قبل وقوع الكارثة لا بد من اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة مشكلة الجفاف ومعاناة المواطنين

 المنظمة الكردية ( DAD )

  تمر سورية في هذا العام بموسم جفاف لم تمر به منذ عقود من الزمن إن لم نقل أنها لم تمر على البلاد أبداً، وامتدت بظلالها على كامل البلاد وخاصة على المحافظات الشرقية والجزيرة مما أدى إلى تلف جميع المحاصيل الزراعية البعلية المعتمدة على الأمطار وكذلك التأثير على المحاصيل المروية بحيث أدت على خفض أنتاجها إلى النصف أن لم يكن أكثر من ذلك، وإنفاق الغالبية الساحقة من الثروة الحيوانية نتيجة ندرة المراعي وعدم توفير الأعلاف الكافية من قبل الحكومة وما استتبعها من تأثيرات اقتصادية كارثية على أصحابي هذه الثروة الهامة.
  وإذا عرفنا أن أكثر من 50 % من سكان هذه المحافظات الثلاث ( الحسكة الرقة دير الزور ) تعتمد على الزراعات البعلية في مورد رزقها الوحيد وقرابة 15 % من سكانها يعتمدون على الزراعات المروية, و 15 % على الثروة الحيوانية, حتى نعرف كم هي حجم الكارثة التي حلت بهذه المحافظات، أضف إلى ذلك الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الاستهلاكية، وغلاء المعيشة، حتى نتنبأ بكارثة إنسانية لم تمر بها البلاد على الأقل من قرن من الزمن أن لم يكن أكثر بكثير، فكانت وكأنها شعرة معاوية التي قسمت ظهر البعير وكأن موسم الجفاف هذا العام جاء ليكون الجرعة القاتلة للأوضاع الاقتصادية والتي امتدت على عقود من الزمن من سيئ إلى أسوء، وليكن محافظة الحسكة نموذجاً لهذه المقالة لأننا أقرب إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي الموجود، ولنكن منصفين فإذا استثنينا الدعم الذي حظي به الزراعة أبان حكومة المهندس محمود الزعبي لنجد أن الأوضاع الاقتصادية تمضي من سيئ إلى أسوء وما استتبعها من هجرة الأيدي العاملة وخاصة من ريف هذه المحافظة إلى المدن الكبرى وخاصة العاصمة، حتى أنك وخاصة في هذا العام لا تجد في بعض القرى رجلاً عمره أقل من الأربعين سنة فما عسى أن نسمي هذه المحافظة.

وبعد ماذا نستخلص من نتائج ما نحن فيه:
1 – أن 50 % على الأقل من سكان هذه المحافظة أضحوا بدون مورد رزق نهائياً وذلك نتيجة تلف المحاصيل الزراعية البعلية مورد رزقهم الوحيد تلفاَ كاملاً ونتيجة افتقار هذه المحافظة إلى المشاريع التنموية الزراعية والصناعية والتجارية والتي كانت بإمكانها استيعاب الأيدي العاملة المحلية مما كانت ستخفف من حدة هذه الكارثة قدر الإمكان.

