الأزمات تفرز رجالاتها

عبد الرحمن آلوجي

حينما تعصف الأزمات بالأمم إثر تراكمات تنبئ بالثورة فإن ذلك يشكل صقالا وتهذيبا لمعادن الرجال, حيث تجد في القمة رجالا أشبه بالنسور يتصدون للعاصفة بصدور عارية, وقلوب نابضة بالحياة, وعقول حية تستنبط المعايير  وتؤسس للمرحلة وتنخرط في أتونها, غير مبالية إلا بالأفق المشرق من خلال حمم النار, ودفقة الدماء وآلاف القرابين والتضحيات, في حين تجد في الحضيض من تهاوى مهيض الجناح, خائر القوى بين الحفر.
وقد اخترنا منذ البدء أن نتوجه بالسفينة عبر العباب المتلاطم نحو اختراقه, لتوجيه الدفة إلى بوصلة الأمان, دون أن يعني ذلك إلا اليقين بأن قدر الشعب يتجلى في إرادته, إرادة أبنائه وهم يقتحمون بدافع حقيقي كل المعوقات,وينشدون الكرامة والخبز والانعتاق من براثن الحاجة واللعنات العنصرية والكراهية فكان الاختيار الأصعب في الزمن الصعب انخراطاً في عمق الاحتجاج في سوريا, دون أن يعني ذلك ارتيادا لمجهول أو مغامرة يصعب لجمها, لأن إرادة الجماهير من قدرها المحتوم, ذلك القدر الذي لا يمكن إلا أن يرتسم في الأفق نصرا مؤزرا ولو بعد حين.
ولا يمكن لأية لغة أن تعبر عن مضامين الانعتاق إلا لغة الواقع, دون إسفاف أو مبالغة فحركة الحياة تنسجم في تصاعدها مع ترجمة الثورة إلى واقع معاش يتجلى في فتية أدركوا قيمة الحضارة الإنسانية, وسبقوا المعارضة التقليدية أميالا وفهموا ملامح المجتمع السوري ومكوناته وأطيافه الزاهية, وهي تتناغم بطاقاتها وفنانيها وشعرائها, وتركيبتها الاجتماعية وفعالياتها لتألف نسيجا محكما يستعصي على التفكك والانهيار, الذي اختاره البعض ليكون مركبا سهلا ومن خلال أبواق هزيلة دون أن يحدد طرفا بعينهأأ.
إن رؤية للواقع ونظرة متفائلة إلى المستقبل تحتم الأمل, وتعقد الأماني على سواعد رجال آمنوا بالحياة وأدركوا أن الهرولة إلى المجهول والتردد في اتخاذ الموقف, والانكسار أمام الترهيب, لا يمكن إلا أن يكون هروبا أمام استحقاق الامتحان في مواجهة قيم الحياة وهي تستند إلى تراث عريق في الاستعداد للتضحية لرسم ملامح غد مشرق.

وصحّ المثل: ” إن في الرجال معادن تغذيها التجارب فتجلو وتشرق مع اشتداد الخطوب وترقى وتنبل وهي تخوض أعقد المحن وأشدها بأساً “.

ليخرج هؤلاء في الامتحان أفرادا وأحزابا وجماعات, تتميز في الرهان الأخير, وتقطع مضمار السباق إلى الهدف الأرقى والغاية الأنبل, وتلك هي الدروس الكبرى من الانتفاضة المجيدة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…