إبراهيم اليوسف
“إن كنت زانياً فلا تفعلها بأمك وأخواتك”
مثل كردي
” للكرد يوسفهم وأبوه وأمه وأخوته وأهلوه”
لم تكن نبوءة من لدني، عندما أشرت إلى أن مأساة مصطفى سليمي، والتي تنمُّ عن مرحلة ما بعد القبح والدناءة لدى الغادر- وهوالكردي هنا استثناء- لا بدَّ من أن يتمَّ تناولها في الأدب والفن، فقد وصلتني أمس نصوص شعرية تفاعلية، لدى مبدعين، حزانى، جرحى، في كردستان الشرقية، إذ كتب الشاعر الكردي جلال ملك شاه نصاً * ” سينشر ضمن المقال “عما تعرض له الشهيد مصطفى سليمي، من غدر قذر على يد “أخ” أو “أخوة” هم أخوة يوسف الكردي،
عندما استطاع أن يقود انتفاضة – الكورونا- ضمن سجن سقز في كردستان إيران، ويلوذ عدد من المعتقلين بالفرار، وليتمكن هو من الوصول إلى إحدى قرى كردستان هارباً من الحكم بالإعدام الذي ينتظره منذ سبع عشرة سنة وحتى الآن، يعدها ومضة عين تلو أخرى، إذ إن في إطالة مدة الحكم بالإعدام على السجين مايعني إعدامه كل يوم. كل ساعة. كل ثانية، وهوما تدركه أجهزة استخبارات بلد شهير بأياديه الأخطبوطية عبر جهاز “الاستخبارات والأمن الوطني” “إطلاعات”، وما إن وصل مصطفى الفارمن السجن إلى قرية “هنگژال” إذ ليس للكردي غيرالكردي” حتى شعر بالأمان، كما رسمته له مخيلته، وهو يقيم ستة أيام، متنقلاً ما بين جامع ومنزل أحد القرويين، حتى يقع في – اليوم السابع- في الشِّباك، عندما ينفذ صاحب البيت تعليمات الحظر من الكورونا، و يعلم الأسايش بوجود هذا اللاجىء، كي يغدو في حضرة أخوة يوسف. أخوته، ليشم، تدريجياً، رائحة مؤامرة، سرعان ما تحاك، لاسيما بعد أن يصبح في قبضة الأسايش، الذي وصلت قادته قائمة بأسماء السجناء الهاربين، ولربما مع “إعلان مكافأة مالية مغرية” ويتم التعرف على هويته. سبب سجنه. انتمائه السياسي، ويتمّ أمر بعض المعنيين بتسليمه إلى السلطات الإيرانية، بعد اتصال يتمُّ بين الطرفين، كما جاء في إحدى الروايات – وهنا أستند إلى رواية” علي جوانمه ردي” التي تؤكد أنه التقى أسرته، قبل تنفيذ حكم الإعدام بساعات، فقال كل التفاصيل، وتم نشرها على لسان نجله؟
ثمة سر قد أفشي به- هنا- وهو أن هذه الجريمة هزتنا، ككرد، في كل مكان، وقد تداعيت وأكثرمن جهة ثقافية كردية – مستقلة- بل وسياسية- غيرمستفيدة هنا أو هناك- عقب وصول الخبر، غيرالموثق، وكان ردنا جميعاً: إدانة الجريمة، فوراً، لطالما إن هناك صورة موثقة تؤكد ذلك، أما في ما يتعلق برمي الاتهام إلى أحد ما. جهة ما، فماعلينا إلا الـتأني، ومن المؤكد أنه ليس هناك من عنصر أسايش، أو عناصر أسايش، ورئيس مخفر، في نقطة حدودية هم المذنبون وحدهم، بل ثمَّة من أصدر الأمرالقطعي، وهو ما سيبين حدوده: التحقيق، والقضاء، لذلك فإن القضية على جانب جد كبير من الحساسية، إذ من جهة لا بد من استئصال بذرة الخيانة، بل ما بعد الخيانة – كما هذه الجريمة/ العار- ومن جهة أخرى عدم التعميم، لأن ما تمَّ هزَّ كرد الإقليم عامة، وكرد السليمانية، خاصة، وإن كان ثمة -عصابة- فرد في عصابة، وراء ما تمَّ، وهو ما يجب أن يعلن للعوام، فلا شفاعة لأحد أمام أحد أعظم الجرائم الخيانية – بحق شخص- لا تزال صرخة الضحية مدوية، وهو يكشف السيناريو – وهو ابن المكان- في لحظة تسليمه واستلامه:
هاتوا المسدس لأنتحرعلى أرض كردستان ولا أريد أن أعدم شنقاً على يدي عدو دموي؟!
