فيما يلي نص الكلمة:
يا جماهير شعبنا الكردي في كل مكان ..
أيتها القوى الوطنية الشقيقة و الصديقة.
في الرابع عشر من حزيران من هذا العام تمر الذكرى الحادية و الخمسون لميلاد البارتي, كأول تنظيم سياسي كردي يعبر عن طموحات شعبنا الكردي في سوريا و آماله و تطلعاته في حياة حرة كريمة , تنتقي منها كل أسباب الاضطهاد و التمييز و التنكر و التجاهل لوجود شعب شقيق يعيش على أرضه التاريخية مع الشعب العربي , و مع سائر مكونات و أطياف المجتمع السوري ..
لقد جاءت ولادة البارتي الديمقراطي الكردستاني في سوريا في الصورة الأولى التي انبثق عنها الحزب 1957 , ثم تعديل التسمية إلى البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا ..
لتجيء هذه الولادة متوافقة مع الوعي السياسي الكردي في سوريا, كحصيلة للوعي القومي العام في المنطقة و العالم , و الرؤية التحررية الكردستانية المتعاظمة نتيجة الثورات و الانتفاضات في كل مكان, حيث لم تكن لتخمد ثورة إلا لتندلع أخرى, في تتابع فريد قلّ نظيره في الثورات التحررية الوطنية, ليكون البارتي خلاصة صيغة قومية و تحررية واضحة المعالم, كما بدا الاتجاه الوطني واضحا و الذي تجلى في مناشدة لكل القوى الوطنية التحررية للإصغاء إلى صوت الشعب الكردي في سوريا لرفع كل أشكال الغبن و التجاهل و التمييز بحق أبنائه , بأسلوب نضالي سلمي و مدني , يعتمد صيغة متحضرة , تنفي كل أشكال الوصاية و القمع و الملاحقة , والتفكير الأحادي المعتمد من قبل الحكومات المتعاقبة في سوريا, باعتماد صيغة أحادية تقر بشرعية الوجود العربي فقط دون سائر المكونات الأساسية للمجتمع السوري, في تنكر واضح للتركيبة الأثنية و المجتمعية في سوريا, و إنكار أي وجود للآخرين بما فيهم الكرد و إنكار ما يتبع ذلك من ثقافة و فن و لغة و تراث و أدب, و ما يميز هذا الشعب في عاداته و تقاليده و نظم حياته , و لقد سعت هذه الأنظمة إلى إنكار أي مظهر قومي كردي , أو أي وجود دستوري يعتمد صيغة التعددية الأثنية في سوريا , بالإضافة إلى شنّ حملة منظمة لمحاربة هذا الوجود , و وضعه في خانة الاتهام و إبعاده عن أي توجه سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي , بل ممارسة السياسات الاستثنائية و العنصرية بحقه , بتجريد الآلاف من أبنائه من أراضيهم و توزيعها على فلاحين عرب مستجلبين من محافظات أخرى في أخصب المناطق الكردية على طول الحدود السورية التركية كحزام عربي أمني , إلى جانب تجريد مئات الألوف من الهوية الوطنية بحجة هجرتهم غير الشرعية إلى سوريا , إلى جانب فصل الطلبة الكرد من المعاهد و الجامعات بحجة كونهم خطرين على أمن الدولة , و مضايقة العاملين الكرد في قطاعات و مؤسسات الحكومة , و تضييق الفرص أمام الكفاءات و الطاقات الكردية ..
مما جعل النضال السلمي المشروع للبارتي ضرورة وطنية و قومية مُلحّة , لتصحيح المسار , و ترتيب البيت السوري وفق قيم العدالة و التكافؤ و المواطنة الحرة الصحيحة , بمعزل عن الانتماء القومي و الفكري و السياسي, لرفع دعائم فكر تعددي , قائم على التنوع الذي يصلح أن يكون أساسا لتعايش سلمي وفق منهج ديمقراطي عادل, يعتمد عقدا اجتماعيا جديدا و قائما على صيغة عيش مشترك , تغتني به الفئات المختلفة , و تتعاون من خلالها الثقافات و الاتجاهات المتنوعة لإغناء المجتمع السوري , و إعطائه بعدا حضاريا متقدما , و هو ما كان من ثوابت الحزب و ما أكدنا عليه عبر تاريخ نضالي طويل ..
