جلسة مع أوجلان

  نجيب بالايي*
الترجمة عن الكرديّة: هوشنك أوسي

حين كان زعيم حزب العمال الكردستاني متواجداً في العاصمة الإيطاليّة روما، شتاء 1999، كُنتُ ضمن وفدٍ، مؤلَّف من عدَّة أشخاص، توجهنا من برلين صوب روما، للقاء السيد عبدالله أوجلان.

واستغرق اللقاء به، ما بين ساعة وساعة ونصف، تمَّ خلاله مناقشة الكثير من المواضيع والقضايا.

لكن، محور تلك النقاشات كان الوضع الكردي العام وقتئذ، والغموض الذي يكتنف مصير أوجلان حينئذ.

وفي سياق هذا اللقاء الودّي الشفَّاف، لفت انتباهي، وقع عبارة قويَّة للسيّد أوجلان، حين قال: “انظروا؛ في سياق المسيرة الطويلة لحركة الشمال (يقصد شمال كردستان / كردستان تركيا)، بقيادة حزب العمال الكردستاني، لاقينا مصاعب وآلام وعذابات كثيرة.

وبذلنا تضحيات غالية وقيّمة، حتّى استطعنا إقناع شعبنا، فقط بمعنى كلمتي الكرد وكردستان.

ولقد نجحت حركتنا في تحقيق هذا الهدف.

والآن، أمكن لكلّ فرد من أبناء شبعنا أن يقول بأريحية: أنا كرديّ، وأنا كردستانيّ.

وعليه، ينتظرنا أيضاً، آلام وعذابات أكبر وأكثر، حتى نتمكَّن من إقناع العدو بمعنى هاتين الكلمتين”.
تسعة أعوام مضت على ذلك اللقاء، ولا زالت تلك العبارة تطنُّ في أذنيَّ.

ولا أزلت أشاطر السيّد أوجلان رأيه ذاك.

وليس خافياً أنه كان هنالك أحزاب وتنظيمات كثيرة ونشطة، عدى عن حزب العمال الكردستاني، هي أيضاً بذلت الكثير من التضحيات في سبيل تحرير شعبنا في شمال كردستان.

لكن، ثمَّة فوارق جوهريَّة بين تلك الحركات والأحزاب وحزب العمال الكردستاني، تميّز الأخير عن غيره.

وهو، أن حزب العمال الكردستاني، أوجد وعياً وفهماً نظريَّاً جديداً، ووضعه حيّز التطبيق بين جماهير الشعب الكردي.

ويتمثل ذلك الفهم او المفهوم، بجسارة وشجاعة الشعب.

يعني، بدأت ترى نساء ورجال، أطفال وكهول كردستان، قد تحوَّلوا إلى شجعان في نفس اللحظة، حيث أكسبهم حزب العمال وصف شجاعة وبسالة الشعب.

والأمثلة والنماذج حول هذه الشجاعة والقهرمانيَّة، تجدها يوميَّاً في ميادين وساحات وشوارع وأزقة مدن كردستان وتركيا.

وفي الفترة ما بين 1993 و 1994، كنتُ متواجداً في كردستان الشماليَّة، وكنت شاهداً على وحشيَّة الدولة التركيَّة.

كنت شاهداً على اغتيال محمد سنجار، وودّالله، والدكتور بهجت… وآخرين كُثر.

كانوا مدنيين أبرياء، اقتادتهم عناصر الوحدات الخاصة والاستخبارات التركيَّة الـ”MIT”، من أمكان عملهم، او أخذتهم ليلاً من بيوتهم، وقامت بتصفيتهم رمياً بالرصاص.
وحتى تعترف تركيا بحقيقة تلك الكلمتين المذكورتين أعلاه، من الأهميَّة بمكان ان تتوفّر بعض الشروط، أوردها كالتالي:
1.

   من الآن فصاعداً، ينبغي على كافة الفصائل الكرديَّة الموجودة في كردستان الشماليَّة، أن تلتئم تحت سقف جبهة موحَّدة، تأهُّباً للانتخابات المحليَّة المزمع إجراؤها الربيع المقبل.

تماماً، على شاكلة الجبهة الكردستانيَّة التي تشكَّلت قبل انتفاضة آذار سنة 1991 في كردستان الجنوبيَّة.

