د.
سربست نبي
الثورة السورية، لا يزال مستقبلها غامضاً، ويتوقف على جملة معطيات وشروط.
و برغم التفاؤل المتنامي بحتمية التغيير، بسبب من اتساع الهوة بين مقاصد السلطة ومقاصد المحتجين في الشارع السوري، الذين حسموا خيارهم التاريخي بعدم المساومة أو العودة إلى الوراء.
إلا أن القوى، التي لا تزال تحمل تأثيراً نوعياً في مسار هذه الحركة الاحتجاجية الشاملة، ربما تزيد من تسارع التقلبات، أو العكس، وتخلل بالمسارات المتوقعة وبأحداثها.
وهي في أغلبها متمثلة بعوامل خارجية، لا تنفصل عن تداعيات العوامل الداخلية، المتمثلة في اتساع دائرة الاحتجاجات وتصاعد حدتها.
سربست نبي
الثورة السورية، لا يزال مستقبلها غامضاً، ويتوقف على جملة معطيات وشروط.
و برغم التفاؤل المتنامي بحتمية التغيير، بسبب من اتساع الهوة بين مقاصد السلطة ومقاصد المحتجين في الشارع السوري، الذين حسموا خيارهم التاريخي بعدم المساومة أو العودة إلى الوراء.
إلا أن القوى، التي لا تزال تحمل تأثيراً نوعياً في مسار هذه الحركة الاحتجاجية الشاملة، ربما تزيد من تسارع التقلبات، أو العكس، وتخلل بالمسارات المتوقعة وبأحداثها.
وهي في أغلبها متمثلة بعوامل خارجية، لا تنفصل عن تداعيات العوامل الداخلية، المتمثلة في اتساع دائرة الاحتجاجات وتصاعد حدتها.
كذلك الأمر مع القوى البشرية المحركة للاحتجاجات والصانعة للحدث السوري اليومي.
فهي تفتقر إلى الملامح السياسية الواضحة سوى رغبتها الحاسمة في التغيير وسخطها على استبداد النظام.
كذلك ما يزال الجزء الأعظم ليس لديه أيّة إجابة سياسية دقيقة لأية سورية يهتف ويتطلع، سوى سورية حرّة، وللحرية المنشودة هنا دلالات ومعان تكاد تتعدد بتعدد المنادين بها.
وسيبقى الأمر كذلك إلى أمد غير قريب.
والأصل أن الثورات لا تخضع للمنطق والمحاكمات العقلية الصارمة، وإنما تحركها بمقدار كبير الرغبات الإنسانية والعواطف الثائرة والانفعالات المتعارضة.
لكن ما يبدو لنا ثابتاً هو أن السوريين يكافحون الآن من أجل نظام مختلفٍ كلياً عن الاستبداد البعثي الذي طغى طوال أكثر من أربعة عقود.
السوريون باتوا أقرب ما يكونوا اليوم من التخلص من كابوس الاستبداد.
كل يوم يمضي، وكل قربان يقدّم في شوارع المدن السورية، وكل نزيف يصبّ في نهاية المطاف في دلتا يوم الحريّة.
تلكم هي الحقائق أو الوقائع التي تصنع مستقبل هذه البلاد.
بالمقابل تزداد السلطة غطرسة وتهوراً، وتنساق إلى التعسف أكثر فأكثر مع اتساع دائرة الاحتجاجات، وتبرهن يوميات الثورة السورية على غياب كل استعداد لديها لتفهم مطالب الشعب السوري، إنما تتمادى أكثر في الصراع والعداء مع حركة الجماهير السلمية، وهذا ما يعكس درجة خوفها على ما بنته وكرّسته طوال عقود.
وتصل بها هذا الخوف أو القلق على مستقبلها إلى حدود الانتقام الوحشي من المدنيين، كما حصل في عدد من المدن والبلدات.
وهي لا تملك إزاء سلوكها السياسي المنحرف هذا سوى اللجوء إلى الكذب وفبركة الأساطير الإعلامية غير المتقنة لتزييف أو تمييز وقائع حركة الاحتجاج الشاملة وطبيعتها.
ولعل من أبرز مفارقات الخداع الإعلامي للنظام التي تكشف عن زيف ادعاءاته على أرض الواقع، هو كلما اشتد صراخه و وتشدقه بوجود مؤامرة سلفية وتهديد أصولي، تمادى في اعتقال الشيوعيين واليساريين والعلمانيين السوريين! فهل التبس عليه الأمر إلى هذا الحدّ؟
الاحتجاجات السياسية تستأنف كل يوم في بقعة جديدة، حتى باتت تشمل الآن معظم البلاد.
وثمة دلالة واضحة لا تخفى في هذا الأمر، تتمثل في شمولية حركة الرفض من الناحيتين الاجتماعية والثقافية.
