حقائق ومشاهدات حول ما جرى في مؤتمر المعارضة في سميراميس

   إياد شربجي

في البداية

تابعت منذ البارحة التغطية الإعلامية التي رافقت وتلت انتهاء أعمال اللقاء التشاوري الأول للمعارضة السورية المستقلة، وبما أننا ننادي بالديمقراطية والحرية وهذا هو جوهر نضالنا، فسأسمح لنفسي أن أنتقد بعض التصرفات التي رافقت وتخللت هذا اللقاء، ويجب أن يتّسع صدركم لسماع ذلك طالما نتحدّث عن الحريّة.
في البداية اعتبر أن العديد من الأخطاء وقعت، لن أتحدّث هنا عن هفوات التنظيم فهذه نستطيع تبريرها وسط الزحام والضغط الرهيب الذي حصل من الصحفيين والمشاركين، لكنني سأشير إلى الأخطاء التي من شأنها أن تسيء فعلاً إلى مجمل الحراك الحاصل في البلاد، وسأقولها من باب المونة والنقد الداخلي، مؤمناً إيماناً مطلقاً أن العمل السياسي يتطلّب أن نحيد عن تفسير الأمور من وجهة نظر عاطفية، وأن نكون قاسين حين تتطلب القسوة تصحيح موقف أو مسار،
 وهذا لا يسيء برأيي للتوجه والنوايا…بل يقوّم أداءها، علماً ان ما سأقوله هنا ليس اختياراً، بل إننا دفعنا إليه دفعاً خلال الأيام الأخيرة بعد أن وجدنا أنفسنا في مكان الخصم للشارع، وقد كنا نظن ونمنّي أنفسنا بأننا خصوم للسلطة.

في الحقيقة سأقول ما أقول متألماً لأنني لم أتمنى أن أجد نفسي في هذا المكان يوماً، وأنا الذي انحزت انحيازاً كلياً لدماء ونضالات أخوتي في كل مكان في سورية، وهكذا كان جميع من شاركوا بمؤتمر المعارضة الذي نتحدث عنه.

لنبدأ من البيان القاسي الذي أصدره اتحاد التنسيقيات استباقاً لمؤتمرنا ، هذا البيان لم يكن موفقاً، وكم كنت أتمنى أن يكون معدّوه أكثر حكمة، سيما وأنه (على عكس البيان السابق الرائع) كان تعبوياً عاطفياً، يحاول الاستقواء والاستعطاف بمطلب الناس الداعي صراحة بإسقاط النظام، دون أن يتضمّن أي بعد سياسي وتصوّر للمرحلة التي تلي تحقيق هذا المطلب، أو إدراك لحساسية انعقاد المؤتمر في مكان محصور بوسط البلد، وتحت أنظار السلطة وظهرنا مكشوف لها ولشبيحتها، وما يتخلله ذلك من عجزنا عن استخدام بعض الكلمات التي يستطيع ابن الشارع قولها والاختفاء في الحارات الجانبية إن تطلب الأمر، بينما نحن لا نقدر على ذلك….أتحدّث عن البيان كونه أحدث بلبلة كبيرة حول المؤتمر، فنحن نعلم جميعاً أن التنسيقيات تحظى بتعاطفنا كونها تمثّل المتظاهرين الذين يدفعون الأثمان الغالية في الشارع، وهم من فتحوا لنا نافذة الحرية، وهذه حقيقة لا يمكن ولا يجوز إنكارها، لكن في الحين ذاته لا يجوز لهذه التنسيقيات أن تخوننا أو تدفع الناس إلى ذلك..!!، شخصياً كنت أتمنى أن ينتظر معدوا البيان انتهاء أعمال المؤتمر ليقولوا كلمتهم، وأن يقولوها لاحقاً كيفما يشاؤون ودون أن يظهروا المؤتمرين وكأنهم ألعوبة أو ورقة رخيصة بيد النظام يستخدمها الآن لتدمير الثورة.