وينبغي تدعيم وتقوية هذه الجبهة، وتوضيح المطالب الكرديَّة عبرها للرأي العام.
2.

   ينبغي أن يوحِّد ويكثِّف الأكراد جهودهم، وبشكل متوازي، على ثلاثة محاور وقنوات، هي؛ كركوك وهولير ودياربكر.

يعني، ينبغي ان تصبح كركوك ضمن حدود إقليم كردستان العراق الفيدرالي.
3.

   يجب إزالة الكثير من المقولات الرائجة او الدارجة بين الأكراد في كردستان الشماليَّة، والتي يسعى الأعداء إلى غرسها في المجتمع الكردي، حول الكرديّ الجيّد والكرديّ السيّئ.

لأن التاريخ أثبت ألاَّ فرق بين الكردي الجيّد والسيّئ، في أعين الذين يضطهدون الكرد.
4.

   ينبغي على أكراد الشمال إلاَّ يعوِّلوا أبداً في نشاطهم على أجندة الغرب.

يجب ان يركِّزوا جهودهم على اتفاق الأكراد فيما بينهم، وهذا أفضل لهم من الركون الى الرهانات الخارجيّة.

وقد أثبتت التجارب الأخيرة، ان أوروبا والغرب، لن تضحّي بمصالحها في سبيل الالتزام بالقيم الإنسانيّة والدفاع عن حقوق الإنسانَ، ما فضح ازدواجيَّة المعايير والنفاق لديهم.

وللتأكيد على ذلك، يمكنني الإشارة إلى لائحة المنظمات الإرهابيَّة، حيث أزال الاتحاد الأوروبي اسم منظمة “مجاهدي خلق” من هذه اللائحة مؤخَّراً، في حين، لا زالت تدرج اسم حزب العمال الكردستاني ضمن هذه اللائحة.

وبالرغم أن ديوان العدالة الاوروبيّة أصدر قراره بلاقانونيَّة إدراج حزب العمال في هذه اللائحة، بيد أن نظم هذه الدول، ألقت بقرار ديوان العدالة أرضاً، تماشياً وانسجاماً مع المصالح التي تربطها بتركيا.
5.

   ينبغي أن يكون هنالك تنسيق، على أعلى المستويات، بين الشمال والجنوب، شريطة ان يكون ضمن القنوات السريَّة.
6.

   يجب على أكرادنا في الجنوب، أن يكون أكثر حزماً مع السياسات الأمريكيّة في العراق، وألاَّ ينصاعوا لأيّ كلام يبدر منهم.

لأن أمريكا حاليّاً، أكثر حاجة بالأكراد من أيّ وقت مضى.

وحتى الآن، لم تساند أمريكا الأكراد في أيّ نقطة.

وحفاظاً على مصالحها، تسعى أمريكا لإرضاء بعض الدول العربيَّة وتركيا، ورجَّحت ذلك على كفّة مساندة الأكراد.

ويبدو ان أمريكا تسعى لضبط علاقتها مع الاكراد، في إطار المنافع الآنيَّة.
7.

   على ضوء المباحثات المكوكيَّة، الثلاثيَّة (التركيَّة _ الأمريكيَّة _ العراقيَّة)، يجب على أكراد العراق وقادتهم، لعب دور فاعل وإيجابي، يقضي بعرقلة تمرير الأجندة الأردوغانيَّة ونجاحها.

وباعتقادي، إنْ مسّ الحركة الكرديَّة في الشمال أي ضرر من تلك المباحثات والعلاقات، هذا يعني ان كردستان الشماليَّة ستبقى رازحة تحت هويّة وسلطة العثمانيَّة الجديدة، لأربعة قرون قادمة.

فحزب العدالة والتنمية وزعيمه، هو الخطر الأكبر الذي يهدد الشعب الكردي قي الشمال.
8.

   ينبغي على الأكراد، أن يهتمّوا بالمسألة الاقتصاديّة أكثر من السياسيَّة.

والأزمة الاقتصاديَّة التي تعصف بالعالم مؤخَّراً، يمكنها ان تقلب كلّ شيء رأساً على عقب.

وقد تخلق مفاجآت في الأيام القادمة، لم تكن في الحسبان.
* كاتب كردي عراقي
عن “آزاديا ولات” الكرديَّة الصادرة في آمد يوم 31/10/2008.
http://azadiyawelat.com/nuce.aspx?n_id=4064&cure=forum

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…