اتفق أن اعتقلت في عام 1962لأسباب حزبية سياسية، وكان في السجن ملا محمد جميل سيدا، الذي استضافني مرحبا، وكان معه درويش ملا سليمان رحمهما الله، وكان في السجن أيضا شباب ناصريون، ثم جيء بمعتقلين آخرين، الشاب الاقتحامي الجريء كمال محمد ( كمال شامباز ) الذي قتل غيلة فيما بعد في لبنان ورفيق سياسي متميز بين الطلاب هو سعيد منتش، واعتقل معنا الرفيق المرحوم ديبوإلياس، وكان قد سبقنا إلى السجن الرفيق صبحي أنطون، وهو من الحسكة، الذي حادثني ونبهني إلى أشياء لحداثة سني….
انتهى حكم الانفصال في عام 1963 بمجيء حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة إثر انقلاب ثوري في الثامن من آذار 1963 وما زال الحزب هو الحاكم الفعلي لتاريخه..
وقد شهد حزب البعث صراعات داخلية انتهت أخيرا بالحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله في تشرين الثاني من عام 1970…
لقد شهدت الحركة السياسية الكردية كل هذه الإرهاصات، واستطاعت مواصلة نشاطها السياسي بدأب ضمن هذه الأجواء المتغيرة سريعا، والمتلبدة دوما بالغيوم، كل ذلك بهمة واقتدار من قبل كوادر الحركة من هنا وهناك…
إن الذين يحكمون اليوم على تاريخ الحركة الكردية بالقصور أو بالسلب والتهجم، عليهم أن يدركوا حجم القضية التي اضطلع بها السياسيون الكرد أولا، وعليهم أيضا أن يدركوا مع من كانوا يتعاملون في طرح قضاياهم، في أنظمة شمولية وقمعية دوما ثانيا، ويعوا الظروف عامة، ثالثا ورابعا… لاسيما الظروف الذاتية لشعبنا…التخلف، الجهل، الفقر ، التوزع الديموغرافي، هذه الأسباب مجتمعة وربما غيرها من الأسباب، كانت العائق الحائل دون تحقيق أحلام وتطلعات الكرد، لكن لا يمكن أن نغبن الحركة، بما توصلت إليه من بروز الحركة اليوم على ساحة الوطن كمعادلة لا يمكن تجازها، أو تجاهلها، فقد غدت حركة وطنية على صعيد البلاد، تخطب ودّها الحركة القومية العربية وسواها من الحركات الأخرى كالحركة الآثورية مثلا، واستطاعت عبر أنشطتها وعبر ممثليها في الخارج أن توصل صوتها إلى سائر القارات…
بعد هذا نأتي فنقول ..
ما ذا استجد اليوم.؟ وما هو واقع الحركة الراهن.؟ وأخيرا…ما العمل.؟
إن الحركة تعاني اليوم حالة من التشتت والتشرذم واضحة لكل ذي بصر وبصيرة،..
بضعة عشر حزبا أو تنظيما، روح الجفاء والتنابذ، الذي نلحظه في الشارع، وفي الصحافة، فضلا عن الضعف الواضح داخل كل تنظيم، افتقار الحركة إلى رؤية منهجية للنضال التكتيكي والاستراتيجي، تباعد الشعارات المطروحة بين هذا الفريق وذاك، بروز كوادر قيادية جديدة تفتقر للخبرة رغم حماسها، على حساب آخرين أكفاء يقصون بالتكتل والكيدية، ظهور دونكيشوتي الثورة، الذي يحاربون في الهواء دونما حسبان للواقع المعيش، طغيان الذاتية والأنانية المفرطة على فاعلية الحزب، أي حزب، تفشي لغة العمالة والتخوين، تشرذم الحركة إلى فصائل جدا صغيرة، كثيرا ما يتباهى فصيل ما بولائه لمدرسة، ناسين أن النضال العملي والممارسة اليومية، وترجمة الأقوال إلى ممارسة وأفعال، هو الذي يكسب الحزب مصداقية وحسن سلوك ، وليس الولاء لطود مهما سما شموخه…!