فهي لم تعدّ تقتصر على رفض نابع من طبيعة أيديولوجية أو اجتماعية تتعلق بهذه الشريحة دون تلك، وهو ما أراد إعلام النظام التأكيد عليه بغرض الالتفاف و احتوائه فيما بعد.
وبإزاء ذلك تكشف الحقائق المفجعة على أرض الواقع عن مدى التخبط الذي يعانيه النظام، والرعب الذي يعيشه النابع عن شعوره بدنو ساعة رحيله.
وإلا فما معنى كل هذا الطيش السياسي والجنون الذي يطبع سلوكه في التعاطي مع حركة المنادين بالحرية في الشارع.
إن مأساة النظام تكمن هنا، في أن الغطرسة التي اعتاد عليها نحو مطالب الشارع السوري طوال عقود من الهيمنة، تحول دون أن يستوعب اليوم الحقائق الجديدة ويتفهم رغبة السوريين الحاسمة والجذرية في التغيير.
ففي البداية تعامل معها بنوع من عدم الاكتراث والاستخفاف، وهذا بدا جلياً في خطاب الرئيس السوري الأول أمام برلمان التهريج.
ثم ما لبث أن تحول هذا الاستخفاف الكوميدي لديه إلى نوع من التراجيديا السوداء اللاعقلانية في التعاطي المدنيين، قوامها القسوة والعنف غير المسبوق، فوجد الناس أنفسهم وكأنهم يعيشون أهوال الثمانينات التي لا تزال تثوى عميقاً في ذاكرتهم.
ومهما ادعى البعض من مبررات لسلوك النظام فإن قوافل الحريّة التي أخذت تنطلق في جميع المدن السورية، وفي كل مكان، هي كافية بذاتها لإسقاط جميع الذرائع، ونزع الشرعية السياسية عن النظام.
وهذا ما ينبغي أن يفهمه هؤلاء جيداً.
فمهما تمادى النظام في غيّه وفي الاستعانة بتقنيات القمع والقسوة السائدة لديه حتى الآن، فلن يوفق في البقاء والاستمرار، ويظهر أنه لم يفهم الدرس التونسي ولا المصري بصورة جيدة حتى الآن، بل أكاد أقول إن تلك الغطرسة تمنعه حتى الآن من تصديق ما حدث في الأمس القريب.
لقد اعتاد النظام السوري طوال عقود من الاستئثار بالقرار السياسي واحتكار الحياة على قمع كلّ أشكل المعارضة الفردية أو الجماعية لحكمه.
وكان قادراً على جعل حياة خصومه جحيماً لا يطاق، دون أن يلقي بالاً لأصوات الاحتجاج أو الاستنكار التي كانت تصدر هنا أو هناك.
وعلى المنوال ذاته، وانطلاقاُ من خبراته تلك، راح يتعاطى مع الوقائع الجديدة، رافضاً النظر إلى الموقف على نحو مختلف ووفق قواعد جديدة، معتقداً بأن تجاربه السابقة في القمع (سواء في الثمانينات، أو في 2004 بحق الأكراد) كافية لتحقيق النجاح له هذه المرة أيضاً.
غير أن أمراً بدهياً من جملة الأمور السياسية التي لم يدركها النظام السوري هذه المرة، هو أن ما يبدو صحيحاً ونافعاً في زمن ما ليس من الضرورة أن يكون كذلك في زمن آخر.
ولعل فشله في إدراك هذه الحقيقية هو ما سيمهد لسقوطه، أو يعزز من إمكانات ذلك.
__________
فهي تفتقر إلى الملامح السياسية الواضحة سوى رغبتها الحاسمة في التغيير وسخطها على استبداد النظام.
كذلك ما يزال الجزء الأعظم ليس لديه أيّة إجابة سياسية دقيقة لأية سورية يهتف ويتطلع، سوى سورية حرّة، وللحرية المنشودة هنا دلالات ومعان تكاد تتعدد بتعدد المنادين بها.
وسيبقى الأمر كذلك إلى أمد غير قريب.
والأصل أن الثورات لا تخضع للمنطق والمحاكمات العقلية الصارمة، وإنما تحركها بمقدار كبير الرغبات الإنسانية والعواطف الثائرة والانفعالات المتعارضة.
لكن ما يبدو لنا ثابتاً هو أن السوريين يكافحون الآن من أجل نظام مختلفٍ كلياً عن الاستبداد البعثي الذي طغى طوال أكثر من أربعة عقود.
السوريون باتوا أقرب ما يكونوا اليوم من التخلص من كابوس الاستبداد.
كل يوم يمضي، وكل قربان يقدّم في شوارع المدن السورية، وكل نزيف يصبّ في نهاية المطاف في دلتا يوم الحريّة.
تلكم هي الحقائق أو الوقائع التي تصنع مستقبل هذه البلاد.
