من يوهن نفسية الأمة النظام الأمني القمعي أم الشعب المطالب بالحرية ؟

 المحامي مصطفى أوسو

  أثار قيام الأجهزة الأمنية السورية، بقمع التجمع السلمي لبعض الناشطين السوريين وذوي المعتقلين السياسيين، الذين تجمعوا أمام وزارة الداخلية السورية في الساعة الثانية عشرة من يوم 16 / 3 / 2011 تلبية لدعوة ذوي المعتقلين السياسيين المطالبين بالإفراج عن ذويهم وكشف مصير المختفين قسرياً منهم، وتضامنا مع معتقلي الرأي في سجن دمشق المركزي ( عدرا ), الذين أضربوا عن الطعام، مطالبين بإغلاق ملف الاعتقال السياسي ورفع الظلم عنهم ورد حقوقهم التي اغتصبت منهم…، واعتقال العديد منهم وممارسة أقسى درجات العنف والقسوة بحقهم وضربهم وتعذيبهم وإهانتهم…، بينهم أطفال ونساء وكهول…، ومن ثم إحالتهم إلى القضاء بتهم: إضعاف الشعور القومي أو إثارة النعرات العنصرية أو المذهبية…،
أثار ذلك المزيد من الإدانة والاستنكار والسخط…، في الشارع السوري والإقليمي والدولي…، فالتجمع والتظاهر وممارسة حرية الرأي والتعبير…، هي حقوق طبيعية وأساسية، كفلها الدستور السوري للمواطنين في مواده وأحكامه، وخاصة في الفصل الرابع المتعلق بالحريات والحقوق والواجبات العامة، كما كفلها أيضاً الاتفاقيات والمواثيق والعهود… الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وأن سورية هي من بين الدول التي وقعت وصادقت عليها، وتعهدت كذلك بالالتزام بها، وأن ممارسة بعض المواطنين السوريين لحقهم في التجمع والتظاهر والرأي والتعبير بحرية وبشكل سلمي وحضاري وبعيداً عن العنف والفوضى…، ينم بلا أدنى شك عن إحساس رفيع بالمسؤولية التاريخية تجاه ما آلت إليه الأوضاع في البلاد من تأزم خطير وتدهور مريع في مجالات الحياة المختلفة، نتيجة السياسات والممارسات السلطوية الخاطئة والمحكومة بحالة الطوارئ والأحكام العرفية والمزيد من ممارسة القمع والاستبداد واحتكار السلطة والثروة…، لانتشالها من هذا الواقع المرير والانتقال إلى رحاب الحريات الديمقراطية والمشاركة الشعبية العامة والعدالة الاجتماعية والتعددية بأوسع معانيها… والتجسيد العملي والفعلي لمبدأ المواطنة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…، مما يعزز الشعور القومي والوحدة الوطنية والعيش المشترك… بين مختلف عناصر أبناء الوطن السوري على اختلاف انتماءاتهم القومية والسياسية والدينية والطائفية…
  وإذا كانت الممارسات القمعية التي تقوم بها أجهزة الأمن السلطوية، بحق المواطنين السوريين المطالبين بالحرية والديمقراطية والتعددية وإغلاق ملف الاعتقال السياسي…، تشكل انتهاكاً فظاً وصارخاً وخطيراً للحقوق والحريات الأساسية التي كفلها القوانين الوطنية السورية وكذلك للمواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فإنها هي – الممارسات القمعية – التي تؤدي إلى إضعاف الشعور القومي وإلى هدم أسس الوحدة الوطنية وإلى دق المسمار الأخير في نعش التعايش والعيش المشترك بين أبناء الوطن السوري…، لا ممارسة المواطنين السوريين لحقهم القانوني والدستوري في التجمع والتظاهر…، كما إنها لا تؤدي أبداً وبالمطلق إلى تطور البلاد وتقدمها وازدهارها ومواكبتها للتطورات والمتغيرات …، وخاصة في هذه الظروف الصعبة والدقيقة والحساسة التي تمر بها المنطقة بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص، كما إنها وإضافة إلى كل ذلك غير قادرة أيضاً على أن تحل الكم الكبير والهائل من القضايا والإشكالات…، العالقة والشائكة بنفس الوقت، والتي تحتاج إلى وقفة جادة وشجاعة للتصدي لها وإيجاد الحلول الفورية والعاجلة لها، وفي مقدمتها قضايا الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين المكونين للمجتمع السوري بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الجنسية أو الطائفية أو المذهبية…الخ.
  لذلك فأنه لا بد وقبل كل شيء وكخطوة تمهيدية وضرورية وعاجلة ولا تحتمل أي شكل من أشكال التأجيل والتسويف والمماطلة…، من إطلاق سراح جميع معتقلي التجمع المطلبي السلمي أمام وزارة الداخلية، وكذلك إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير… في السجون والمعتقلات السورية وإغلاق ملف الاعتقال السياسي الذي يعتبر وفق القوانين الوطنية والدولية جريمة ضد الحرية والأمن الشخصي بشكل نهائي، والعمل على تنفيذ التوصيات المقررة ضمن الهيئات التابعة للمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان الدولية والإقليمية، والوفاء بالالتزامات الدولية بموجب التوقيع على المواثيق والعهود الدولية، والعمل بشكل جدي لتأسيس بيئة دستورية وقانونية وتشريعية… سليمة وقائمة على أساس حق المواطنة وسيادة القانون واستقلالية القضاء واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية… وإلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية…، وأيضاً إلغاء جميع القوانين والتشريعات التي تشكل الأرضية الملائمة والبيئة المناسبة لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بشكل عام والاعتقال التعسفي بشكل خاص، والعمل على إطلاق الحريات الديمقراطية وإنهاء سياسة القمع والعنف والاستبداد والتمييز والاضطهاد…، ومحاربة جميع مظاهر النهب والفساد والرشوة والمحسوبية…، وإلغاء كافة القوانين والمشاريع والإجراءات والتدابير الاستثنائية المطبقة بحق أبناء الشعب الكردي في سوريا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…