ديار احمد
تمر في الثاني عشر من آذار الذكرى الرابعة لانتفاضة الشعب الكردي في سوريا ، ففي مثل هذا اليوم تعرض أبناء شعبنا المضطهد لمؤامرة بشعة خطط لها الدوائر الشوفينية في البلاد وقام بتنفيذها بمدينة قامشلو السورية, وذلك على أثر التطورات التي حدثت في العراق بعد تحريره من الديكتاتورية ،وتمتع الشعب العراقي بعربه وكرده وكافة مكوناته القومية والدينية بالحرية التي حرم منها لعقود من الزمن،وقد اختار مثيروا الفتنة الملعب البلدي بقامشلو مكاناً مناسباً لفعلتهم الدنيئة من خلال تحريض جمهور نادي الفتوة الرياضي القادم من دير الزور بترديد شعارات مؤيدة للديكتاتور السابق صدام حسين وتوجيه الشتائم لبعض الرموز الكردية على مرأى ومسمع الجمهور الشبابي الكردي المحتقن أصلا الذي اعتبر بأن ما يجري إذلال له في عقر داره
فكان رده عفويا على هذه الإثارة سواء بترديده لشعارات تحتقر صدام حسين أو برد الأحجار التي وجهت له وكان هذا إيذانا ببدء تنفيذ ما كان مخططا له وبإشراف وتوجيه مباشر من السلطات الأمنية بقيادة محافظ الحسكة السابق السيئ الصيت سليم كبول ،الذي أوعز بإطلاق النار على الجمهور الأعزل, مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى, وخلق سخطا واستياء كبيرينً بين الجماهير الكردية التي خرجت لتشييع جنازات الشهداء في اليوم الثاني بمسيرات عفوية صاخبة وكبيرة تحولت إلى انتفاضة عارمة،فواجهتها الأجهزة الأمنية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، مما أودى بحياة العديد منهم بين شهيد وجريح.وتسبب ذلك بتوسيع دائرة الاحتجاجات لتشمل كل المناطق الكردية من ديريك شرقاً إلى عفرين غرباً مروراً بكل التجمعات والمدن التي يتواجد فيها الكرد غير آبهين بالرصاص الحي الذي أطلق عليهم ,وسقوط العديد من الشهداء والجرحى بينهم واعتقال المئات منهم، لكن وبدعوة من مجموع الأحزاب الكردية في سوريا تم إيقاف الاحتجاجات لتفويت الفرصة على المتربصين والمتآمرين،حيث يقف شعب أعزل في مواجهة الأجهزة الأمنية وقوى الجيش وحفظ النظام المدججين بمختلف الوسائل القمعية,لكن دروسا وعبرا, جديرة بالبحث والدراسة أفرزتها سير الأحداث منها :
1- أن تلك الانتفاضة العفوية وغير المخطط لها أخرجت القضية الكردية في سوريا من إطارها المحلي إلى قضية مثيرة للاهتمام على الصعيد السوري والإقليمي والدولي .
2- إن الحركة الكردية لم تكن مهيأة لمثل هذا الحدث،وكان عنصر المفاجأة عاملاً ضاغطاً وضعت الحركة في موقف مرتبك ، ومع ذلك فإن تصرف الحركة معا ساهم إلى حد بعيد بتخفيف آثارها السلبية ( آثار الفتنة ) مع ملاحظة أن الحركة لم تمر بمثل هذه التجارب .
3- المشاركة المعنوية من باقي أجزاء كردستان في دعم الشعب الكردي في سوريا في محنته .
4- الدور المشرّف لأبناء الشعب الكردي في المهجر الذين ساندوا إخوانهم في الداخل إعلامياً ومادياً ومعنوياً.
5– أن الشعب الكردي ( وبالرغم من حدوث بعض الأخطاء والسلبيات التي كان يجب تلافيها ) كان واعياً في تعامله مع الحدث ، فلم نرى أو نسمع أن أياً من مكونات الجزيرة من الأخوة العرب أو السريان قد نهبت ممتلكاتهم أو تعرضوا للاعتداء من قبل الأكراد ، وإنما الذي جرى تجنيد السلطة لبعض ازلامها من العشائر العربية بالتعدي على أموال وممتلكات المواطنين الكرد في الحسكة ورأس العين .
6- إن السلطات وكعادتها وبسبب طبيعتها الاستبدادية عالجت القضية بمنظور أمني بحت ، ولم تبادر إلى فتح تحقيق عادل ومنصف لمعرفة سبب الأحداث والمخططين والمنفذين لها ولم تنصف الضحايا ، ولم تحاسب المسيئين والمجرمين ، مما يضيف مزيدا من الانتهاكات إلى سجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان .
وأخيراً وليس آخراً فإن الشعب الكردي عامة والحركة الكردية خاصة ، مدعوة اليوم لأخذ العبر من الانتفاضة وتجاوز الأساليب القديمة في النضال ، والانتقال من حالة الانقسام والمهاترات التي لا طائل منها إلى حالة الوحدة والحوار والبدء بإصلاح الحركة من الداخل ، والاستعداد لكل طارئ والمبادرة إلى بناء المرجعية الكردية (على أسس ديمقراطية) وعدم الدخول في جدل بيزنطي عقيم وعند ذاك سيرتاح الشهداء في جنانهم ، وينسى الجرحى والمعتقلون والأمهات الثكالى عذاباتهم .