لقد فات معدّي البيان أنهم استعدوا -من المفروض أن يكونوا- أعزّ أصدقاءهم وحُماتهم، وهم الرعيل الأول من المعارضين الذين دفعوا أثماناً باهظة من سنيّ حياتهم في المعتقلات والملاحقات والتعذيب عندما كنا نحن جميعاً ما نزال نصفق للسلطة بشكل أو بأخر، أشخاص مثل ميشيل كيلو و فايز سارة ولؤي حسين من المعيب حقاً أن يقال فيهم ما قيل سواء بشكل مباشر أو بسبب التحريض الذي تسبب به البيان، وذلك من اتهامات بالالتفاف على الثورة، والمتاجرة بدماء الشهداء، والتآمر مع النظام ضد الشعب….

استعداء أشخاص مثل هؤلاء خطأ فادح، وبالتأكيد فإن السلطات كانت سعيدة جداً وهي ترى المعارضة السورية تطعن بعضها على الملأ، وهو جوهر ما كانت تريده وتطمح إليه.

مصادرة المعارضة :

قرأنا جميعاُ ما كتبه حكم البابا (المقيم في دبي) استباقاً للمؤتمر، وتسميته له بمؤتمر بثينة شعبان، والبارحة جاء كلام المعارض الشاب محمد عبد الله من واشنطن ليدعم هذا الاتهام، ورغم أنني معجب حقاً بهذا الشاب وبتاريخ عائلته النضالي، ولا أشكك بنوياه واعتبر ما قاله من باب (الإنسان عدو ما يجهل) فإنني لم أفهم كيف يكون الناطق الإعلامي باسم تنسيقيات الداخل يتحدث من الخارج، ثم يأتي ويستكثر علينا مؤتمرنا الذي يعقد على مقربة من المظاهرات؟ أحياناً أشعر حقاً أن بعض معارضي الخارج يعارضون لأجل المعارضة فحسب، بمعنى أنهم عاجزون عن رؤية أي شيء جميل طالما لم يكونوا طرفاً فيه، هذا يستدعي السؤال: هل تحوّلت المعارضة إلى ماركة مسجلة بمعارضي الخارج وصارت حكراً عليهم؟ جواب هذا السؤال هو بحد ذاته أكبر طعن بمصداقية من يدّعي شرف المعارضة بهذه الطريقة، لؤي حسين (طلع شعر على لسانو) وهو يقول أن المجتمعين لا يمثلون إلا أنفسهم ومواقفهم الشخصية، ولا يدّعون لأنفسهم تمثيل الحراك الشعبي السوري، وقد كنا حقاً ننظر بتواضع وخجل وامتنان شديد تجاه الشارع الذي اعتبرنا جميعاً أن الفضل يعود له أولا وأخيراً في عقد مؤتمرنا هذا في قلب دمشق للمرة الأولى منذ أربعة عقود، نحن ننظر باحترام إلى الشارع وإلى أطياف المعارضة كافة، ومن حقنا أن نطلب الاحترام لأنفسنا، فنحن بشر من لحم ودم، والحراك حراكنا، ونحن نفعل ما نظن أنه يجب علينا فعله،….مسألة احترام الرأي هذه هي جوهر نضالنا كما قلت، وإلا سنكون وجهاً آخر للسلطة التي تخوّن وتكفّر كل من لا يشبهها، ولا أعتقد أن أحداً منا يريد أن يكون ذلك الشخص الإنفصامي.

