحكم العرفي ضد المعارضين الى قانون مكافحة الارهاب ضد مجموع الشعب ومكابرة سياسية واضحة ولن تلبي مطامح الشعب عموما والشباب المنتفض على وجه الخصوص لذلك فان القضية السورية اذا صح التعبير هي مسألة التغيير الجذري في الداخل بامتياز ولايجوز وضع السياسة الخارجية كحاجز أمام خلاص وحرية الشعب السوري وحتى لو سلمنا جدلا أن النظام ممانع وداعم للمقاومة وضد الامبريالية والصهيونية (وهو أمر غير واقعي) فالشعب السوري لم ينتفض ضد ذلك وهو معروف بمواقفه الوطنية والقومية والانسانية بل يعتصر ألما من عجز النظام عن تحرير الجولان منذ أكثر من أربعين عاما ويخجل من نفسه حول سياسة النظام تجاه الأشقاء في لبنان ماضيا وحاضرا وغير راض عن أدائه الفلسطيني والعراقي وضد تمحوره مع نظام ايران على حساب العمل العربي المشترك .
شباب سوريا هم المعارضة الفاعلة الوحيدة في هذه المرحلة وهم في قلب الحدث ووقود الانتفاضة وقيادتها وليس هناك أية وصاية عليهم من خارج الحدود وكل الأسماء والمسميات المعروفة التي يريد البعض ترديدها بهدف الطعن والتشكيك ليس لها موقع مؤثر في قاموس الشباب والمجال مفتوح لكل من يريد دعم الشباب سياسيا واعلاميا وثقافيا من خارج البلاد ومن الظلم استمرار البعض في تلميع أسماء على أنها معارضة عفى عليها الزمن من جهة أخرى ليس للاسلام السياسي أي موقع قيادي في مشروع الانتفاضة السورية وقد نجد هنا وهناك أفرادا ينتمون الى منظمة أو حزب ولكن تواجدهم ليس على أساس حزبي أوفئوي وكما نفهم من الشعارات المرفوعة حتى الآن لم يظهر مثلا أي كلام عن – الاسلام هو الحل – وكلنا يعلم أن – حركة الاخوان المسلمين – أعلنت وقف معارضتها للنظام منذ ثلاثة أعوام وقيل عن وجود حوار بين الطرفين بوساطة تركية واخوانية اردنية أما أن الجمهور يتظاهر يوم الجمعة فلأنه يوم عطلة أولا ويتجمع الناس في الجوامع في كل الشرق الأوسط وليس في سوريا وحدها بعد أن منعت أجهزة النظام أي تجمع في أية ساحة من أرض الوطن .