إلا أن لمثل هذه الصفقة ثمنها، المقبوض، من قبل، أو من بعد- لا فرق- ولعل العقل المدبر قدم قرباناً جديداً، في إطار تأدية خدماته، لديمومة شوكته، وإن كان ذلك على حساب كرامته، وضميره، وإنسانيته، وشرفه، إذ ليس بعد “الكفر كفر” وليس” بعد الخيانة خيانة”، لمن لايعتبر، ويكفرعن أخطائه.
وأنا أكتب، بل وأنا أتردد في نشرما بين يدي من وقائع، أمام عيني خطرمحدق، وهو أن يستثمرالعدو. قاتل مصطفى سليمي ما تم، من خلال تحريك بيادقه – وهم كثر بين ظهرانينا في كل مكان ولنعترف – لأجل تمكين موقف الخائن، الغادر، وتسليط شوكته، لتكون أمورنا بأيدي أمثاله الذين يستطيعون بيع كردستان مقابل “حذاء”، لأن أرواحهم ملوثة، وعقولهم مؤسسة على مبدأ ” تحقيق” أحد الشذاذ منهم” مكاسب الذات مقابل التضحية بالمكان والكائن ” ” بل بأمه”، وهو ما نثق بأن أهلنا الكرد في الإقليم: في السليمانية وهولير، بل في البارتي وفي الاتحاد الوطني الكردستاني، لن يمرروه، ولاتزال أمام عيني صورة أحدهم وقيل “أحد أعضاء الاتحاد الوطني” بعد أن لطخت أجزاء من وجهه بالسخام” الشحوار” على عادة كردية “لا تطبق إلا من قبيل- نادرالنادر-” من لدن من تتعرض كرامته لمصيبة كبرى، ولا حول له ولا قوة، لإعادة الأمور إلى نصابها، وثمة عبارات صاعقة، مؤثرة، مؤلمة قالها، وهو يعرف أنه يواجه صاحب سطوة لئيم غير عابر، وقادرعلى الانتقام.
ويمكن ترجمة ما قاله الرجل الغيور نفسه، عبر الفيديو المتداول، لنبين أن الكردي شهم، وأن الخيانة هي نتاج: ثقافة وتربية محددة، فلها مدرستها، وإن كنت أجزم أنه قد يكون ثمة خائن/ مجرم في بيت ما كل أخوته أباة، أطهار، نبلاء، وقد يكون ثمة ابن أبيٌّ يحمل كل القيم السامية، بينما غرق أبوه في الخيانة، وهلمجرا، إذ إنني لا أتحدث عن “جين خياني”، بلغة قطعية، وإنما عن لؤم ذاتي، وعدوى، ونتاج ثقافة قد ينتمي إليها شذاذ، ليسوا إلا حثالات مجتمعهم، حتى وإن علت شؤونهم!
ظهرت صباح اليوم، لقطات لكتابات على بعض جدران السليمانية التي تغلي نتيجة غدر – عجي أو عجيان- مارقين، لاعلاقة لهم بالكردية، ممن هم بلا كرامة، سعوا لتلطيخ اسمها، وهي-أي السليمانية- التي طعنت في- حلبجتها- وهزمت سجان- الحبس الأحمر- الذي زرته سنة 2006، ورأيت بأم عيني أدوات التعذيب، وساحة الإعدام، وكأني برائحة دماء الأمس- على أيدي طغاة بغداد – تفوح من المكان الذي لا تفتأ صرخات السجناء تتردد بلا توقف، بالرغم من أنها تشهد تحرّر المكان من هؤلاء القتلة العابرين!
وقد جاء على الكتابات الموقعة باسم “حركة حرية كردستان”:
شرق كردستان سيمضي في النضال رغم الخيانة والغدر.
وأنا أقرأ النصوص الشعرية التي وصلتني، وتمكنت من ترجمة بعض منها، بوساطة صديق شاعر، أحسست بألم عظيم، لاسيما عندما يقول جلال ملك شاه:
متى سيأتي اليوم الذي يحمل ابني كاوا حقيبته ويذهب إلى “كراج” ويسمع سائقاً ينادي: نحتاج راكباً “نفراً” لنسافر إلى السليمانية؟!
