مشعل التمو وسطوات الخطّ الأحمر

إبراهيم اليوسف

ثمّة علاقة حميمة تربطني بالكاتب الكردي مشعل التمو ، وهي كانت- دائما ً- مدعاة ردود فعل وعدم راحة، وحسد ، من قبل بعضهم ، من حولنا ، وهم عموماً أناس، كثيرو القول ، قليلو العمل ، في أقل توصيف لهم ، ممّن يريد كل منهم-على حده وعلى اختلاف وجهات نظرهم – من المرء ، أن يكون وفق ما يرسم ، وما يخطط ، له ، بببّغاوية، ممن يقول عنهم الأستاذ مشعل كلما استأت منهم: هؤلاء وجودهم ضروري كي نعمل…!.
مؤكّد ، أنّه كانت لأبي فارس آراء خاصة به ، ولاسيّما في السنوات الأخيرة ، بعد تأسيس تيّار المستقبل الكردي في سوريا ، وهذا من حقّه ، كما أنّ لي آرائي الخاصة بي ، في المقابل ، وهو ما لم يمنع إلى وقت طويل ، من استمرار علاقتنا كصديقين ، حتّى في أشدّ ، بل و في ذروة لحظات الاختلاف ، في ما بعد ، حيث لم يتمّ  قطع  شعرة معاوية من قبلنا الإثنين ، بعكس حالات الاختلاف عادةً…..!
أعترف ، أنّني تعلمت من الصديق مشعل التمو الكثير ، خاصة وأنّني وهو وقلة من كردنا ، كنّا من الأوائل الذين عبروا عن آرائهم، بعيد- ربيع دمشق- ضمن دائرة دفع الرأي الآخر ، إلى أقصى أمدائه ، كل بحسب فهمه ، ورؤاه ، وقناعاته…..!
لا أريد هنا ، أن أوّرخ لعلاقتي بصديقي أبي فارس ، لأن المقام لا يتسع لذلك ، ولقد أمضينا معاً سنوات طويلة ، أنا ككادر في حزب أممّي ، وهو كناشط في الحركة الكردية ، حيث كنت أجد لديه تلك الرّوح الوطنية العالية ، هذه الروح التي لم يتخلّ عنها ، قيد إنملة ، في كلّ محطة من محطات تجربته السياسية الثرّة والمثيرة ، كشخص كارزمي ، ذي حضور كردي وكردستاني ، وسوري ، بل أوسع ، دائما.
صديقنا المشترك – ريزان شيخموس – وهو الذي مع قلة من الآخرين ، أعدهم “صمّام الأمان” لصداقتنا، يذكّرني -كلّما اشتدّ وطيس الاختلاف-  بيننا ، وهو ما لا أريده مع أحد ، خاصة في السنوات الأخيرة ، بأن مشعل ليثق بي  كصديق بلا حدود ، وليس أدلّ على ذلك من أنّه كان شاهداً على حوار هاتفي تمّ بيننا ، حين اتصلت به ، إبّان جريمة خطف الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي ، كي أسأله وأنا في لحظة كربة خانقة :
ما العمل ؟ ، وهو تماما ً ما قمت به – برهتئذ- مع كثيرين ، من بين أطراف وشخصيات الحركة الكردية، فقال لي، وهما معاً في سيّارته الخاصة ، يتوجّهان إلى مدينة الحسكة :
أفوّضك أن تكتب عنّا بيانا ً باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا، ما دمت مشغولاً، على أن تبيّن فيه حرفيا ً أن اعتقال الشيخ معشوق خط أحمر ..!،  وراح صديقنا المشترك ، يوضّح بأكثر ، قائلاً :
لقد قال لك ، ذلك ، رغم أنك لست من رفاق تيار المستقبل الكردي، ورغم حرص مشعل دوماً على تدقيق بيانات التيار، كما أننا الاثنين -أنا وريزان- كنّا معه في سيارته ، قاصدين بيته في الرّميلان، حين أعلمه المحامي إبراهيم حنا – ونحن في طريقنا بعد- باعتقال ولده فارس، وبطريقة تشبه طريقة اعتقاله الآن، فقطع رحلتنا، آنذاك ، قافلاً إلى قامشلي ، يداري بثقة كبرى شريكة عمره ، أمّ فارس ،هاتفياً ، طوال مسافة الطريق، مخفّفاً عنها صدمة التوتر، والقلق ، إلى أن اعترفت الجهة التي اعتقلته أخيراً بوجوده لديها، وتمّ إطلاق سراحه تالياً…..! 
طبعا ً، لقد صاحبت مشعل في محطّات كثيرة ، داخل سوريا ، وفي خارجها ، عرفت عنه الكثير….

