اعتقالُ كوكبةٍ من مناضلي المنظمة الآثورية الديمقراطية في مدينة القامشلي

*ســردار بدرخان

     في يوم الجمعة 20/05/2011م، وعلى خلفية موقفِ المنظمة الأثورية الديمقراطية من التظاهراتِ والاحتجاجاتِ السلمية المطالبة بالحرية والكرامة التي تشهدُها سوريا منذ 15 آذار المنصرم، ذلك الموقفُ الوطني المشرّف المؤيِّد لحقِّ التظاهر السلمي للمحتجين والمنسجم مع مواقف قوى ائتلاف إعلان دمشق وأحزاب الحركة الوطنية الكردية وغالبية الأحزاب والفصائل الوطنية السورية إضافة إلى جمعيات ولجان حقوق الإنسان والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة وغيرها… أقدمتْ دورية مشتركة من المخابرات والأمن الجنائي على اقتحام مقرّ المنظمة الآثورية الديمقراطية في القامشلي واعتقال 13 مناضلاً من المنظمة وحجز ممتلكاته من الكتب والحواسيب والأقراص المدمجة والهواتف النقالة وأغلقته بالشمع الأحمر.

والأمر الأكثر غرابةً في هذا الاعتقال هو إقدام الدورية على حجز بعض السيارات الخاصة للمعتقلين ونقلها بالروافع.
   إن المنظمة الآثورية الديمقراطية التي يعود تأسيسها إلى عام 1957م هي منظمة قومية سياسية تعني بثقافة ووجود الشعب السرياني الآشوري الكلداني الشقيق والنضال لنيل حقوقه القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد بالوسائل السلمية الديمقراطية، وتعتبر من الفصال الوطنية الديمقراطية السورية التي شاركت ولا تزال تشارك باقي فئات الشعب السوري في التصدي لواجباتها الوطنية دون نقصان، وقوبلتْ على الدوام بالشطب والتهميش.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل جزاء كل من يخالف السلطة بالرأي هو القمع والتنكيل؟! وهل جزاء من يضع مصلحة سوريا العامة نصبَ عينيه وإبداءَ رأيه فيها هو الزج في السجون والمعتقلات؟ أم أن السلطة في سوريا لا تزال على سابق عهدها تعتقد بأن الشعب السوري قاصرٌ لا يفقهُ من السياسة شيئاً حيث هناك من يؤدي بالنيابة عنه هذا العمل، ولم يصلْ بعدُ إلى مستوى ممارسة الديمقراطية، ويحتاج إلى وصيٍّ، وترى نفسَها خير وصيٍّ عليه!.

  يبدو واضحاً للعيان بأن السلطة في سوريا قد حسمت أمرَها في التصدي للرأي الآخر واعتمادَ قمعه بقوة السلاح بغيةَ إخضاع الشعب السوري وقواه الوطنية إلى هيمنتها والقبول مكرهاً بتفردها بالسلطة من خلال الإبقاء على سياسة الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع، ولم تعِرْ أيَّ اهتمامٍ لكل النداءات والمقترحات المخلصة الصادرة من الأحزاب الوطنية السورية والدول الإقليمية التي يهمُّها استقرار البلاد إضافة إلى نداءاتِ ومناشداتِ المنظمات الدولية التي طالبتْ ولا تزال تطالب بحوار وطني شاملٍ تجمعُ كافة القوى الوطنية من داخل الجبهة الوطنية وخارجها على طاولة حوار واحدة، وتجنُّب ممارسة العنف والقتل بحق المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بإصلاحات سياسية اقتصادية اجتماعية حقيقية تضمن حرية المواطن وتصون كرامته، منطلقةً في مواقفها تلك بأن الرصاصةَ التي تستهدف المتظاهرَ السلميَّ، إنما تستهدف المواطنَ والوطنَ من أقصاه إلى أقصاه، وقتلُ المواطن الأعزل الذي يعبِّر عن رأيه سلمياً هي جريمة لا يمكن غفرانُها بحالٍ من الأحوال.

كل هذه المقترحات والنداءات المخلصة وُوجِهتْ بالإصرار على المزيد من القتل والقمع وإراقة الدماء الطاهرة لأبنائنا بذرائعَ وحججٍ واهيةٍ لم تعدْ تنطلي على أحدٍ والتي هيَ من قبيل وجود العصابات الإجرامية التي تقتلُ المتظاهرينَ وقوات الجيش، وأن الدباباتِ والمدرعات قد اقتحمت المدن السورية للقضاء على ما سمته بالأصوليين المتطرفين المدعومين من جهات خارجية، أولئك الذين ينوون إنشاء إمارات إسلامية على أرض سوريا!! عدا عن محاولاتها المستميتة عبر أبواقها من المحللين السياسيين والاستراتيجيين(!)..

لتصوير الوضع الداخلي وكأنه وضع طبيعيٌ ومستقر، إنما هناك جهات غربية اسرائيلية أمريكية وعربية عميلة لا يروقها هذا الاستقرار فتقوم بمحاولة النيل من الموقف القومي السوري الممانع للمشاريع الأمريكية الصهيونية والداعم لقوى الصمود العربي!!… إلا أنهم فشلوا في ذلك ويفشلون على الدوام في إقناع الرأي العام بذلك ، حتى بات الإعلام الرسمي السوري موضع تندرٍ لدى عامة المواطنين السوريين ووسائل الإعلام التي فقدت ثقتها بكل ما يصدر عنه.
   حتى تستطيعَ بلادنا تجاوزَ هذه المرحلة المصيرية من مستقبل بلادنا، ينبغي على السلطة أولاً الاعترافَ بوجود قضية داخلية شديدة التعقيد تتطلب بذل المزيد من الجهود الوطنية المشتركة لحلها، والتي هي نتيجة طبيعية لتراكمات عشرات السنين من القمع والقهر والاستلاب والحرمان أدتْ إلى تشكل احتقاناتٍ مزمنة في المجتمع السوري، تستوجب إيجاد حلول منطقية داخلية لها، وتقتضي الكفّ عن تضليل الرأي العام ومحاولات إيهامه بأن ما تشهده البلاد هي نتيجةٌ لمؤامرة خارجية وغير ذلك من الأحاديث والروايات التي سئمها شعبنا وملَّ من كثرة تكرارها، والركون إلى الحكمة والعقل لحلها بأقل الخسائر الممكنة عبر إشراك الجميع في الحوار الوطني، وتجنب المكابرة والعنجهية، وقراءة الواقع الداخلي والتحديات الخارجية بدقة، بحيث تكون المصلحة الوطنية هي العليا وحقنُ دماء شعبنا التواق إلى الحرية والكرامة في أي قرار.
   إن الطريقَ إلى حلٍّ وطني آمنٍ وصحيح لا يمرُّ البتة عبر اعتقال قادة المنظمة الآثورية الديمقراطية الشقيقة وغيرهم من القادة السياسيين العرب والكرد ونشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان وزجهم في الزنازين، بل يبدأ بإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي من خلال تبييض السجون، وفكّ الحصار عن المدن والبلدات التي تعرضتْ لأبشع عمليات التنكيل والترويع المرفوضة وسحبِ المدرعات والجيش وأجهزة الأمن إلى مواقعها الطبيعية، ومحاسبة كل من أمرَ بسفك الدم الوطني من خلال محاكمَ عادلة نزيهة تضمن حق المتهمين بالدفاع عن أنفسهم قانونياً، والبدء الفوري بإجراء الحوار الذي طالَ انتظاره.


25/05/2011م
——————-

*كاتب كردي من سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…