تستطيعون النفي والتكذيب، لكنني أؤؤكد لكم أنني أعلم من التفاصيل (التي لا استطيع ذكرها هنا) ما يؤكّد بشكل ناجز أن المؤتمر لم يعقد بمباركة بثينة شعبان أو غيرها من أطراف السلطة، وللعلم فإن التحضير له بدأ قبل شهر ونصف من الآن، والقائمون عليه مشهود لهم من قبل أشهر معارضي الخارج كبرهان غليون، وهيثم مناع، وسمير العيطة وحتى محمد العبد الله نفسه، وقد أوضح منذر خدّام أن اللجنة التحضيرية لم تطلب موافقة لعقد المؤتمر، بل قامت باتباع اسلوب (الإخطار) فقط كي تتمكن من حجز مكان لعقده، علماً أن السلطات لم تعطِ هذه الموافقة إلا قبل أقل من 10 ساعات على موعد عقد المؤتمر، وهي لم تفعل ذلك إلا بعد تهديد اللجنة التنظيمية بإصدار بيان يفضح تمنّع السلطات عن عقد المؤتمر، ولعلمي وقربي من المنظمين أعرف أن السلطات السورية وافقت تحت الضغط بالدرجة الأولى، ثم لتستغل هذا الحدث بالدرجة الثانية، ولمن لا يعلم أيضاً فإن تمويل المؤتمر ذاتي، وقد ساهم المشاركون جميعاً وكل بحسب استطاعته بدفع الـ 58 ألف ليرة سورية أجرة الصالة التي عقد فيها المؤتمر، وقد تم هذا الأمر أمام أعين الجميع وبمشاركتهم.

بعيداً عن هذا وذاك، ألا يجب ان نعتقد أنه من النبل والجرأة أن يضحّي أكثر من 200 سوري بأمانهم الذاتي، ويخرجوا بأسمائهم الصريحة في قلب دمشق ليقولوا بأننا معارضون، وسط هذا الحشد من المخونين والشبيحة والرصاص الطائش، ووسائل الإعلام المنكّلة والمحرضة والمشوّهة للحقائق؟

استغلال المؤتمر 

تعرفون أن جميع المشاركين سوريون، ولأنهم كذلك، ولأنهم أولاد البلاد ويعرفون الصغيرة والكبيرة، فإن جميعهم يعرفون بالضرورة أن السلطات السورية ستسغل هذا الحدث وتجيّره لصالحها، لكن السؤال المطروح هنا، هل إن ذلك يستدعي أن يخرس المعارضون السوريون في الداخل ويبقوا مجرد متفرجين يراقبون انتفاضة الشارع وهي تحدث في حاراتهم ومدنهم وقراهم، بينما يسمعون العالم كله يتحدث بالشأن السوري؟، هل المطلوب منهم أن يبقوا متشرذمين متفرقين لا يجمعهم صوت أو موقف سوى ما يخرج به أحدهم بين الحين والآخر على الفضائيات ليوضع في مواجهة مؤلمة مع أشخاص من أمثال طالب ابراهيم وشريف شحادة..؟؟

ثم إن الشارع هو الذي كان يتهم المثقفين بالتخاذل، وعدم مواكبته لحراكهم، وليس من المنطق عندما يستيقظ هؤلاء ويجتمعون أخيراً أن يُجعل منهم مطية للسلطة.

على كل حال؛ إن استغلال السلطات للمؤتمر كان واضحاً منذ البداية، وقد هدف إلى أمرين:

1- استعداء المعارضين على بعضهم، وشقّ صفوفهم بين مؤيد لعقد المؤتمر ومعارض له بدعوى أنه عقد بموافقة السلطات، وقد شهدنا جميعاً كيف تمنّع عدد من المعارضين الشرفاء أمثال ياسين حاج صالح وعارف دليلة عن الحضور نتيجة تأثّرهم بمحيطهم الاجتماعي الرافض للقاء تحت هذا العذر.

2- التسويق لموقف السلطة محلياً وعالمياً على اعتبار أنها تسمح بعمل المعارضة في الداخل.

هذا أمر واقع، وتوصيف منطقي لما حدث، لكن ما أغفله المشككون هو طرح بديل يؤمن مساهمة معارضة الداخل في الأزمة السورية الراهنة، هل إن البديل المطروح أمامنا هو عقد مثل هذه المؤتمرات في الخارج؟ لقد شهدنا ما حدث في مؤتمري أنطالية وبروكسل، وكيف إن كثيراً من السوريين نظروا بعين الشك لهذين المؤتمرين واعتبروهما مشبوهين كونهما عقدا بمباركة قوى خارجية، ولنفترض أن البعض يفضّل عقد مؤتمرنا خارج سورية رغم ذلك، فمن يضمن لنا الخروج، ومن يضمن لنا العودة لاحقاً، آخذين بعين الاعتبار ان معظم المشاركين في المؤتمر هم من جيل الشباب الناشطين والملاحقين، والمعممة أسماؤهم على المنافذ الحدودية.