بالمقابل تزداد السلطة غطرسة وتهوراً، وتنساق إلى التعسف أكثر فأكثر مع اتساع دائرة الاحتجاجات، وتبرهن يوميات الثورة السورية على غياب كل استعداد لديها لتفهم مطالب الشعب السوري، إنما تتمادى أكثر في الصراع والعداء مع حركة الجماهير السلمية، وهذا ما يعكس درجة خوفها على ما بنته وكرّسته طوال عقود.
وتصل بها هذا الخوف أو القلق على مستقبلها إلى حدود الانتقام الوحشي من المدنيين، كما حصل في عدد من المدن والبلدات.
وهي لا تملك إزاء سلوكها السياسي المنحرف هذا سوى اللجوء إلى الكذب وفبركة الأساطير الإعلامية غير المتقنة لتزييف أو تمييز وقائع حركة الاحتجاج الشاملة وطبيعتها.
ولعل من أبرز مفارقات الخداع الإعلامي للنظام التي تكشف عن زيف ادعاءاته على أرض الواقع، هو كلما اشتد صراخه و وتشدقه بوجود مؤامرة سلفية وتهديد أصولي، تمادى في اعتقال الشيوعيين واليساريين والعلمانيين السوريين! فهل التبس عليه الأمر إلى هذا الحدّ؟
الاحتجاجات السياسية تستأنف كل يوم في بقعة جديدة، حتى باتت تشمل الآن معظم البلاد.
وثمة دلالة واضحة لا تخفى في هذا الأمر، تتمثل في شمولية حركة الرفض من الناحيتين الاجتماعية والثقافية.
فهي لم تعدّ تقتصر على رفض نابع من طبيعة أيديولوجية أو اجتماعية تتعلق بهذه الشريحة دون تلك، وهو ما أراد إعلام النظام التأكيد عليه بغرض الالتفاف و احتوائه فيما بعد.
وبإزاء ذلك تكشف الحقائق المفجعة على أرض الواقع عن مدى التخبط الذي يعانيه النظام، والرعب الذي يعيشه النابع عن شعوره بدنو ساعة رحيله.
وإلا فما معنى كل هذا الطيش السياسي والجنون الذي يطبع سلوكه في التعاطي مع حركة المنادين بالحرية في الشارع.
إن مأساة النظام تكمن هنا، في أن الغطرسة التي اعتاد عليها نحو مطالب الشارع السوري طوال عقود من الهيمنة، تحول دون أن يستوعب اليوم الحقائق الجديدة ويتفهم رغبة السوريين الحاسمة والجذرية في التغيير.
ففي البداية تعامل معها بنوع من عدم الاكتراث والاستخفاف، وهذا بدا جلياً في خطاب الرئيس السوري الأول أمام برلمان التهريج.
ثم ما لبث أن تحول هذا الاستخفاف الكوميدي لديه إلى نوع من التراجيديا السوداء اللاعقلانية في التعاطي المدنيين، قوامها القسوة والعنف غير المسبوق، فوجد الناس أنفسهم وكأنهم يعيشون أهوال الثمانينات التي لا تزال تثوى عميقاً في ذاكرتهم.
ومهما ادعى البعض من مبررات لسلوك النظام فإن قوافل الحريّة التي أخذت تنطلق في جميع المدن السورية، وفي كل مكان، هي كافية بذاتها لإسقاط جميع الذرائع، ونزع الشرعية السياسية عن النظام.
وهذا ما ينبغي أن يفهمه هؤلاء جيداً.
فمهما تمادى النظام في غيّه وفي الاستعانة بتقنيات القمع والقسوة السائدة لديه حتى الآن، فلن يوفق في البقاء والاستمرار، ويظهر أنه لم يفهم الدرس التونسي ولا المصري بصورة جيدة حتى الآن، بل أكاد أقول إن تلك الغطرسة تمنعه حتى الآن من تصديق ما حدث في الأمس القريب.
لقد اعتاد النظام السوري طوال عقود من الاستئثار بالقرار السياسي واحتكار الحياة على قمع كلّ أشكل المعارضة الفردية أو الجماعية لحكمه.
وكان قادراً على جعل حياة خصومه جحيماً لا يطاق، دون أن يلقي بالاً لأصوات الاحتجاج أو الاستنكار التي كانت تصدر هنا أو هناك.
وعلى المنوال ذاته، وانطلاقاُ من خبراته تلك، راح يتعاطى مع الوقائع الجديدة، رافضاً النظر إلى الموقف على نحو مختلف ووفق قواعد جديدة، معتقداً بأن تجاربه السابقة في القمع (سواء في الثمانينات، أو في 2004 بحق الأكراد) كافية لتحقيق النجاح له هذه المرة أيضاً.
غير أن أمراً بدهياً من جملة الأمور السياسية التي لم يدركها النظام السوري هذه المرة، هو أن ما يبدو صحيحاً ونافعاً في زمن ما ليس من الضرورة أن يكون كذلك في زمن آخر.
ولعل فشله في إدراك هذه الحقيقية هو ما سيمهد لسقوطه، أو يعزز من إمكانات ذلك.
__________
موقع أخبار الشرق