القيادات الكردية شبيهة بوعاظ السّلاطين (1)

صبري رسول

من المصائب الكبرى في التاريخ ابتلاء شعب مظلوم بقيادة جاهلة، انتهازية، متشبّثة بكرسي المصالح حتى الموت، وترى نفسها المركز والمحور، والشعب يدور حولها، ويبدو أن نصيب شعوبنا من هذه الآفة أكبر من أي شعبٍ آخر.

والكرد وللأسف نالوا نصيبهم من أذى هؤلاء القادة، بدءاً من قادة بلدانهم ، المسؤولين عن مصائرهم، الذين ألحقوا بهم الفقر، والسّجن، والإلغاء، والتشرّد، والقتل، وكلّ ما يخطر على البال من أنواع الظّلم، وانتهاءً بمزاجية قياداتهم الحزبية ومراوغاتهم بما يتوافق مع مصالحهم، وانتهازيتهم التي وصلت إلى مستوى العبث بمصير شعبهم عن قصدٍ أو جهل.

إنَّه قدرُ الجغرافيا والتاريخ، وسيطرة أمم أخرى عليه لاستغلال قدراتهم المادية والبشرية، وقدر اعتلاء الجهل والجهلاء على مصائرهم.
وهؤلاء القيادات يشبهون إلى حدّ التطابق ملالي الدين، الجهلاء، الذين يحلِّلون الحرامَ، ويحرِّمون الحلالَ، عن جهلٍ بأحكام الدين، أو بحثاً عن مصلحتهم الفردية، ويكفّرون مَنْ يرى بمركزية الشّمس وثباتها، ودوران الأرض حولها.

وهذا ما حصل قبل بضعة أيام في مجلس عزاء في إحدى قرى ديرك (أستميح عذراً بهذا السّرد)، حيث نفخ الإمام ريشه، وحارب هذه الفكرة، وأتى بكتبه إلى مجلس العزاء ليُثْبِتَ أنّ الأرضَ ثابتةٌ والشمسُ تدورُ حولها، دعماً لرؤية المرحوم عبد العزيز بن الباز المفتي العام السابق للديار السعودية في كتيبه (الأدلة العلمية والحسيّة لثبات الأرض ودوران الشمس) والذي قام بسحبه من المكتبات بعد تلقيه معارضة واسعة من علماء الدين.

والقيادات الحزبية الكردية ليست حالتهم أفضل من هؤلاء الملالي الذين أغرقوا الشعب الكردي في ظلام الجهل لقرونٍ عديدة، فكيف يمكن أن تكون الأحزاب الكردية طليعة المجتمع في الثقافة والثورة والسياسة ومازالت تختارُ قياداتٍ أميّة لا تحمل حتى الشهادة الإعدادية؟ (لن أشخّص أحداً لأن الصفة عامة وتنطبق على معظم القيادات الحزبية).
كيفَ يمكن لقيادةٍ لا تجيدُ القراءةَ الصحيحةَ (فكّ الأبجدية) أنْ تجيدَ القراءة السياسية، وتشارك في صياغة مصير الشّعب الكردي في سوريا، أو في كتابة دستور البلاد إن احتاج الأمر إلى ذلك؟ أليس من مفارقات القدر أنْ يشبه قادةُ شعوبٍ عجاجاً خريفياً يلتفُّ حولَ نفسَهُ لنصف قرنٍ ويضلّ طريقه؟
أليسَ هذا ناتجاً من لعنة النّبي زرادشت؟ كيفَ تجمعُ وحدةُ المهام (الدّينية والتَّاريخية) بين قيادات حزبية (أقصد الأحزاب الكردية في سورية) وبين ملالي القرون الوسطى؟
أعتقد أنّ الأجواء حبلى بجنين التغيّر، وهذه القيادات عليها مسؤولية هامة ووحيدة: العمل على تسليم مصير الأحزاب إلى قياداتٍ شبابية، من داخل أحزابها، وفكّ الارتباط بين مصير الشعب ووجود كراسيهم، فالتاريخ لا يطوي صفحاته بموت رجل، أو ترك أحدهم كرسيَه، فمَن لا يجيد كتابة التاريخ بفعلٍ تاريخيّ وحدثٍ يجعل من الناس سعداء عليهم الاستنكاف في بيوتهم.

لأنّ الحياة علّمت النّاس أنَّ لكلّ زمنٍ رجاله، ولا يصلحُ رجلٌ واحدٌ لأزمنة عديدة.


————————— 
وعاظ السلاطين: كتاب للمفكر العراقي علي الوردي

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…