إلى أين تتجه ســـــوريا

أحمد قاسم

     على ضوء التهديدات الصادرة من المسؤولين السوريين ، وآخرها جائت على لسان بشار الأسد رئيس الجمهورية في مقابلة له مع صندي تلغراف البريطانية تحمل في مضامينها كثيراً من التأويلات الخطيرة، أعتقد أن أحلاها علقماً على مذاق الشعب السوري وكابوساً على المرحلة القادمة من ثورته (السلمية).

لقد أكد رئيس الأسد أنه ماض في خياراته الأمنية إلى النهاية، وأن لا إصلاح إلا بعد استسلام المتظاهرين والكف عن الاحتجاجات، ولن يكون هناك سحب للجيش والقوات الأمنية من الشوارع قبل القضاء على المعارضة (الذين اتهمتهم السلطة بالمتآمرين على الدولة).
     لقد كان الرئيس واضحاً في توصيفاته للحالة السورية وطريقة معالجتها، على أن سوريا ليست كتونس وليبيا ومصر، وأن معالجة ألأزمة السورية لاتعرفها إلا السوريون أنفسهم، وأي تدخل خارجي ستشعل المنطقة باسرها وستشكل زلزالاً في العالم.

تأتي تلك التسريحات في اعقاب اللقاء مع المجلس الوزاري العربي من الجامعة العربية التي كلفت لمناقشة الأزمة السورية مع المسؤولين السوريين لإيجاد حلول تؤدي إلى وقف العنف وسفك الدماء، حيث كان اللقاء في يوم الأربعاء 27102011 مع الرئيس الأسد في دمشق، وقررت المتابعة في 30102011 في الدوحة.

حيث جاءت تلك التهديدات من خلال تلك الصحيفة بين موعدي اللقاء ما بين وفد الجامعة العربية والمسؤولين السوريين.

وفي ذات الوقت اجرت احدى القنوات التلفزيونية الروسية لقاءً مع الأسد ليكرر تهديداته للعالم معتمداً في ذلك على الدور الروسي والصيني واستمرارية دعمهما له ولمواقفه ضد المخططات الأمريكية في المنطقة حسب زعم الرئيس.

     هنا من حقنا أن نتساءل: إلى أين ستتجه سوريا وفقاً للمعطيات الملموسة والعائمة على السطح؟ في الوقت الذي يرفض النظام سماع صوت الشعب المتظاهر والذي يأبى الرجوع نحو الخلف، متصدياً كل آلات القمع والقتل والاعتقال التي سوف لن يتخلى النظام عن استعمالها في مواجهة المحتجين السلميين.

في حين ، أن الآلاف من عناصر الجيش ينشقون من وحداتهم العسكرية احتجاجاً لممارسات النظام وينضمون إلى ما يسمى بجيش السوري الحر مع أسلحتهم لمقاومة القمع ومواجهة شبيحة النظام التي ترتكب الفظائع من الجرائم.

على ضوء ذلك وكأن أرضية ما يسمى بالحرب الداخلية تتكون من خلال الإقتتال بين خلايا من المنشقين والقوات النظامية التي تخضع لأوامر النظام في المناطق الساخنة من البلاد، مما سيؤدي في النهاية إلى امتلاك الثورة للسلاح من أجل الدفاع عن النفس في ظل غياب القرار الدولي لوقف العنف المستمر من قبل السلطة.

وأعتقد جازماً بأن السلطة نفسها تدفع الأمور بتلك الاتجاه وتعتقد بأن الحرب الداخلية أهون من سقوطها.
     الآن تلعب إيران دوراً محورياً في المنطقة لإنقاذ النظام السوري، وذلك مع تركيا وقطر وعمان ، بالإضافة مع السعودية وبشكل غير مباشر، إلى جانب التأكيد على بقاء الصين وروسيا على موقفيهما المعارضتين للتدخل الخارجي لتضمين المجتمع الدولي من عدم امكانية اتخاذ قرار دولي ضد النظام السوري، وكذلك تفتيت الموقف العربي لصالح بقاء النظام، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى العمل على إقناع المعارضة للتحاور مع النظام لعقد صفقة قد تكون ضمانة لبقاء النظام مع إجراء بعض الإصلاحات الديمقراطية من خلال مشاركة المعارضة في تشكيل المؤسسات التنفيذية والتشريعية ، وإجراء بعض التعديلات في العديد من بنود الدستور، حيث أشركت تركيا أيضاً للعب هذا الدور.

