الغاء المادة الثامنة من الدستور السوري.. سراب

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة العراقية
 
 المادة الثامنة في الدستور السوري التي تؤكد قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع حتى لو الغيت الآن بفعل الضغط الداخلي والدولي والثورة التي قصمت ظهر النظام، فانها ستعود بعد ان تهدأ الحال وتعود المياه الى جريانها الطبيعي، نعم انها ستخرج من الباب لتدخل من الشباك وان على اقساط.

   هذا ليس فأل شؤم وانما هو حصاد القراءة الدقيقة لحزب منذ التأسيس كحزب انقلاب تكتلي عصبوي عنيف وقومي متشنج ومتطرف حد العنجهية والشوفينية.

فهو حزب لا يتعايش مع الآخرين ويدعي احتكار الحقيقة ويمثل الاشتراكية القومية البعيدة كل البعد عن الاصول الاشتراكية الحقيقية ناهيك عن الديمقراطية.

والوحدة والحرية والاشتراكية التي يتلبس بها مجرد شعارات يخفي خلفها تكتيكاته وسياساته التي يفرضها بقوة الحديد والنار، وهي وحدة لم يحققها هذا الحزب لا في العراق ولا في سوريا وبقيت اغنية يغرد بها الناس على مر عقود من الزمن.

والوحدة الاندماجية الانصهارية التي يرفع شعاراتها لن تتحقق اصلا في هذا الزمن الذي تشكل الديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني عنوانه المحوري واذا اضفنا حقوق الملل والاعراق والشعوب التي تعيش مع الشعب العربي في بلدانه المختلفة فان الوحدة على طريقة حزب البعث تبدو ابعد كثيرا من الحلم والخيال.

ففي السودان انفصل الجنوب بدولته المستقلة وفي العراق ومنذ عام 1991 يعيش الكورد في اقليم فيدرالي قوي ومتطور ومطمئن على حقوقه، وفي دول المغرب العربي انتعشت الامازيغية بقوة واصبحت لغة الامازيغ اللغة الثانية الرسمية بموجب آخر التعديلات على دستور المغرب.

اذن سلة الحقوق وحرية الانسان والمستوى المعيشي هي الاولوية وليست شعارات الوحدة الكاذبة والبراقة.
   اما الحرية التي يدعيها حزب البعث اينما كان فأن تجربة العراقيين معه على مدى (35) عاماً أثبتت ان قاموس هذا الحزب يكره القيمة الانسانية أشد الكره ويحتقرها لذلك حول العراق الى اكبر سجن للحرية وأكبر مقبرة جماعية في العالم.
   وماحدث لشعب كوردستان العراق من ترحيل وتبعيث وتعريب وخراب وتدمير نتيجة عمليات الأنفال المشؤومة والسلاح الكيمياوي المدمر وسياسة الأرض المحروقة وما الى ذلك من العناوين الكارثية وضعت حزب البعث في خانة اكثر الاحزاب انتهاكاً للاعلان العالمي لحقوق الانسان.
وقبل ايام اعلنت الجهات المعنية في العراق عن المنح المالية وحزمة الحقوق التي وفرتها لضحايا النظام البعثي عن المبتورة ايديهم او المقطوعة صوان آذانهم او التي الحق بهم النظام عقوبات سبق ان طبقت في القرون الوسطى.

فالبعث في العراق وفي سوريا لم يترك وسيلة تعذيب جسدي او نفسي الا وطبقها لاهانة إنسانية الانسان وسحقه وتمزيق كرامته.

لذلك فحرية حزب البعث سراب ورماد يذره في عيون الآخرين.

ومن يصدق ان حزب البعث اشتراكي كمن يصدق ان الشمس يمكن ان تغرب من الشرق وتشرق من الغرب.

ففي العراق كانت اشتراكية حروباً كارثية متواصلة في الداخل والخارج ليصبح العراق الغني قليل السيادة وميزانيته فارغة وأرضه خراب وشعبه لايكاد يعثر على كسرة خبز حتى كان القرار الدولي الانساني عام 1995 الذي أقر مبدأ (النفط مقابل الغذاء) لمنع تداعيات الحصار على الشعب العراقي وضمان قوته ودوائه لغاية 2003 حيث سقط الصنم وانتهى حزب البعث ودكتاتورية صدام الى الابد.
  
   ولو بقي النظام آنذاك لما تنازل عن تعنته وعن ادعائه بأن ملايين العراق أعضاء فيه، مثلما يدعي النظام السوري ان له (3) مليون عضو.

  إن تجربتنا مع النظام العراقي تقول ان نظيره في سوريا لن يركع الا مؤقتاً ولن يتنازل الا ضحكاً على الذقون، ولن ينوع مائدة الحقوق الا لكي يسمم الآخرين بما عليها من زاد لاحقاً.

لذلك فلا صدقية له مثلما ان الصدقية والثقة مفقودة بين الذئب والحمل الوديع.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…