لقد ناضل البارتي الديمقراطي الكردي على الرغم من كل الضغوط و الأساليب و الوسائل الحائلة دون تطوّره و ارتقائه و خروجه من دائرة الحصار , و تعرضه لكل أسباب الانقسام و التشرذم (منذ الانقسام الأول 1965 , و ما تلته من هزّات متوالية , 1975 , 1981,1988 , 1998 , 2003) , لقد ناضل الحزب بصلابة و مبدئية و رؤية عقائدية , تستمد قوتها و عمقها و أصالتها من جماهير الشعب الكردي و قواه و نخبه و رموزه الوطنية , و تقاليده النضالية العريقة , و رؤيته الكردستانية الواضحة , و التي كانت المؤتمرات المتتالية للحزب تكرّس هذا الخط , و تعمق تلازمه مع الرؤية الوطنية , ليجد من الهزات و الانقسامات قوة مواجهة ترفع من إمكانات التحدي و الاستمرار و المثابرة , و ليجدد نفسه , و يستمر في النضال على الرغم من كل أشكال الممارسات الجائرة بحقه , مستعليا على الجراح , ساعيا إلى البناء منذ المؤتمر التوحيدي الأول في 16 آب 1970 , ثم المؤتمر التأسيسي في صيف 1972, و ما تلته من محطات و منعطفات و كونفراسات , ليؤسس لتنظيم ممتد في عمق قناعاته و طموحات جماهيره , رغم كل المؤامرات و الدسائس و ألوان التشويه التي ابتلي بها , و حاولت تفتيته و النيل من عزيمة كوادره و خيرة مناضليه و شقّ صفوفهم , ليؤكد على الدوام إيمانه المطلق بوحدة القضية الكردية في سوريا , ووحدة هدفها و آمالها و أداتها النضالية , و ضرورة انعتاق الشعب الكردي و تحرره , و نيله حقوقه المشروعة , ووصوله إلى طموحاته الوطنية و القومية المشروعة , حتى كان المؤتمر العاشر في تموز 2007 , تلك المحطة الانتقالية الهامة , لإعادة الاعتبار للحزب و إعادة خطه الوطني , و رفع وتيرته النضالية , و تثبيت اسمه بالعودة إلى التسمية الأولى (البارتي) و صياغة نهجه و العودة به إلى ثوابته و فكره المتجدد , يجذر للنضال القومي و الوطني , و يعطيه بعده المتألق في نهج وطني و قومي يتلازم فيه الخط التحرري مع مواكبة متجددة لرؤية حضارية و مدنية رائدة , تجلت في اعتماد نهج البارزاني الخالد , مدرسة في الوطنية و الإقدام و السلم و الرؤية المتوازنة , و الصيغة النضالية الرفيعة بما يؤسس لعلاقة مجتمعية متميزة في سوريا , تدعو الحركة التحررية الكردية و الوطنية إلى مراجعة جادة و مثمرة لبناء جبهة نضالية حقيقية و مبدئية , تعتمد توحيد الحركة الكردية , في صيغة عمل نضالي , يبرمج لمرجعية تلبي الضرورات الوطنية و القومية في مرحلة تتسم بالدقة و الحسم و ضرورة الارتقاء إلى آفاق المرحلة , و حساسيتها و دقة المنعطف التاريخي , و مآل وتطورات القضية الكردية وطنيا و إقليميا و عالميا , و حشد و تعبئة الطاقات الوطنية و القومية للحركة و آفاقها التحررية و المدنية في ظل المرجعية المرتقبة ..
أيها الحضور الكريم : لقد جاء البارتي تلبية لطموح قومي , و تعبيرا عن إرادة حياتية ترفض كل أشكال الظلم و الوصاية و الاضطهاد و الإلغاء ..
و ترفع دعائم فكر إنساني تحرري , و رؤية تجددية تحمل كل أبعاد الرؤية المجتمعية المتوازنة و المتكاملة ..
ليجد في طاقات رفاقه و جماهيره و القوى الوطنية و التحررية الكردية و الصديقة في سوريا سندا كبيرا لهذه الرؤية , و عاملا حاسما لإنجاح المسعى النضالي الوطني و ترسيخ دعائمه على أسس برامجية واضحة , و تتويج المسيرة بمزيد من التلاقي و التكامل و بناء رؤية شاملة تحت قاعدة عيش كريم , ووئام و سلام , و تقدم و ازدهار و نهج ديمقراطي مدني , يعطي التركيبة المجتمعية السورية كل أسباب الامتداد و الارتقاء و التطورو الازدهار العلمي و الاجمتاعي و الاقتصادي , في ظل تعددية سياسية حقيقية , للحاق بركب الحضارة الإنسانية , و رفدها بكل الطاقات و الإمكانات لبناء عالم يخلو من كل أشكال الاضطهاد و التمييز و الاستغلال و النظرة العنصرية الاستعلائية , و كل ألوان الاستبداد و القمع و أنماطه و أساليبه الضارة ..
في نهج متكامل واضح المعالم , ثابت الأسس , يستمد قوته من وضوحه و واقعيته و مرونته و قدرته على التواصل مع فكر حضاري متجدد و متطور ..
آملين أن يتألق هذا النهج مع المسيرة النضالية المتواصلة للحركة التحررية الكردية و الوطنية في سوريا ..
أواسط حزيران 2008