أعلى من جدار.. إلى حسن صالح وكل معتقلي الرأي في سجون البلاد

  إبراهيم اليوسف

منذ اندلاع الثورة السورية المباركة، يخطر ببالي اسم صديقي المناضل حسن صالح، الذي اعتقل بتاريخ 26-12-2009 مع صديقي العزيزين: معروف ملا أحمد ومحمد مصطفى، بعد تدبيج  اتهامات ملفقة، بحقهم، ضمن سياسة الاعتقال، والتهجير، وكم الأفواه، والمطاردة، التي لاحقت كل من تقدح كلمته شرراً، ليضوي ليل الوطن الحالك، وهؤلاء الأصدقاء من رادة الاعتصامات السلمية، الحضارية، ولعل اسم حسن صالح-  حين يخطر في البال بقوة- وهو لم يغب في الأصل عن بال كل شريف، فلأن الرجل -وكما أؤكد- من بين أطهر، وأنبل قياداتنا الكردية الميدانية، التي تعمل بصدق، ونبل، وتفان، وبعشق صوفي، عال،
 و أنا حين أستحضر اسمه، هنا، فلأنني لأتعامل معه -كرمز لمن اعتقلوا – بل وكل من صمد في زنزانته، وهنا أتذكر صديقي مشعل التمو وإبراهيم بركات ولقمان سليمان ومصطفى إسماعيل وفرحان جميل عبد القادر، وغيرهم بالمئات،  والآلاف، ممن هم الآن رهن الاعتقال التعسفي، وكذلك الأخ عبد الباقي خلف وطالبي العزيز كادار سعدو الذي أتذكر يوم ولادته، و الأخوة الثلاثة من آل أوسكان، وغيرهم من معتقلينا الأشاوس، ممن أشعر براحة أنني لم أترك اسماً من بينهم-ما استطعت- إلا وطالبت  بإطلاق سراحه، عبر البيانات، والنداءات، وسواها، كل باسمه، وهو لشرف كبير لي أعتز به، كسائر زملائي في منظمة ماف، بل كسائر منظماتنا السورية-الباسلة-ومن بينها منظماتنا الحقوقية الكردية.