الكثير ، فوجدته- في ما يمكن قوله الآن هنا- محاورا ً فذّا ً من الطراز المتفرد ، سندني شخصيا ً، بروح أخوية في أكثر من مرّة، وكنت أستمدّ منه الثقة أثناء مواقف عرضية ، كنت أنفعل خلالها، على عادتي ، وإن كان نتيجة عمق معاشرتي معه ، سيكون لي ثمة ملاحظات في مواقف أخرى عليه ، لكنه عموما ً أحد أهمّ الشخصيات الكارزمية بين كرد سوريا -مع قلة آخرين لا أريد تسميتهم – كما يبدو لي ، ومن أهم المحاورين كردستانياً على الإطلاق، و هو رأيي الشخصي ، أولا ً وأخيراً….!
ولأعترف ، أنّه ثمّة تفاعل غريب تم ّبيننا ، مشعل ومعشوق وأنا ، وكان دوماً ، لكلّ منا رأيه ، كما كّنا نحرص على نقاط الالتقاء ، ممّا كان يجعل من علاقتنا مستهدفةً ، محسودة ً-مع قلة آخرين- من قبل خصومنا ، وما أكثر من يقف مع آلة الشر طواعيةً ، أو وظيفية ، ضدّ آلة الخير، كما أزعم ، ولقد فضح استشهاد الخزنوي هؤلاء ، وسواهم ، دون أن يرتدعوا ، وها هو مشعل التمّو باعتقاله ، يصفع وجوههم واحدا ً واحداً…..!.
ولعلّ ما تعلمته من أبي فارس ، كما معشوق ، هو الموقف من الخطوط الحمراء ، وكيفية تناولها ، وإن كانت لكل منا – بالتالي- طريقته في ذلك ، و بحسب قناعاته ، أو إمكاناته، ورؤاه، مما يؤسّس للعلامات الفارقة ، كما لنقاط الالتقاء ، كحقّ شرعيّ لكلّ منّا ، أو سوانا ، ضمن حالة التدرّج الطبيعي في هذا المجال ……..!  
أجل، محطّات كثيرة جداً ، وجدت مشعل خلالها مع أسماء قليلة جدّاً ، قريباً منّي ، وخاصة في أثناء محني – و اللّهم لا تضعني في تجربة كما كان يقول السيد المسيح-  ومنها أخيراً ، أثناء إصابة ولدي ، بطلق ناري ، في صدغه ليلة نوروز2008 ، وكان قاب قوسين أو أدنى ، من الموت الذي نجا منه، بعونه سبحانه ، وتعالى ، وحمده ، ولطفه ، على اعتبار أن إصابته كانت من أخطر الإصابات بين  رفاقه، وهل أصعب من أن تمرّ الطلقة بين خطّي الحياة و الموت ، داخل الجمجمة….؟!
   ولقد كنت -في كلّ مرّة- أزداد إعجاباً بمشعل ، وحكمته ، ولا أريد هنا أن أؤرّخ كذلك لمواقفه البطولية الفذّة كمناضل ، صلب ، مبدئي ، فهي كثيرة ….!
ولعلّ إحدى هذه النقاط أنه إبّان الثاني عشر من آذار ، طلبت لجان حقوق الإنسان والمجتمع المدني في سوريا، قبل ولادة الحالة الحقوقية الكردية الصّرفة ، زيارة مدينة قامشلي لمعرفة ما يجري ، وتم ّنصحهم من قبل بعض الأخوة في الحركة الكرديّة ، بعدم تجشّم معاناة المجيء، بل بلا جدوى الزيارة الميدانية للوقوف على ماتم، وربمّا أمور أخرى ، لا أعرفها، وذلك  نتيجة حسابات خاصة ، خاطئة ، من قبلهم ، إلا أن ّمشعل التمو – وكان معي في بيتي-  هتف إليهم ، داعياً إيّاهم للزيارة إلى قامشلي – وما كنت أتصوره سينجح-  وتمّ استقبال هؤلاء جميعاً ، و تدبير أمر استقبالهم من قبلنا الاثنين ، رغم ضيق ذات يدي شخصياً، و بمعونة آخرين من أمناء عامي الأحزاب الكردية ، لعلّ الأستاذ اسماعيل عمر كان من بينهم ، ولا أعرف ، الآن ، من أيضاً ، باعتباري كنت مكرساً كل وقتي لكتابة المقالات حول ما كان يتم ، ولتكون أولى الندوات في بيتي  ، حيث تمّ الالتقاء بعدد من المثقفين والمعنيين بشؤون حقوق الإنسان ، وكي نكتشف جبن بعض من المثقفين ودعاة حقوق الإنسان ، في أمثلة ، وأرقام، وحالات ، وشواهد ثابتة ، بل ولقد كان اللقاء مثمراً جدا ً في النهاية، ركزنا فيه على عبارة وطنية طالما رددتها- من جانبي- عبر الفضائيات، بعد الطلقات الأولى التي أطلقت في الملعب البلدي في قامشلي ، في يوم12 آذار2004 وهي: إن ما يتمّ ، ليس خلافا بين عرب وكرد البتّة، ويجب ألا يجيّر هكذا من قبل أحد من المغرضين، و كان نجاح هذا اللقاء قد دفع بالضيوف للالتقاء بباقي أطراف المكونات الوطنية ، من أجل إعادة الثقة بينها ، وهو المطلوب الآن ، وفي المستقبل، بل و دوماً، على اعتبارنا ركاب السفينة الواحدة ، وشركاء الوطن ، وكانت نتيجة هذا اللّقاء ، انطلاقة منظمتنا الحقوقية ماف ، بشكل حقيقي ، كي تولد- تالياً-  نواة منظمات حقوقية كرديّة ، بجهد فردي من زميل آخر  ، من منظمة أخرى ، بمعونة ورعاية الصديق مشعل التمو ، وهو حقّاً من أوائل مترجمي الحالة الحقوقية كردياً ، ولاسيّما بعد عودتنا من باريس تموز2004 وهو كلام آخر، على اعتباره صاحب تجربة معروفة ، في هذا المجال ، و من أوائل الكرد العاملين في مجال المجتمع المدني وحقوق الإنسان ، سورياً…..!

من هنا فإنّني لأناشد ، وكصوت وطني إعلامي حقوقي وثقافي، وبأعلى ما يمكن، قوى الخير في بلدنا العزيز سوريا ، من أجل العمل لإطلاق سراح معتقل الرأي ، صديقي أبي فارس…..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…