ليردِّد الشعراء” رحيم لوقماني- ك د أزاد- هه لو قنديل- م هوكر- أرام- هه وراز جوانرو- ماكو سه قز- دكتور كريمي- نامو غه مبار”:
ياجلال!
لا تدع ابنك يسافر إلى السليمانية
هناك العملاء ينتظرونه
ليسلموه إلى نظام القتل..!
لا، لم نقل شيئاً بعد عما تم. تلك مهمتنا، إن كنا كتاباً: معلمي الساسة. آباء الساسة. نعم وآباء القادة السياسيين، إن كانت أوراق انتمائنا، وأصالتنا، كاملة، بالرغم من تنكر بعض الساسة لنا، ثمة شاعر، إعلامي، كاتب يعيش في مرمى الرصاص، وثمة معادلة ناظمة، فقد تتأجج ألهبة روحه ولايستطيع قول ما ينبغي- حدث ذلك من قبل وعشناه من الطفولة على الكهولة تحت وطأة و نير نظام الاستبداد في مكاننا- لكننا مطالبون أن نقول ذلك، في لوحة أوقصيدة، أو قصة، أو رواية، أو مسرحية، أو فيلم، أجل، وهو ما قلته، بل في حكاية مجلس، لا أحد ممن هم – خارج دائرة الرعب- إلا وهو مطالب بالقول: “الإمبراطور عار” ياللعار، لا حصانة لابن أي صاحب ظل عال إلا بمقدار حرصه وتضحيته لأجل وطنه. شعبه. كرامته، لامن أجل جيبه، وكرسيه- النصف الثاني في معادلة الشرق البائس.
ثمَّة من يرافع عن المجرم الذي سلم مصطفى سليمي إلى أجهزة “إطلاعات” إيران بالقول: كان كذا، وكذا، ليخففوا من وطأة الطوق الذي يضيق حول رقاب المتواطئين، الغادرين، ولعل أسوأ ما في الأمر نعت هذا الشهيد المناضل بأنه كان “لصاً”، حاشاه، من دون أن يعرفوا أن اللص لا يحكم عليه بالإعدام، ولا أن يسجن سبع عشرة سنة، بل إن اسمه من عداد مناضلي- الديمقراطي الكردستاني- المعتقلين، وبتهمة انتمائه إلى “البيشمركة”!
واثق، أن من شأن – لجنة شفافة- مسماة، من لدن حكومة إقليم، ورئاستها، وبجهود شعب الإقليم، أن يتمَّ كشف سلسلة الجناة، كل بحسب دوره، ومدى ضلوعه في الجريمة، من دون الاكتفاء بشخص، أو حفنة من مجرمين، ككبش، أو أكباش فداء، من دون غيرهم، ولعلي وكمقترح من لدن كاتب- فحسب- سلطتي الأولى في حدود صوتي- أن يتم إعفاء كل من له مسؤولية في سلك أسايش السليمانية، من أصغر مرؤوس إلى أعلى رأس- أكرر: ممن كانوا على إطلاع وأصحاب قرار في الجريمة النكراء- لأن هناك أبطالاً وشرفاء من بينهم، وهم قادرون أن يبسطوا قبضتهم على شؤونهم. شأننا، لأن ماتم له أبعاد أكثر سوءاً كردستانياً. إنهم أعداء مشروع استقلال كردستان، ووئام شعب كردستان المجزأ، وفي مطلع ذلك: نسف الرباط بين جزئين. أجزاء من شعبنا، لم يتمكن السافاك، وشاهه، ولا الخميني وورثة إطلاعاته، ولا أجهزة استخبارات بغداد بعهود دكتاتورياتها كلها، مروراً بصدام ووصولاً إلى أحفاد عفلق والخميني هناك أن ينسفوا ذلك الخيط الذي ظل ويظل بين الكردي والكردي، وقد جاء هذا الزنيم، النغل، آمر القرار، ليسعى للإجهاز عليه، خطوة خطوة، في إطار تقديم سلسلة ولاءاته لضمان حضوره، أوخلوده، لصاً، بلا أخلاق!
يتبع:
الكردي في خيانات موصوفة- رؤى..!