سوريا: أزيز الرصاص يُعطـِّلُ لغة الكلام ويُبرِّر لشعار إسقاط النظام

نوري بريمو

جمعة بعد أخرى وما بين كل جمعة والتي تليها، يتعمّق الجرح السوري وتتوسع دائرة غضب السوريين بعربهم وكوردهم وباقي أطيافهم الثائرة بشكل سلمي ضد سلطة الإستبداد التي تتبنى سياسة العصى الغليظة وترفض أي حوار من شأنه التهدئة وحقن دماء المدنيين الأبرياء الذين صاروا ضحايا يتساقطون بالعشرات على يد مخابرات النظام وشبيحته التي تعربد في البلاد كما تشاء وتستبيح بأرواح العباد بلا أي رادع.

وبالطبع فإنَّ هذا السلوك العسكريتاري المنذر بشتى المخاطر لن يمر مرور الكرام بالنسبة لجموع السوريين المطالبين بالحرية وفي سبيل حياة أفضل،
 وقد يأخذ المشهد الميداني منحى أكثر عنفاً وتأزيماً إزاء هذه التصرفات الرعناء للنظام الذي يحاول تجييش كل شيئ لصالحه ويستخدم كافة صنوف الأسلحة الخفيفة والثقيلة ضد المدن الآمنة التي بات عدد منها محاصرا، ويعطل لغة الكلام ويحاول إعلاء أزيز الرصاص والعنف على مساعي الحوار، رغم إلتزام الشارع السوري بحراكه السلمي الديمقراطي وعدم انجراره وراء اتهامه على مركوب نظرية المؤامرة التي يعتمدها الإعلام السوري الفاقد لمصداقيته والذي يتحفنا كل يوم بفبركات مزوّرة ومتناقضة مع أقوال السلطة وممارساتها المخالفة والخالية من أية بادرة إنقاذية لها وللبلد.

وبصدد وعود الإصلاح التي يطلقها الرئيس الأسد بين الحين والآخر وحين اللزوم، فيبدو أنها وسيلة لكسب الوقت ليس إلا، مما أدى ويؤدي إلى فقدان الثقة بين الأقلية الحاكمة والأكثرية المحكومة الرافضة للطغيان والمطالبة بحقوقها عبر النزول إلى الشارع وعدم التراجع إلى حين تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود الذي بات مراداً سورياً عاماً وليس مختصر على هذا المكوِّن أو ذاك، وهنا تكمن خطورة وهواجس هذه الهوة الحدّية الحاصلة بين الشعب المنتفض والنظام الفاقد لأية رؤية للحل سوى الرؤية الأمنية التي لن تجديه نفعا لا بل قد تودي به إلى السقوط.


أما مدلولات راهن الساحة المحتدمة يوما بعد آخر، فتوحي إلى أنّ أهل الحكم لا يستوعبوا لغة التوافق السياسي وقبول الرأي الآخر، ولسان حالهم يقول: اللهم نفسي وليحترق الأخضر واليابس من بعدي!، ولذلك وصلت الأمور إلى طريق مسدود بينهم وبين أهل البلد، وقد تدخل سوريا في حالة قطيعة بين طرفين إثنين كلاهما لا يرضخ للآخر، فالسلطة تريد إسكات الشعب بأي شكل كان والشعب يريد إسقاط النظام مهما كلف الأمر، وما بين هذا الخيار وذاك لم يعد في الساحة خيار ثالث يكترث بالمصالحة المجتمعية والإصلاح السياسي وفق أسس جديدة من شأنها إيصال المركب السوري إلى بر الأمان.
وبخصوص القضية الكوردية التي تخص حاضر ومستقبل ثاني أكبر قومية في سوريا، فإنها قضية ملحة وينبغي أن تجد حلا سياسيا مصيريا لا محال، فشأنها شأن باقي الملفات السورية العالقة والمحتاجة إلى حلول توافقية ديمقراطية تلبي الطموحات وتنصف أصحابها.
أما الضرورة السورية الآنية، فتقتضي قبل كل شيئ الإحتكام إلى جادة الصواب الديمقراطي وإيقاف دوامة العنف والبدء فورا بحوار حقيقي بين كافة الأطراف وترسيخ التعددية والشراكة على طريق بناء دولة الدستور والحق والقانون، لكنّ إحتماء النظام بالعسكر ولجوئه لأسلوب عسكرة الحلول منذ بداية الإحتجاجت وحتى الحين قد يدحرج البلد إلى أنفاق مظلمة تقع مسؤوليتها على عاتق النظام وليس غيره، وقد تنساق سوريا حينها إلى اجتياز ممر إجباري عنوانه: لا خيار سوى تحريك الشارع كضرورة سياسية تفرض نفسها للدفاع عن حرية السوريين بكل أطيافهم.

30 ـ 4 ـ 2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…