هل هي الشرارة السورية؟

طارق الحميد

خرجت المظاهرات بعد صلاة الجمعة في عدة مدن سورية: دمشق وحمص، وبانياس، وفي جنوب سورية على الحدود مع الأردن في درعا، ونتج عن تلك المظاهرات قتلى وجرحى واعتقالات، فهل نحن أمام الشرارة السورية؟

بكل تأكيد ان سورية ليست بمعزل عمَّا يحدث بمنطقتنا من مظاهرات وانتفاضات، وبالطبع فإن سورية ليست مثل غيرها من الدول العربية؛ حيث قلنا مرارا وتكرارا: إن تونس غير مصر، والبحرين غير تلك الدول، حيث الدوافع الطائفية، واليمن أيضا غير..
 فصنعاء شديدة التعقيد، بل هي قنبلة موقوتة، خصوصا مع عناد الرئيس اليمني، وتبقى ليبيا حيث المشهد المفتوح لكل أنواع الترويع.

وكما أسلفنا فإن سورية ليست بمعزل عما يحدث بمنطقتنا، بل إن دمشق ظلت دائما تهرب إلى الأمام، وتستخدم كل الأعذار والحيل لتأجيل ساعة المواجهة مع الحقيقة، وهي الحقيقة الداخلية مع الشعب، وقبل الحقيقة الخارجية، التي قد تكون أخف وطأة، خصوصا مع الهدوء على الحدود الإسرائيلية، الذي فاق الهدوء على الحدود المصرية – الإسرائيلية طوال سنوات نظام مبارك.

مشكلات سورية تشبه كثيرا مشكلات الدول التي تهرب إلى الأمام، وتعتقد أن عجلة الساعة لا تدور، وأن الحيل ستنجح دائما، والتاريخ، الحديث طبعا، يذكرنا دائما بأن الشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن هناك حقائق لا بد من التعامل معها، فهناك لحظة استحقاق لا مفر منها، ولا يمكن إغفال الحقائق بالتذاكي ومحاضرة الشعوب، على طريقة مقالات السيدة بثينة شعبان، التي كأنها تكتب من سويسرا، فأفضل وسيلة للتعامل مع الحقائق هي مواجهتها.

صحيح أن سورية ليست مثل باقي الدول العربية المضطربة، لكنها أشد وضوحا في دوافع التظلم والتذمر، وهي أكثر الأمثلة الصارخة على انعدام التوازن في لعبة الأقلية والأكثرية التي تستهوي المجتمع الدولي هذه الأيام، وبعض وسائل الإعلام، وكذلك بعض وكالات الأنباء، التي لم تلقِ بثقلها إلى الآن في قضية مظاهرات سورية مثلما فعلت بالبحرين مثلا، إما لأسباب المنع، وإما لانعدام توافر الدوافع والخلفية الطائفية، للأسف، كما رأينا بالبحرين، خصوصا من قبل بعض المصورين، وكثير من المصادر المنحازة.


وعليه فإذا كانت هذه هي الشرارة السورية، فإن وضع سورية سيكون صعبا جدا، خصوصا بعد قرار مجلس الأمن ضد ليبيا، وتوافر مزاج دولي للعبة الأقلية والأكثرية، وانعدام الثقة الدولية بالنهج السوري، نتاج مشوار ليس بالهين من السياسات السورية الخاطئة، ومع عداء دمشق التاريخي مع الإخوان المسلمين، وفوق هذا وذاك الوضع الداخلي المتأزم، سياسيا واقتصاديا، وكما قلنا من قبل فإن ورطة الجمهوريات العربية كبيرة؛ لذا فإن القادم ليس بالهين؛ فالتجارب تقول إن استمرار تحدي المواطنين لأنظمتهم القمعية، مثل تونس، ومع توافر نقمة داخلية، عادة ما يؤدي لانفجار.


وعليه فتجب مراقبة ما يحدث في سورية جيدا، ولا بد من مراقبة القلق والتوتر لدى كل من إيران وحزب الله، وملاحظة مدى تطرفهما، وانعدام مصداقيتهما..

فهل يدينان، مثلا، استخدام العنف ضد السوريين العزل، ويدعمان حقهم بالتظاهر السلمي، كما فعلا في البحرين؟ أظن أن القارئ يعرف الإجابة!

tariq@asharqalawsat.com

الشرق الأوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…