سورية: مرسوم عجائبي وقمع استعلائي

عبدالباسط سيدا

يعيش الشعب الكردي في سورية المغلوب على أمره هذه الأيام حالة احتقان وترقب، ظهرت بواكيرها إثر صدور ما يسمى بـ “المرسوم التشريعي” رقم 49 لعام 2008 الذي يتقّطر ظلماً وعنصرية وحقداً، وتفاعلت لاحقاً في سياق جملة الاعتراضات من قبل الناس، وما قابلتها من تهديدات وممارسات من جانب الأجهزة الأمنية التي باتت كابوسا ثقيلاً يخلخل أوصال المجتمع السوري، وينهكه من الداخل، وذلك عبر عمليات النهب والسلب والتسلّط من دون أية خشية من مساءلة شكلية أو فعلية أمام القانون؛ فهي قد غدت “الدولة” الخفية التي تتحكّم بسورية دولة ومجتمعاً وأفراداً.
  وقد جاء القمع الفظ للاحتجاج السلمي المشروع الذي توجه المشاركون فيه إلى المكان المحدد (أمام البرلمان السوري) وفي الزمان المحدد (الساعة 11.00- 2-11-2008)  المعلنين منذ وقت ليس بالقصير؛ وذلك للتعبير عن مطالبتهم المشروعة أمام النواب من أعضاء مجلس الشعب – الذين يمثّلون (رسمياً) الشعب السوري بمختلف شرائحه- بإلغاء المرسوم المشار إليه، كونه يفرض – عن سابق قصد وتصميم- الشلل التام على جميع حالات بيع، وشراء، واستئجار، وتسجيل العقارات، والأراضي الزراعية في المناطق الكردية، وتعليل ذلك بذرائع واهية لا أساس لها.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أن هذا المرسوم إنما هو حلقة ضمن سلسلة تمثّل السياسة الرسمية الموجهة نحو الشعب الكردي في سورية؛ وهي سياسة تبغي إلغاء الوجود الكردي عبر سلب الأراضي ومصادرتها ، والتجريد من الجنسية، إلى جانب التعريب القسري، وغير ذلك من الإجراءات التعسفية المستمرة؛ هذا ناهيك عن وضعية التخلف الشمولي المفروضة على المناطق الكردية، إلى جانب النهب المتواصل لأملاك المجتمع والأفراد الذي يتم من قبل الأجهزة الأمنية والمتعاونين معها في مختلف الدوائر الحكومية، كل وفق موقعه، وحسب نفوذه وقوته.
إن إقدام “النظام” السوري على اعتقال العشرات من القيادات والكوادر الكردية، والناشطين والمواطنين الكرد، يؤكد أن هذا النظام مصمم على سياسة المواجهة مع مواطنيه؛ وهو يستغل ذلك في إطار لعبة تهييج عنصرية مقيتة غريبة على المجتمع السوري، لعبة أتقنها النظام المذكور بغرض التفريق بين أبناء الوطن الواحد، ودفعهم نحو مواجهات لا تخدم سوى النظام نفسه، الذي يفعل كل شيء من أجل أن يستمر في التحكّم بالبلد وأهله.
الشعب السوري بكل مكوناته (خاصة الاخوة العرب شركاء التاريخ والذاكرة والثقافة والوطن) مدعو إلى التنبه لما يحدث، أو سيحدث مستقبلاً من تداعيات لن تخدم مصلحة الوطن والشعب.

فما يتعرض له الشعب الكردي راهناً من قهر وقمع، وتهميش وإلغاء، سيلحق الضرر بسورية الوطن، وبالوحدة الوطنية، الأمر الذي لن يكون في صالح أي وطني مخلص.
الكل مطالب بالتنبه لمخاطر ما يجري، واتخاذ الموقف التضامني المنشود، فذلك من مصلحة الجميع، ومن موجبات التواصل بين أبناء الوطن الواحد.

ومن باب أولى في هذه المناسبة أن نتوجه إلى جميع الأحزاب الكردية، سواء تلك التي شاركت في التجمع الاحتجاجي، أو لم تشارك، لنؤكد ضرورة الارتقاء نحو ما يقتضيه الموقف، والسمو فوق المشاحنات الفارغة التي تنهك من دون أن تؤدي إلى أية نتيجة.

 الموقف على غاية الخطورة، وهو يستوجب المزيد من التنسيق والمتابعة مع كل شرائح المجتمع الكردي، وذلك للقيام بعمل مشترك بنّاء في مواجهة ظلم مفروض غير المسبوق.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…