تحت هذه الظروف ليخبرني أحدكم ما هي الطريقة ليلتقي المعارضون ويعبروا عن أنفسهم، فإذا اجتمعوا في الخارج كانوا خونة، وإذا اجتمعوا في الداخل كانوا كذلك، هل من طريقة يخترعها أحدكم ويسعفنا بها لنجد طريقة لنلتقي؟.

بالمناسبة وعلى سيرة الاستغلال….حتى أمريكا استغلّتنا وقالت إنها تدعم مؤتمرنا رغم أننا قلنا في بياننا أننا نرفض أي دعم خارجي مهما كان، ولا تستغربوا أن تخرج غداً حشرات من أمثال زهير الصديق وعبد الحليم خدام ورفعت الأسد ليصطادوا صيدهم فينا هم أيضاً، توقعوا كل شيء، العالم مفتوح ومكشوف لكم جميعاً، وبعد 40 سنة من الفكر الأحادي سنقضي بعض الوقت قبل أن تصفو أذهاننا ونصير قادرين على التمييز، هذه ضريبة علينا دفعها قبل أن نصبح أحراراً، نظرية الشك هذه زرعتها السلطة في رؤوسنا، بالطبع ليس من منطلق فلسفي كما يتمنى أرسطو، بل من منطلق تحطيمي كما يتمنى ويرغب ويعمل على ذلك أي نظام قمعي يطمح لتحويل شعبه إلى ببغاوات ترطن بكلام مكرور ابتدعته مخيلة ضابط في المخابرات.

التشويه الإعلامي

ضمن سياق الاستغلال ذاته، أعتقد أنكم جميعاً بتّم تعرفون (مصداقية) الإعلام السوري واختراعاته وألاعيبه، وسأحدثكم تالياً ببعض مشاهداتي، فإذا أصرّيتم على تصديق روايات الاعلام السوري (المؤيد) للاجتماع فهذا شأنكم حينها.

– الفضائية السورية تقول في شريطها الإخباري قبل يوم من عقد المؤتمر”معارضو الخارج يتّهمون المشاركين باللقاء التشاوري غداً في دمشق بالالتفاف على نضالات الشعب السوري والمتاجرة بدمائه” هكذا ببساطة قدم بعض معارضوا الخارج هذه الهدية المجانية للسلطات لتشق صفوفنا بها .

– الإعلام السوري يحاول الخلط على المشاهدين ويدعي بأن مؤتمرنا سينبثق عنه المعارضون الذين سيحضرون مؤتمر الحوار الذي دعى اليه الشرع في مطلع الشهر القادم، ورغم أننا نفينا ذلك عشرات المرات إلا أن كثيرين انطلت عليهم الحيلة، وبدؤوا يتهموننا بمحاورة القتلة والمتاجرة بدماء السوريين، ورمي طوق النجاة للسلطة، والإطالة بعمرها، لقد سمعنا هذا الكلام للأسف قبل المؤتمر وبعده.

– الاخبارية السورية وقناة الدنيا تأتيان إلى المؤتمر، ورغم رفض معظم الحضور التحدث إليهما إلا أنهما قامتا باختلاق العديد من المسرحيات، منها استقدامهما لأناس غير مدعوّين للمؤتمر للحديث باسمه كنبيل صالح رئيس تحرير موقع الجمل الالكتروني، والفنان عباس النوري الذي استغربنا جميعاً حضوره وهو الذي طعن بالمعارضين والمتظاهرين غير مرّة.