هذا هو الواقع اليوم، فما الذي استجد اليوم على الحركة.؟ الحقيقة إن الذي استجد هو كبير وكثير..! لكن هل قدرنا على قراءة صحيحة للمستجدات.!؟ يكفي أن نقول هذا التحول الكبير الذي يشهده العالم برمته ، وهذه الثورة، ثورة المعلومات والاتصالات، التي جذبت حتى انتباه المغفلين، فتفتحت العيون لأشياء جديدة، لعالم جديد، أصبحنا نتابع، ونقرأ ونسمع لمفكر في أقاصي الدنيا، يحكي ويشرح لنا السياسة بلغة معرفية جديدة، وصرنا ــ بالتالي ــ نمل بعد هذا أن نقرأ صحيفة، أو نسمع محاضرة من سياسي من عندنا كلاسيكي في فكره الماضوي، هو نفسه ( دقة قديمة)، لا يجيد ألف باء السياسة، سوى أن يكون في القيادة فحسب، ويحكي دوما أنه على حق….!
اليوم تطرح مسألة المرجعية، ورغم الشكوك التي تراودني من أن هذا الطرح ربما يكون موسميا لانقشاع سحابة ما، أمام بعض الداعين إليها، وليس دعوة صادقة من قبل البعض على الأقل، وصعوبة اتفاق قادة الأحزاب فيما بينهم على صيغة المرجعية من حيث المهام والصلاحيات، لذلك قلت بأنه ضرب من الخيال صعب تحقيقه، رغم هذا الشك الذي قد يراود الكثيرين سواي فلا بد من السعي لإنجاز المرجعية ولو بشكل غير مرض تماما، كما يحلم المنادون به….
هذا من ناحية ولكن الشيء الذي أفكر فيه اليوم هو شيء آخر…أتجرأ وأقول إن الأحزاب الكردية ليس بإمكانها فعل أي شيء ضمن هذا الإطار الحالي المشتت من التنظيم، لابد من إطار تنظيمي جديد، حيث الشكل الحالي ما عاد يجاري لغة اليوم، والإطار الجديد هذا، لا يتأتى، ولن يتحقق، إلا بوقفة جريئة مع الذات، والإقرار بالحقيقة الساطعة، وهي أن تنضم بعض التنظيمات إلى بعضها ليشكلوا بالتالي حزبا حقيقيا، من المعيب أن تسمي نفسها بعض التنظيمات حزبا سياسيا، في حين هي عاجزة أن تغطي لجنة حزبية بكادر كفوء..! على القيادات أن تضحي ولو مرة واحدة، في سبيل شعبهم الكردي، وأن يرفعوا شعار الوحدة، وحدة الأحزاب والتنظيمات الكردية، وإلا فسوف ينقرضون كالديناصورات القزمة ولن يرحمهم التاريخ….
ليس أما م الأحزاب الكردية سوى أن تنتظم في حزبين لا أكثر، فإن تعذر فثلاثة فحسب،حتى يصادقوا شعبهم، ويصدقهم شعبهم، والوضع التنظيمي لكل الأحزاب مكشوف لكل الناس بأنه وضع بائس… والذي يهرب من الوحدة، يعرفه الآخرون، وهروبه نابع من ضعفه وعجزه وبسبب ولائه، الذي يقتات به، وتلك بعض الأسباب، أما المخلص والواثق من نفسه، فلن يضيره إن توحدت الأحزاب ولو خسر هو كرسيه، لأنه لن يفقد دوره داخل المجتمع..
ولكن هيهات أن ينتصح من في آذانهم وقر…وعلى شعبنا الكردي أن يدفع بهذا الاتجاه، اتجاه تلاقي الأحزاب، فهذا لمصلحة الشعب الكردي ومصلحة الأحزاب أيضا، وإلا فانتبهوا للقادم، ربما كان القادم أدهى وأعظم…!