أجل، سيستيقظ حسن صالح-الرمز كما أسلفت- بعد ساعات جد قليلة، في صباح غد الجمعة، وذلك بعد أن غاب عن مدينته، عاماً ونصف، بالتمام والكمال، واشتاق لهواء قامشلي التي يحبها إلى درجة الهيام، على إيقاعات هتافات المحتجين سلمياً، وكان شعاره: اعتصام، من أجل كل معتقل سياسي، حتى يتمّ إطلاق سراحه، وهو ما قام به من أجل الشيخ معشوق الخزنوي الذي تحلّ ذكرى الإعلان عن استشهاده هذه الأيام-أثناء فترة اختطافه للكشف عن مصيره، وكذلك بالنسبة لمشعل حين تعرض للاختطاف، وهذا الشعار الذي لم يطبقه أحد –في حدود معرفتي بعد اعتقاله من أجله بشكل جاد- وهو لم يكن لديه، ليخضع لبارومتر السياسي ، بل كان يرفع بوتيرة واحدة، من قبله،  ومن يلتقيه في الشجاعة والرأي، سواء أاشتدت هراوة التهديد، أم خفتت سطوتها قليلاً، وهذا دليل على أن أنموذجه الكريم الاستثنائي،  ومن يمثلهم، هو أنموذج من يعيش فكرته، ويترجمها سلوكاً وممارسة، لا كظاهرة صوتية- والعبارة أستعيرها من معجمه- من دون أن يكترث بوعيد المستبد، ولا بتهديداته التي كانت تلاحقه كظل، أو كمخبر يتتبع على دراجته نمرة مركبة البيك آب الاسطورية التي كان يقودها……
سيسمع حسن صالح-بعد صلاة جمعة حماة الديار– وربما يصليها جماعة في السجن، لا أدري” -وأنا أتذكر الآن سجادة خاصة به كنا نتركها في ركن مكتبتي يسميها أولادي سجادة عمو حسن وكان يصلي عليها صلاة العصر أو أكثر، مرات عدة في الأسبوع، وظل من قلة من الأوفياء الذين يدأبون زيارة بيتي، بعد خروجي الاضطراري من بلدتي ” بسبب سوطي الاستبداد والفقر، ليشرح لمن حوله-إن سمح له اللقاء بأحد- عن يوسف العظمة و إبراهيم هنانو، ابني سوريا، الكرديين، وغيرهما، من أبطالنا الكرد في الثورة السورية-وهو مدرس التاريخ-يتخيل نفسه، يعبر جدار السجن، ينضم إلى الشباب المحتجّ سلمياً، لينطلق من أمام جامع قاسمو حتى دوار الهلالية الذي أقترح أن يسميه الشباب” دوار التحريرأو مستديرة التحرير، كي تستقيم لغة المعجم، لا الحياة.
أجل، سيسمع حسننا-أبو جهاد- وجهاد من أوائل أعضاء إدارة ماف، الذين أعلنوا أسماءهم-  سيسمع  حسننا من سجنه، الأخير، هذا، هتافات المجموعات الشبابية التي تترى، منطلقة من علاية، صوب الحي الغربي، الذي مضى عام كامل لم أكحل عيني بملاعب شبابي فيه، ولعل بعض نزلاء السجن، سيشرحون له كل ما كان يتم، بعد أن عاش كل هذه الفترة الطويلة، معزولاً عن العالم الخارجي، وقد كان آخر من رآه لمحاً خاطفاً -ذات فسحة تنفس في زنزانة فرع الفيحاء- حفيظ عبدالرحمن الذي بقي معه في المعتقل نفسه، في منفردته القميئة، من دون أن يلتقي أحدهما الآخر-أو من دون أن يسمح لحفيظ أن يصرخ باسمه، ليراه هو الآخر، لتلتقي عيناهما معاً، ولو لمحاً بلمح، ويكون ذلك مدعاة طمأنينة له، وهي طريقة اعتقال شائنة، لا تليق بأي مجرم، عات، فكيف ونحن أمام أصحاب رأي، وناشطي حقوق إنسان، في بلد بلا رحمة، ولا حقوق إلا للجلاد واللص.
أعرف أن صديقي حسن سوف يحس أنه سيغسل روحه في سجن مدينته- وسجن المدينة له نكهته- وإن كان قد دخله لأول مرة،يوم أمس، فحسب، وهو المربي الذي تعلمت أجيال على يديه العلم، وهو الشيخ الذي لا يخاف السجون، ولاسمه : شيخ المعتقلين الكرد، وكل معتقل شيخ، طبعاً، لكني وفي حدود معرفتي، لم أجد شخصاً يستتفه السجن والخوف مثل أبي جهاد.
أعزائي، القادمين للتو إلى سجن قامشلي- كمعتقلي رأي وضمير- ليس لي إلا أن أهرب وردة لكل منكم باسمه، وأنتم في سجن مدينتكم، السجن الذي سيشار إليه-كمحطة في تاريخ كل مناضل دخله- ولكل معتقل في كل سجن وزنزانة ومنفردة، ومنفى، وأسر، بعد أن يمسح شبابنا السوري-آباؤنا في البسالة- السجن السياسي، ورهبة السجان وفكره، وهم يرسون لنا صرح الديمقراطية والعدالة والحب، الآتي ، مؤكداً، وما لاريب فيه، ليكون كل ذلك محطّ افتخار لكل بطل دخل السجن، ومدعاة لعنة بحق كل من تسبب في إدخال هؤلاء السجون  والمعتقلات والزنزانات- وهم أصحاب رأي- يجدر أن تتم مناقشة آرائهم-في حديقة أو مركز ثقافي- لا أن يتم إلحاق الأذى بهم، من دون ضمير، أو رحمة أو شفقة.
-تحية إلى أبي البسالة والوفاء، صديقي، البار، حسن صالح، وهو يرهب جلاديه أينما حل

فجر جمعة حماة الديار27-5-2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…