اعرف نفسك…!

دهام حسن

ثمة مسألة، حقيقة تثير لدي مشكلا، ليس بالسهولة تناولها، وبالتالي أخذ موقف منسجم مع قناعاتي، موقف يتسم بالمصداقية من جانب، بحيث ألا أثير حفيظة الآخرين من جانب آخر، أراها معادلة صعبة لكنها ليست مستحيلة..

ومن عنده الجواب المقنع والناجع والمعلل، فلا يبخل علينا به،  بعد قراءته للنص؛ وحتى لا ننعت بالسفسطة، فسوف أطرح الموضوع بالشكل التالي..
أمامك نموذجان من البشر في رحم هذا الموضوع  المثار على النحو التالي..أولهما : عن الإنسان المنخرط في سلك الدولة، كبوق سياسي، أو مسؤول من الطبقة الثانية  فما دون، أو إعلامي مرتبط عضويا بآفة الدولة … وثانيهما عضو رفيع المستوى أو خفيضه، في حزب سياسي خارج السلطة، أو حتى داخلها، بمشاركة هامشية….
 السؤال اللاهث هو: هل المطلوب من (أولهما) أن يبرر للسلطة، للمسؤولين الكبار أخطاءهم، بل ثمة من يتطوع  مكرها أو مختارا للذود عن المسؤولين والدفاع عن أخطائهم، بل ربما تصدى أحدهم لتزويق ارتكابات المسؤولين بالمساحيق الخادعة المكشوفة….

هنا يمكن أن نقبل من سفير لدولة ما مثلا  أن ينقل وجهة نظر حكومته في مسألة من المسائل، سواء أكان مقتنعا بصوابيتها أم لا.؟  لكن أن ينبري هذا وذاك في تزييف الحقائق إرضاء لرغبة المسؤولين، أي أن يرضى لنفسه أن يكون عزقة في آلة الدولة ليس إلا، فهذا أمر آخر، ترى كيف يكون الشعور لديه داخليا ؟ وكيف يبرر موقفه أمام أسرته، وأمام الرأي العام، وأمام أصحابه.؟ حيث يسرون لبعضهم البعض ما لا نعلمه من خفايا  وأسرار…..
لكن الحالة عند  (ثانيهما) تكون أكثر مدعاة للتساؤل، بل للاستهجان والاستغراب؛ فإذا  كان لدى الفريق الأول ما يغري وما يفزع… السلطة، المال، الوجاهة، القمع، الحبس، الطرد، أي ما يستفيده هذا الفريق هو كثير، وما يخسره أيضا كثير..! إذا ما تجاوزنا بعض المبادئ والقيم… فماذا تخسر هؤلاء الكوادر ترى في أحزابهم وتنظيماتهم فيما إذا أخطأ المسؤول الأول أو الثاني، ولم يمتلك الشجاعة اللازمة، لتبدر منه الموقف الفضيلة، وهو الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه، وهنا نأتي إلى العضو المرؤوس المسكين المأمور، سواء أكان عضوا عاديا، أم كادرا مسؤولا.؟ هل يتوجب عليه أن يكذب ويكــّذب ما ينقل على لسان قائده، إذا كان يعلم علم اليقين أن قائده قائلها.؟ هل يبقى بيدقا على رقعة الشطرنج يعبث به المسؤول الأعلى درجة، فيحركه أنى أراد، وفي أي اتجاه شاء.؟ أما عليه أن يمتلك الشجاعة، ويواجه المسؤول بالقول: عليك تحمل تبعات خطئك، ولا يليق بنا أن نكذب لنبيض سواد صفحات أخطائك أو أغلاطك..

أليس  من المفروض أن يتحلى هذا القائد بالشجاعة فيواجه أخطاءه، يعترف بها ثم يتراجع عنها، لا أن يفرض على أعضاء الحزب بالكذب في الشارع وعلى الناس، لتبييض صفحة القائد أو المسؤول الكبير لا فرق … هذا العضو الكادر الحزبي، بأي وجه يقابل الآخرين.؟ وكيف يتقدم ويتطور.؟ وهل كسب ود القائد أولى من مصداقية الكادر مع نفسه ومع الآخرين.؟ وماذا يخسر ترى إذا صدق في كلامه.؟ فلن يخسر سوى موقع حزبي، لا يغني ولا يسمن؛ فكل فرد عليه أن يشعر بأنه قائد في حزبه، مهما كانت درجة عضويته، إذا اقتنع بسياسة حزبه، وعرف كيف يدافع عنها، وإذا تحلى بالمصداقية، واكتسب المعرفة في حدود ضرورية..إن احترام القائد أو المسؤول ضروري وواجب، بحيث لا يتحول هذا الاحترام إلى تبعية وذوبان النفس والتلاشي في عباءة القائد…
أقول أن الكادر الجيد الذي يحترم نفسه، سوف يحترمه الآخرون، مثل هذا الكادر لن يخسر إلا القليل إذا واجه أخطاء الكبار، لكنه بالمقابل يربح الكثير، وقبل هذا وذاك سوف يكسب نفسه أولا، ويكتسب مصداقية لها الأثر البالغ في حياته، ولها الأثر الدائر  بين خواصه المحيطين به..

تلك هي المسألة التي شغلتني وتشغلني، وأنا خلال رحلتي في هكذا أجواء وحالات، كنت رغم طبعي الهادئ في الظاهر، كثيرا ما كنت أتمرد من الداخل، بأضعف الإيمان، فما عليك أخي الناشط الحزبي وأنت أمام أمرين، بين أن تشتري نفسك أو تبيعها، فما عليك إلا أن تعرج معي لنطرق باب أحد الفلاسفة القدماء لنتمعن معا في قوله الصارخ، والذي يتداوله  الكثيرون  “اعرف نفسك ” 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…