لنكن أوفياء

   حيدر عمر

منذ مدة  و أنا أتابع الكتابات و كذلك الأخبار التي تتناول المؤتمر الوطني الكوردي الذي انعقد مؤخراً في القامشلي، و انبثق عنه مجلس وطني كوردي، انتخب لجنة أو مجلساً تنفيذياً أناط به مهام المرحلة الراهنة كوردياً و سورياً.

بغض النظرعن السلبيات سواء تلك التي رافقت أعمال التحضير للمؤتمر أو التي رافقت انعقاده، و هي سلبيات يمكن تلافيها إذا ما خلُصت النوايا، فإنه و للإنصاف يمكن للمراقب المحايد أن يذهب إلى أن المؤتمر كان نقطة مفصلية في مسيرة النضال الكوردي و الحركة الوطنية الكوردية في سوريا،
 نتمنى، بل ندعو الأحزاب و الشخصيات المستقلة الأدبية و الصحافية و الاجتماعية و تنسقيات الشباب المنضوين تحت خيمة المؤتمر إلى بذل المزيد من الجهد في اتجاه انضمام الأحزاب و الفعاليات الأدبية و الاجتماعية والشبابية التي ما تزال خارج الخيمة إلى المجلس الوطني الكوردي.

قلنا بغض النظر عن تلك السلبيات، فإن مجرد انعقاد المؤتمر، وفي هذه الظروف البالغة الحساسية و المصيرية، يعتبر إنجازاً كبيراً للحركة الوطنية الكوردية، لاسيما و أنه قد جمع تحت خيمته عدداً مهماً من الأحزاب و الفعاليات المجتمعية، و قرر حلّ جميع الأطر التنظيمية السابقة مثل التحالف و الجبهة و المجلس السياسي و غيرها، و قرر الاّ يقطع الصلة بمن بقي خارجه، عسى أن يقيم دعائم مرجعية سياسية أكثر و أصدق تمثيلاً للشعب الكوردي في سوريا.
ليست غايتي من هذه المقالة أن أقيِّم المؤتمر أكثر مما أوردته أعلاه، لأنني أعتقد أن بُعدي عن مراحل التحضير له و انعقاده ربما يجعل بوصلتي تخطئ الاتجاه.

إلا أنني لا زلت مندهشاً بمحتوى الكتابات الكثيرة التي تناولته، و خلت كلها من ذكر أية إيجابية له.
ما أريد الوقوف عنده هو شيئ آخر، لم يأت على ذكره أحد، لا كُتّاب المقالات و لا التقييمات التي جاءت كأجوبة لأسئلة طرحها موقع (ولاتى مه) و لا المعلِّقون على تلك المقالات و الأخبار التي تحدثت عن المؤتمر، مما أصابني بالدهشة حيال إنكار مواقف و حقوق الآخرين، في الوقت الذي لم تخل مقالة أو تعليق من ضرورة قبول  الرأي  الآخر.
لنكن أكثر موضوعية، و لا نصادر الذاكرة الكوردية، و من ثم نبخس الآخرين حقوقهم.

إن فكرة المؤتمر الوطني الكوردي، و الدعوة إلى انعقاده  بحيث يضم الأحزاب و المستقلين من مختلف شرائح المجتمع الكوردي لم تكن وليدة الظروف الجديدة التي أوجدتها الثورة السورية التي اندلعت في الخامس عشر من آذار، بل سبقت هذه الدعوةُ الثورة السورية بما يزيد عن عشر سنوات، و قد أطلقها المرحوم اسماعيل عمر رئيس حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا/يكيتي، و ذلك بُغية إيجاد مرجعية سياسية كوردية تكون أصدق تمثيلاً للكورد في سوريا، و تبنّى حزب الوحدة هذه الدعوة في أحد مؤتمراته.

يمكن لمن يريد التأكد من ذلك، أن يعود إلى صحافة هذا الحزب و أدبياته.
لا أقول هذا دفاعاً عن المرحوم و حزبه، فلي انتقادات كثيرة لهذا الحزب و لغيره من الأحزاب، ولكنني أريد تذكير الذين يبخسون الناس حقوقهم.

كان الأجدر بمن يدّعون أن ( المؤتمر الكوردي مشروع شبابي ولكن الأحزاب صادرته)    http://welati.net/nuce.php?ziman=ar&id=6043&niviskar=1&cure=3&kijan=            أن لا ينسوا أو يتناسوا فضل صاحب الفكرة و هو المرحوم اسماعيل عمر، ثم يمكنهم أن يضيفوا إن الشباب قد أحيوا تلك الدعوة التي لم تلق آذاناً صاغيةً في حينها، خاصة و أن الفارق الزمني بينهم و بين رحيله لم يتجاوز أشهراً عشرةً.

أهكذا نكون أوفياء لتاريخنا؟!
إن الأفراد يرحلون، و ليس بإمكان أحدٍ أن يخالف سُنّة الكون، و ينجو من الموت أو ينتصر عليه، ولكن الأفكار، تماماً كالمخترعات العلمية و الصناعية، تبقى مُسجّلة بأسماء أصحابها و مخترعيها.

مات إديسون منذ زمن بعيد، و كذلك مات أينشتاين و الناقد المصري محمد مندور، فهل تجرّأ أحدٌ من العلماء و المفكرين و النقاد أن ينسب لنفسه ما اخترعه و اكتشفه أولئك الكبار؟
آلمني كثيراً، و أنا أتابع كتابات الكُتّاب الكورد عن المؤتمر، قبل و بعد انعقاده، و كذلك تعليقات المعلقين على تلك الكتابات و على كل خبر يتعلق بالمؤتمر، آلمني كثيراً ألاً أجد بينها ما يشير ولو أشارة عابرة إلى صاحب الفكرة، رغم أنه رحل عنا البارحة.
و ما يحزُّ في النفس أكثر هو أن الكُتّاب و السياسيين الكورد، وهم النخبة، يعرفون هذه الحقيقة، إلا أنهم لا يشيرون إليها، و كيف لا، وهم معاصروه، ومن المؤكّد أنهم جالسوه و ناقشوه فيما كان يذهب إليه،  وأكاد أجزم بأن أولئك المعلقين  ومنهم من يعلِّقون تحت مسمّى (مستقلون ثوريون)، و كذلك العاملين في تحرير موقع ولاتي.

نت، الذي تكثر فيه مثل تلك التعليقات، يعرفونها أيضاً، ولكن هيئة التحرير التي لها الحق في إبداء رأيها على تلك التعليقات، و بيان الحقيقة، لم تمارس ذلك الحق، و قد يكون هذا الصمت لغاية في نفسها.
إن هذا الذي يحدث، جعلني أخمَّن أنه يمكن أن يكون ثمّة كثيرون في تاريخنا أُغمِطوا حقوقهم، و إلاً، فكيف تتفق الآراء على إغماط هذا الراحل عنا  البارحة حقه؟.

و هذا ما جعلني أتشبّث بفكرتي التي أذهب فيها إلى أن  وفاء الكوردي و إخلاصه، الذي انتبه إليه كل المستشرقين الذين كتبوا شيئاً عن الكورد، ليس للكوردي، بل لغيره.

نعم إن الظروف الجديدة، و التي فيها نصيب للشباب، هي التي أزالت ما تراكم من النسيان أو التناسي على تلك الفكرة ، ولكنها (الفكرة/المشروع) لم تكن وليدة هذه الأيام.

فمتى يحين الأوان كي نتحرر من الانفعال، و نركن إلى لغة العقل و المنطق؟.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…