ولكن وبسبب سوء التخطيط الحكومي أو بسبب تقصد إهمال هذه المحافظة وشح المشاريع التنموية فيها وتمركز الغالبية الساحقة من المشاريع الموجودة على قلة عددها في العاصمة والمدن الداخلية، والتي سوف تؤدي إلى مشكلة أخرى لا تقل سوءً عن موسم الجفاف هذا حيث أنها ستجعل من الهجرة المستمرة منذ عقود من الزمن من هذه المحافظة إلى المدن الداخلية وخاصة   العاصمة في ذروتها وبالنتيجة فقدان التوازن البشري بين مناطق الدولة، وانتشار المخيمات والبيوت العشوائية حول المدن الكبيرة والعاصمة وانتشار الجريمة والأمراض والأوبئة في هذه الضواحي وفي المقابل ستفرغ هذه المحافظة من الأيدي العاملة الفتية، وأعداد هائلة من مجمل السكان وبالنتيجة ستؤدي إلى افتقار المنطقة أكثر فأكثر بسبب ضعف الإنتاج وقلة الاستهلاك وقلة التسوق والحركة السوقية.
  لقد جاء موسم الجفاف هذا العام ليكمل على ما نحن عليه منذ عقود من الزمن لتزيد من الفقر والفاقة ولتزيد من الفوارق الهائلة أصلاً بين هذه المحافظة وباقي المحافظات ( المحافظة النامية أم المحافظة النائية ) الأمر سيان بين الاثنين.
  هل نصدق بأن كل هذه الثروة النفطية التي تدرها هذه المحافظة بسخاء هذه العملة النادرة وكل هذه الثروة الزراعية والتي تعادل نصف ما تدره جميع محافظات البلاد مجتمعة وكذلك الغالبية الساحقة من الثروة الحيوانية من مجمل هذه الثروة على مستوى البلاد، هذا الثراء الفاحش الذي يتمتع به هذه المحافظة، وهذا الفقر المدقع الذي يعاني منه أبناء هذه المحافظة من حيث ندرة المشاريع الإنمائية والمصانع والمعامل والفقر المعيشي فإن دل هذا على شيء فأنه يدل على أمر غريب لا مثيل له ولا وجود له في كل مدن العالم.

 فمعروف أن مكان وجود الثروة أي ثروة كانت يكون مكان الانتعاش الاقتصادي وثراء سكانها, باستثناء هذه المحافظة الاستثنائية أصلاً.
  ولكي لا نسترسل كثيراً في سرد الواقع المأساوي المزمن للمنطقة وبغية الوقوف على المشكلة أو الكارثة التي تتربص بسكان هذه المحافظة والحلول التي من الممكن أن تخفف من حدة هذه المشكلة فإننا نرى الحل في إجراءين أو شقين:
1 – الشق الأول أو الإجراء الأول إجراء إسعافي سريع.


2 – الشق الثاني أو الأجراء الثاني إجراء طويل الأمد أو استراتيجي.

أولاً: بالنسبة إلى الأجراء ألإسعافي فأننا نرى ضرورة قيام الحكومة بعدت خطوات منها:
1 – حصر الديون المترتبة على المزارعين وخاصة مزارعي الأراضي البعلية المعتمدة على مياه الأمطار سواء كانت الديون النقدية أو العينية ( قيمة الأسمدة والبذار ) بحيث يتم إعفائهم تماماً من الديون المترتبة بذمتهم نتيجة زراعة موسم هذا العام وذلك نتيجة الظروف الجوية السيئة والتي تعتبر من قبيل القوة القاهرة التي ليس للمزارعين يد فيه وكذلك تقسيط ديون السنوات السابقة على أقساط طويلة الأمد ونقترح أن تكون / 10 / سنوات، كذلك تقسيط الديون المترتبة على مزارعي الأراضي المروية بما فيها ديون هذا العام والأعوام السابقة على أقساط طويلة الأمد ونقترح أن تكون / 10 / سنوات.
2 – منح جميع مزارعي الأراضي البعلية دون استثناء معونات نقدية تتراوح بين / 2500 / ل.س ولغاية / 5000 / ل.س للدونم الواحد أسوة بالجارة تركيا والتي منحت جميع مزارعيها معونات نقدية بلغت / 5000 / ل.س للدونم الواحد بسبب سوء الظروف الجوية.


3 – منح مكافآت أنتاج أو دعم سعر المحصول حسبما تراه مناسباً لجميع المحاصيل ( قمح، عدس،  شعير، ذرة،  قطن…..

س ولغايةبين / 10 / ل.س  ولغاية / 15 / ل.س لكل / 1 / كغ من المحصول حسب نوع المحصول بحيث لا يقل مكافأة أو دعم أنتاج القمح والقطن عن / 15 / ل.س لكل / 1 / كغ.
4 – إعادة الدعم للمواد الاستهلاكية وخاصة الأساسية منها ( رز، سكر،  شاي،  زيوت ) وتوفيرها لجميع المواطنين بما فيهم المجردين من الجنسية بموجب إحصاء عام 1962 ومعاملتهم في ذلك معاملة المواطنين ومراقبة الأسواق، وفرض العقوبات الزاجرة على المخالفين دون استثناء ولكن عن طريق القضاء الأصيل وليس القضاء الاستثنائي.