– الإخبارية السورية تبث الخبر الهام ” ميشيل كيلو: نطالب ببقاء الجيش في المناطق الساخنة” حقيقة هذا الخبر أن كيلو وفي متن المداخلة التي ألقاها قال بالحرف الواحد “يجب سحب الأجهزة الأمنية من المدن الآن والسماح بالتظاهر بأمان، وإذا كانت السلطات تدعي أنها تخاف انفلات الأمن في هذه المناطق، فلتبق على الجيش وبشكل مرحلي، بشرط أن لا يستخدم السلاح تحت أي مبرر، فهذا جيش الوطن وليس جيش السلطة” لكن الخبر الذي نشرته الاخبارية “ميشيل كيلو : نطالب…” ..!!

– قناة الدنيا تتمكن من قنص لقاء من الدكتور شوقي بغدادي، ويستغل بغدادي الفرصة ويبدأ بكيل الاتهامات للإعلام السوري واتهامه بالكذب والتدجيل والتلفيق والتحريض على المتظاهرين، فتلتف المذيعة عليه بالسؤال “علمنا أن اجتماعكم هذا جاء تلبية لدعوة القيادة السورية للحوار” فيجيب بغدادي بالنفي، تعيد المذيعة طرح السؤال بأكثر من طريقة (تريد اقتناص كلمتين فقط من أحد المشاركين بعد ان عجزت من ذلك) لكن بغدادي لم تنطل عليه الحيلة، في النهاية تنزعج المذيعة وتنهي اللقاء بطريقة غير مهذبة، ولم يبث اللقاء بالطبع

– مذيع الفضائية السورية عنصر مخابرات، وهذا ليس توقعاً، فقد شاهدت الأمر بعيني، كان يحمل ورقة معنونة به (الأسئلة المطروحة على المعارضة) ويسأل منها، وكل بضعة دقائق يدلف إلى زاوية بعيدة ليتصل على الموبايل ويقول (طلع واحد منن إسألو؟…..سكّروا الباب وما خلونا نفوت….

في واحد كان عم يحكي مع قناة أجنبية بالإنكليزي) كل هذه الجمل سمعتها بأذني.

– مظاهرة مؤيدة في الخارج تصرخ وتنادي بأعلى صوتها “أبو حافظ…أبو حافظ” والكثير من العبارات الأخرى (ثمة من كان يقدّم لهم الشاي)… يحاولون الاقتراب من الفندق، كاميرات التلفزة العالمية تتأهب لتصوير المواجهة، شرطة المرور تضطرب، يبدؤون الاتصال، تصل سيارة شرطة بسرعة وينزل منها عناصر، ويتقدّمون من المتظاهرين ويرجعونهم للوراء….

بلبلة، الشرطة يزداد اضطرابها وهي ترى الكاميرات مسلّطة نحوها، لكنها تعجز عن التصرف، تتفرق المظاهرة، فتعود الأمور لطبيعتها

– نبيل صالح يريد الدخول لقاعة المؤتمر فيمنعه المنظمون لأنه غير مدعو، في هذه اللحظة أصل أنا وأدخل بعد أن تم التأكد من وجود اسمي في القائمة، يصرخ نبيل صالح وهو يشير إليّ باستهزار ” هلأ هاد اعلامي وكاتب ..وأنا الخرة” تحدث بلبلة، أخيراً يقررون إدخاله، يدخل، أتقدّم من نبيل واقول له بكل تهذيب “نبيل أنا شو دخلني…مشكلتك معهن ليش لتدخلني بهالقصة” فيجيب بنفس لهجته اللئيمة الساخرة “يعني فعلاً مو زابطة…أنت تفوت وأنا لأ” أقبله من خده وأعود إلى مقعدي.

– أجلس، إلى جانبي الصحفية ريما فليحان والفنانة لويز عبد الكريم والكاتب فؤاد حميرة والصحفية سعاد جرّوس، إلى جانبنا تجلس صحفية لا أعرفها، يتبين أنها غير مدعوة لاحقاً، تسمع حديثنا، لا يعجبها، فجأة (تنط) لتقول “أنا بيتي جنب جامع الحسن بالميدان، شوف عيني شفت المتظاهرين وهنن عميطلعوا رشاشات من قلب الجامع” يستفزّنا الموضوع، نبدأ بالرد، سعاد جرّوس تشير لنا أن ننهي الحديث لأنها تهدف إلى إحداث البلبلة، فنسكت.

