ثمن قول الحقيقة المرة

جمشيد داري

يوم السبت الماضي الموافق لـ 13 / 12 /2008 ، توفي في منزله الكائن في مدينة عامودا، الشخصية الوطنية البارزة صبغت سيدا، عن عمر ناهز الخامسة والستين عاماً، بعد معاناته ولعدة أشهر من مرض سرطان جهاز الهضم الذي كان السبب الأساسي لوفاته.
لسنا الآن بصدد الحديث عن الموت الذي سيدركنا جميعاً ولو أختبئنا في «بروج مشيدة» ولا عن مدى حزننا على شخصية متنور منورة، شخصية مهذبة مهذبة، شخصية كانت تحمل كل «الأسماء الحسنى»
شخصية ورثت الثقافة والنضال البطولي من أجل أمته الكردية المظلومة عن عائلته العريقة التي دفعت ثمن نضالها الوطني هجرة عن منطقة سكناها الأصلية في كردستان الشمالية «هيزان»، وفضلت على عيشها الرغيد السابق شظف العيش والتشرد في سهول الجزيرة وبراريها على يد الفرنسيين وبأوامر مباشرة من الدولة الطورانية التركية المتفاهمة مع سلطات الإنتداب الفرنسي وفق مبادئ «حسن الجوار».
عائلة جاعت وأبت أن تسترزق من صدقات وزكاة وهبات وعطايا أولي النعمة أو أولي الأمر …..الخ.
عائلة كان علماءها يمنحون في نهاية إتمامهم لتعليمهم الديني لطلابهم إلى جانب مختلف فنون القتال والزراعة … الخ ، شهادات تخرج بمثابة الشهادات الجامعية الحالية من ليسانس ودبلوم وماجستير ودكتوراه، ويذكر كثير من معمري المدينة في هذا المجال قائمة طويلة تضم أسماء معظم أفراد الجيل الأول من المثقفين ورواد القومية الكردية ممن تعلموا على أيدي الأخوين فتح الله وعبيد الله سيدا، نذكر منهم رشيد كرد وجكرخوين ….الخ.

بل نحن بصدد المأساة المبكية الناجمة عن إبتلاء شعبنا الكردي المظلوم بتسلط أصحاب القرار في أحزابنا الكردية على رقاب أبنائه.
صحيح أن معظم قيادي الأحزاب الكردية حضروا إلى خيمة العزاء وسجل الكثير منهم في سجل التعازي خواطرهم وذكرياتهم عن الفقيد، ربما ذرف بعضهم دموع الحزن على فقدانه، أو ربما أيضاً ذرف بعضهم دموع الفرح لتخلصهم من ذاك الرجل «المشاغب ، المشاكس ، المتطرف» الذي كان يقول دوماً بكل جرأة وصراحة: «قيادات الحركة الكردية الحالية، التي تضم في صفوفها بعض القادمين من الضباب، غير قادرة إطلاقاً على قيادة الشارع الكردي الذي فقد الثقة بها»، كما كان يقول :«الجماهير الكردية تجاوزت أحزابها في فهمها لعواقب الأمور واستعدادها للتمرد والانتفاضة ضد ظلم السلطة التي تزيد بممارساتها وفرماناتها العنصرية، من إحتقان أبناء هذا الشعب» كذلك كان يقول: «إن هذه الجماهير تتطلع بشغف إلى ذاك اليوم الحتمي الذي سيولد فيه جراء تراكم التجارب والإحباطات والإحتقانات – ذاك التنظيم الفتي، الشجاع غير المدجن، المولود من رحم معاناة تلك الجماهير والقادر على قيادة نضالها الوطني التحرري بأساليب ديمقراطية ثورية.
صحيح أن الكثير من قادة الأحزاب الكردية حضروا إلى خيمة العزاء وتسابقوا في تسجيل خواطرهم المضحكة وتعازيهم المبكية في سجل التعازي، غير أن كل الذي حدث، ولغايات شتى، لم يكن قادراً على أن يكفر عن ذنوبهم التي أرتكبوها بحق هذا الرجل العظيم الذي نطق بالحقيقة المرة، لقد قاطعوه في حياته وحتى وهو على فراش الموت وتركوه وحيداً، ليدفن بعد مماته بسويعات، كإنسان بسيط للغاية، من قبل أصدقائه المقربين وأولاده الذين أبت نفوسهم العزيزة أن تطلب مؤازرة «الآخرين»، بينما كانت منظمات جميع أحزابنا في عامودا منشغلة عن التأبين بجدلها السفسطائي المقيت : «هل الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة».
أعتقد أنها ستبقى تدور إلى أبد الآبدين في هذه الدوامة الدويخة، إلا إذا فهمت المعاني السامية للحكمة التالية، التي تصلح لكل زمان ومكان: (إن الشعوب الحية تحيي العظماء من أبنائها الأموات، أما الشعوب المتخلفة فلا يسعها إلا أن تميت العظماء من أحيائها)

عامودا في 17 / 12 / 2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…