إلا أن ومن سوء حظ النظام ، إن المعارضة السورية لا تمتلك أوراق التفاوض بشكل مطلق، وأن قرار الحسم بيد الشارع المنتفض، وأن المعارضة السياسية تشكلت من دون أن تمتلك القرار وهي بمثابة صدى لصوت الثورة في الخارج، وأن اية مساومة على أهداف الثورة ستسقط المعارضة من خلال تظاهرة واحدة، وهذا ما تحرج النظام وأطراف من المعارضة على حد سواء.

وبناءً عليه نستطيع القول أن دائرة القرار للثورة محكمة لا يمكن اختراقها، لذلك يبقى لدينا احتمال واحد وهو إما رحيل النظام أو رحيل الشعب.
      وسط هذا المشهد التراجيدي، لا يبقى خيارات أمام الثورة إلا الاستمرار في تقديم الضحايا يومياً لاستنزاف قوة وإرادة النظام على البقاء، ومن ثم إجبار المجتمع الدولي للقيام بمهامه الأخلاقية من خلال تحريك الشارع العربي والإقليمي والدولي، ووضع الشعوب أمام مسؤولياتهم الإنسانية للضغط على أنظمتهم “التي لا تعرف إلا مصالحهم الذاتية” للتحرك نحو مساندة الشعب السوري وإنقاذه من الموت.

وإلا سنرى مشهداً قد يحمده أحد عندما يفقد صبر الشعب ويقرر استملاك السلاح للدفاع عن النفس ، هنا سوف لن يبقى احتكام للعقل وستكون الغريزة هي القيادة للعمليات الميدانية، وستندم البشرية بعد ان تفوت علينا لحظة الندم ونقف على أنقاض تركتها غريزة البقاء على السلطة و لم يبقى للندم نفع إلا حفر المزيد من الجراح والأسى لمى ستؤول إليه الأحوال.
     أعتقد أن سوريا أمام إمتحان كبير، والشعب لم يبقى لديه الكثير من الخيارات، أحلاهما مرٌ، لكن المسؤولية كبيرة جداً امام غطرسة هذا النظام الذي يأبى أن يسمع من أحد، كلمة حق أو نصح أو حتى إيجاد مخرج، وهو الوحيد الذي بيده القرار، إما إنقاذ سوريا بشعبه أو تدمير سوريا مع حتمية سقوطه( أي سقوط النظام).

لا أعلم من يستطيع إقناع بشار الأسد لأن يحتكم العقل وينقذ نفسه من دائرة المصفقين له كالنعاج( ومن يصفونه بانه قليل عليه أن يحكم العرب، الأجدر بك أن تحكم العالم على فهمك للقيادة الحكيمة يا سيادة الرئيس… ويصفق مجلس الشعب للمهزلة).

أعتقد أن هؤلاء من غشى على عيونهم مصلحتهم الذاتية ، والفرصة السانحة للفساد والإفساد في هذا البلد، لا يمتلكون إرادة التخلي عن تلك الإباحية في النهب والسرقة والغطرسة على إرادة وكرامات الشعب، هذه هي الكارثة بعينها، وسيدفع الشعب ثمناً باهظاً لإزالتها.

حيث إنني لا أستثني الكرد وغيرهم من الإثنيات والطوائف، عندما أقول الشعب، يعني الشعب السوري بكل مكوناته الإثنية والدينية والطائفية.

واستثني فقط الفئة الحاكمة من كلمة الشعب.

لأن الحاكم فصل نفسه عن شعبه عندما استباح دماء الشعب من أجل بقائه على رأس السلطة.

ويهدد العالم كله بفعل المقاومة التي هو جزء منها ،ليتحول من تحرير الأرض إلى زرع الإرهاب في العالم .

حيث أن التاريخ يؤكد : أن من يبحث عن الحرية ، لايدفع الناس إلى إشعال الحروب، ويضحي بنفسه من أجل سعادة الآخرين.

فقط هم الذين يحاولون التلذذ بدماء الآخرين من أجل توسيع رقعة حكمهم على حساب معانات شعب بأكمله ،يشعل الحروب ويرتكب المجازر خوفاً من سقوطه.
        
  كاتب وسياسي كردي سوري
    31102011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…