– أخرج لأكلّم لؤي حسين ببعض التفاصيل، تتقدم فتاة منّا وتتحدث إلى لؤي، وتستفزه بكلام وقح وغير مبرر، لؤي يسألها من أنت، تقول إنها صحفية، يطلب منها ابراز هويتها الصحفية فتصرخ الفتاة بأعلى صوتها وهي تبكي: (ضربني…ضربني…هلأ هلأ بدي الأمن…هلأ هلأ)، الجميع يستغرب الموقف، كنت واقفاً ورأيت كل شي، تحدث بلبلة في القاعة، الكاميرات تركض للمكان، لكن معن عبد السلام (أحد المنظمين) يدرك هدف هذه الفتاة، فيسرع ليغلق الأبواب ليمنع دخول الإعلام، ويتم أخذ لؤي حسين جانباً حتى لا يصطدم بها، الفتاة ما تزال تصرخ، إحداهنّ تأخذها جانباً وتطيّب خاطرها، في هذه اللحظة خرجت فسمعت أحدهم يقول للصحفيين المتأهبين “عميضربوها…عميضربوها”

والكثير والكثير من هذه المشاهدات والمواقف التي حصلت ولا أستطيع نقلها لكم.


أخيراً، وبعد هذه الإطالة والشرح واللت الذي لم أكن أشأ الخوض فيه، دعونا الآن يا أخوتي نفتح عقولنا، فما حدث في مؤتمرنا ممتاز إن لم يكن على الصعيد الواقعي، فعلى الصعيد النفسي على الأقل، ثم إننا وجهنا صفعتنا التي نريد، وأكبر دليل سخرية الاعلام الرسمي وتشكيكه بنا بعد صدمته بالبيان، رغم انه كان (يدافع) عنا قبل يوم من ذلك، عليكم أن تقرؤوا ما بين السطور، وتدركوا أن ما يجري هو صراع إرادة، وأن العضلات تنفع في مكان وتخيب في آخر، العقل السياسي يجب ان يكون حاضراً، هذا ما أردنا فعله، هنا شعرنا أن دورنا يجب أن يكون.

بالنسبة لي ضميري مرتاح للغاية رغم كل ما قيل، وأظن أننا وضعنا لبنة لتشريع الحراك المعارض الداخلي الفعال، كنا نجتمع وأنتم في عيوننا، ولن أنسى دموع من بكى غبطة عندما عزف النشيد السوري، ولن أنسى كيف صرخ الجميع اعتراضاً على ورود كلمة احتجاجات في متن مسودة البيان فاستبدلوها بـ(انتفاضة)…لن أنسى كيف مرت الساعات الثماني تلك، والساعة الأخيرة التي بقي فيها الحضور واقفين متأهّبين ينتظرون اعداد مسودة البيان ولم يتملّص أو يغادر فيها أحد، لن أنسى كيف طالب أحدهم أن نخرج بمظاهرة بعد صدور البيان…سورية كانت موجودة في عيون كل منهم، عندما كانت تمر كلمة شهداء كنا نصمت خشوعاً، كنا ندافع عن ابن الشارع، ونستحي على جبننا أمام بطولته، أحدهم قال “صرماية متظاهر أهمّ منا كلنا” لم يستنكر أحدهم الموضوع…بل باركوا الوصف عن قناعة وقالوا مؤكدين”اي والله”، كنا سعداء يا أصدقائي، ومؤمنون وما نزال بأن سورية ستكون أجمل، اعتقدنا أننا نجتمع من موقع قوة هذه المرة، ولم نخف كما دأبنا خلال السنوات الماضية….شكراً لأنكم منحتمونا القوة، ودعونا أخوتي نعمل للمرحلة القادمة…..في النهاية نحن منكم، وأنتم منا، استمروا فأنتم السبّاقون، ونحن من ورائكم نحمي ظهوركم…بهذه العقلية نحن ننظر إليكم، فانظروا إلينا بنفس الطريقة…..نرجوكم

عن مدونة اياد شربجي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…