فما أحوج الكرد إلى أمثالهم الآن لعل وعسى أن يستلهموا من سيرة أعمالهم بعض من روح الشجاعة والتضحية وقوة الشكيمة والحكمة وهم يعيشون الآن الأزمة التنظيمية والقيادة وغياب الرؤية والإرادة السياسية والتخبط في العمل والاضطراب في حسن التدبير .
فالذي قادنا إلى التذكير بتاريخ مضى بالرغم من عدم جني ثماره إذا ما فكرنا بمنطق التاجر ومفهوم الربح والخسارة ولكنه مشرق وغني بمدلولاته ومعانيه وقوته المعنوية وفخر لكل كردي أصيل .؟
لذا ترى الجميع مرتبك ومنشغل في خلق الأعذار والتبريرات الهروب من استحقاقات المرحلة .
فبعد أكثر من ستة أشهر من الحراك الدموي والعنيف في الشارع السوري ما زال هذا يرمي بأوساخه وعجزه على ذاك وهكذا وكأنه قد حل المشكلة ويخفي نفسه وراء إصبعه ولغاية تاريخه فإن السياسة الكردية ليست بمعارضة ولا هي مولاة ولم تخرج من الإطارات النظرية والنقاشات الخاوية والتحالفات الهشة والتكتيكية والمناورات المشبوهة دون الاقتران بعمل ذو قيمة على الأرض.
وربما قد سلم الكثيرون أمرهم للقدر واختاروا المذلة والخشية ما سوف تخبئه لنا الأيام القادمة من مفاجئات.
هذا الوضع يذكرنا بمحطات شبيهة إلى حد ما من التاريخ الكردي المعاصر ارتأينا إحيائها في صفحة منه يفضل التمعن في قراءتها لا السطحية والاقتران بما يجري الآن*:
الزمان 1 شباط عام 1925 ..المكان جبل ﭽاني Çiyayê Çanê الذي يقع شمال غرب ﭽﺒﻘﭽوﺭ Çebeqçûr على الضفة الشمالية لنهر الفرات في شمال غرب موش في منطقة عشائر زازا zazaفي قرية شيخان ..والمناسبة هو عقد مؤتمر لتنظيم أرزروم والاستعداد للثورة ..
وقد حضر الاجتماع أعضاء التنظيم من المثقفين والسياسيين وقادات الميليشيات الكردية ورؤساء العشائر وعدد من رجال الدين الوطنيين وبلغ عدد الحضور حوالي /300/ شخصية من مختلف الفئات والنخب الكردية وبكل شرائحها الاجتماعية واستمرت أعمال ذلك المؤتمر ثلاثة أيام بلياليها .لقد ظهر في المؤتمر عدد من الآراء المختلفة والمتناقضة خلال النقاشات الحادة حيث دعا البعض إلى الحوار مع حكومة كمال أتاتورك والسلطات المحلية كلاً في منطقته حتى تزال الظنون والشكوك حول نية حركة التنظيم حتى الصيف القادم كون فصل الشتاء في كردستان قاس وبارد جداً والحركة والتنقل صعب للغاية وكذلك حتى لا تقوم القوات التركية لاستدعاء المزيد من الجنود من أناضول إلى المناطق التي تسيطر عليها قادة الميليشيات وفي ذلك المؤتمر كان الشيخ سعيد بيران حاضراً وهو يستمع إلى أقوال الحاضرين ولم يكن عضواً أساسياً في تنظيم أرزروم بل كان عضوا فخرياً فيه وبعد الجدال والخلاف وجد أن المؤتمر على وشك التفريق والفشل (كما هي مناقشات مجالسنا الآن ) فقام من مكانه كالليث وتحدث بصوت جهوري ورجولي ونبرة ثوري شاب وقال:” أخوتي من رؤساء الميليشيات المقاتلة وزعماء العشائر والسادة الحضور لقد أظهرتم التراخي والتقاعس في كلماتكم وأبديتم الخوف عما أنتم مقبلون عليه وخيبتم الآمال وزادت الظنون على الثقة فيكم وأنتم تعلمون بعد أن عرف الأتراك نوايانا وما سوف نحن مقدمون عليه فتحاولون خداع أنفسكم ولن تستطيعوا إقناع الأتراك بالأسلوب الذي تفكرون به وكمن يحجب الشمس بالغربال لإخفاء حقيقته فإذا سلمنا أمرنا لكم بهذه السياسة المترددة التي يفكر بها البعض منكم سوف يقدم الأتراك إلى ارتكاب المجازر وسيهتكون أعراضكم وشرفكم كما فعلوا بالأرمن وسوف يبقرون بطون صغاركم بحراب البنادق وكيف لكم أن تتهربوا من هذه اللحظة التاريخية ونحن محظوظون أن ننال هذا الشرف بالدفاع عن حقوقنا وبعد أن أعدم رئيس تنظيمكم الجنرال خالد بك جبري Xalid begê cibirî الذي لم يجف دماءه بعد ونائبه يوسف زيا Y.zîyaألا تخجلون ..؟ وتخافون من هؤلاء المغول الذين أباحوا كل شيء في بلادنا ويفعلون ما يحلو لهم و في عقر داركم فإذا ما تراجعنا عن أهدافنا ودعوتنا فماذا نقول لشعبنا وكيف نرد على أسئلة التاريخ غداً بالرغم أن الشجاعة والبطولة والقتال من خصائصكم.لقد حاربتم أربعة سنوات ضد الجيوش القيصرية في الحرب العالمية الأولى بدون قضية سياسية وهدف ولكن لماذا الآن لا تستطيعون الدفاع عن شرفكم وأنا الآن بينكم رجلاً كبيراً طاعنا في السن تجاوزت السبعين عاماً وفي يدي مسابح وعلى رأسي عمامة رجل دين وأنا الآن أضحي بكل هذا وما عندي من مال وأولاد على طريق خلاص شعبي وها أرمي الآن مسابحي في يدي (سأضع التكية جانباً الآن) وهاتوا بندقية وذخيرة ألف بها جسدي النحيل “وعقب كلامه ألقى عليهم أبيات من أشعار الشاعر الكبير أحمد خانيE.xanê قائلاً :
ـ الأفضل لنا أن نركب الخيل ومعنا السلاح والعتاد (الأحمال) ..
ـ بدون الحرب والجدال والمغامرة لا تتصوروا انجاز هذا العمل..
ـ أعدوا الشباب وزينوا الخيول والسيوف مشرعة..
ـ لوحوا بالگرز(دبوس)gurz وعلوا الرماح..
ـ هذا هو ظرز (أسلوب) ممو واطلبوا من الأمير.
.ـ إذا أبقيتم على عنادكم وإصراركم سوف نصل بعملنا إلى مرتبة الجهاد ..
ـ وسوف تقوم بوتان بإعداد حلقات الرقص والدبكة
ـ لتأتين الجميلات والحلوات لمشاهدتنا(ذوات الكلام الحلو) ……..إلخ