5 – البقاء على دعم المحروقات والخبز وتوفيرهما للمواطنين.
ثانياً: أما بالنسبة إلى الشق الثاني أو الأجراء الاستراتيجي الطويل الأمد فإننا نرى:
1 – ضرورة قيام الدولة بدعم الزراعة بشكل استراتيجي ثابت ومستقر بحيث يشجع على الهجرة العكسية من المدينة إلى الريف على غرار ما حصل أبان حكومة المهندس محمود الزعبي بحيث يشكل عامل جذب وإعادة للمهجرين وتشجيع على الإقامة والاستقرار والاستثمار ما قد يشكل ذلك من إعادة التوازن البشري والجغرافي.
2 – تأهيل قطاع الزراعة بحيث يتم تأهيل الخبراء الزراعيين والكوادر البشرية الزراعية وتحسين البذور وتهجين أنماط جديدة منها ما قد يؤثر بشكل ايجابي فعال على الاقتصاد الوطني وعلى الحياة المعاشية في المحافظة.
3 – إقامة جميع المعامل والمصانع التي تعتمد على المواد الأولية التي تنتجها هذه المحافظة في هذه المحافظة نفسها ابتداء من مصافي تكرير النفط إلى المحالج ومعامل الغزل والنسيج ومصانع الألبسة والقطنيات ومعامل الزيوت والبسكويت والمعكرونة وجميع المعامل والمصانع التي تعتمد على الحبوب ومخلفاتها في أنتاجها, والتي بدورها سوف تمتص الأيدي العاملة وتشجع على عودة المهاجرين إلى مناطقهم الأصلية وتحريك السوق المحلية وزيادة الاستهلاك بسبب ارتفاع الدخول.
4 – العمل على إقامة مشاريع ري واستثمار على نهر دجلة والذي لا يستفاد منه نهائياً وزيادة الاستفادة من مياه نهر الفرات.
5 – العمل على استقرار الملكيات الزراعية بتسجيل الأراضي على أسماء مالكيها دون الحصول على رخصة من وزارة الداخلية والدفاع أسوة ببقية محافظات البلاد.
6 – تشجيع التجارة بين سورية ودول الجوار ( تركيا – العراق ) واستصدار القوانين المشجعة لذلك, مما يفتح أبواب استثمارية جديدة وتشجيع على الإقامة والاستثمار في المنطقة وضخ الأموال في الأسواق المحلية وتشجيع للقطاع الخاص على الاستثمار في المحافظة وبالنتيجة تطوير للمحافظة وعودة سكانها إليها.
7 – رفع حصة المحافظة من الميزانية السنوية للدولة بحيث تساهم في تأهيل المحافظة تأهيلاً مناسباً من ناحية الخدمات والتعمير والتعليم والتطوير أسوة ببقية المحافظات لتكون محافظة نامية وليست محافظة نائية.
8 – إعادة الجنسية السورية إلى جميع المجردين منها نتيجة إحصاء عام 1962 وإصلاح النتائج الاقتصادية الكارثية التي نتجت بسببه وتعويض المتضررين بنتيجة ذلك.
9 – إعادة الموفدين من خارج المحافظة إلى المناطق الكردية نتيجة الحزام العربي وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين الذين كانوا في تلك الراضي أصلاً والذين تم حرمانهم منها تعسفاً وتوزيعها على الموفدين من خارج المحافظة بخطة ممنهجة.
  إننا نقترح على الحكومة القيام بهذه الخطوات الإسعافية لعلها تخفف قليلاً من حدة الكارثة المتربصة بسكان هذه المحافظة والتي وصلت إلى حافة الهاوية.


  لعل القيام بالخطوات الأخرى تنئي بسكان هذه المحافظة الوقوع في براثن سنوات الجحاف مستقبلاً وتعمل على تطوير وتأهيل المحافظة لتلحق بركب المحافظات الأخرى والتي بدورها تتخلف كثيراً عن ركب التطور العلمي عن مدن دول الجوار لكي لا نبعد كثيراً.
    
29 / 4 / 2008
 المنظمة الكردية
للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD )
www.dadkurd.com
dadkurd@gmail.com

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…