الكاتب في محنته الكبرى: وجريمة إعدام الآخر لذنب لم يرتكب

إبراهيم اليوسف
إلى الصديق فرمان بونجق
تعود علاقتي مع الكاتب الصديق فرمان بونجق، إلى بدايات الثمانينات، فقد كان ابن أسرة بعض أفرادها ضمن صفوف الحزب الشيوعي السوري- وكان هو أحد كتاب القصة الذين طالما التقينا معاً، وبحضور أصدقاء مشتركين، في بيتنا في الحي الغربي، على نحو خاص، وكان أحد المتمكين من الكتابة بالعربية، وقبل ذلك أحد الذين كانوا يقرؤون كثيراً، إلا أنه وبسبب سوء الأحوال المعيشية،و”الأمنية”، اضطر للسفر إلى ليبيا، ولتصلني منه بعد سنوات مجموعته القصصية الأولى عن طريق محامية كردية – من ب ك ك- كان قد التقاها مصادفة في ليبيا – وكان ذلك في التسعينيات من القرن الماضي كما أظن-  فأوصلت إلي الكتاب وفي صفحته الأولى اسمي، وربما اسم صديق آخر، أشار إلينا باسمينا، عرفاناً ووفاء منه لعلاقتنا، وهو ما أفرحني، ولعل الكتاب ضمن مكتبتي حتى الآن!
ظلَّ الكاتب الصديق فرمان يتواصل معي – بنبل- عبر المكاتيب البريدية – الورقية- واغتبط به، وبرسائله، من ضمن رسائل عشرات الأصدقاء حول العالم التي كانت تردني على علبتي البريدية -ص .ب 79″ إلا أنه، وبسبب انخراطنا في لجة الحياة، باتت رسائلنا المتبادلة، تتأثر بظروف العمل، وقد كان يعمل في مجال – صعب- على ما أذكر، يقاوم من أجل معيشته، وظلت علاقتي بأسرته: والده- القديم، والعامل، وصاحب الرأي، وببعض من حوله، من دون أن تنقطع.
وكانت رسائله بالنسبة إليَّ  كما البلسم، كما “رسائل “إبراهيم محمود” أول عسكريتة ” و رسائل مرفان كلش” في أوائل تغريبته السويدية، و رسائل ” محمد نورالحسيني” و”محمد عفيف حسيني” أو حتى “سليم بركات” الذي أحتفظ بالكثيرمن رسائله الورقية، كما رسائل آخرين ، ممن ظلت لرسائلهم نكهتها، وسطوتها علي، فقد كان يشرح لي كل صغيرة وكبيرة في حياته اليومية، في رسائلة المكتوبة بخط جميل كما خطوط من أشرت إليهم، وسواهم.!
مع دخولنا عالم الإنترنت، تلقيت رسائل إلكترونية من الصديق فرمان، إذ كتب إلي رسائل جميلة تفيض شوقاً وصدقاً، وقد سررت بها، لاسيما إنها جاءت بعد فترة الانقطاع اللاحق، ما قبل العام 2000، وبدأنا نتواصل حتى بدء الثورة السورية، وكنت على تواصل معه ومنحناه عضوية – رابطة الكتاب والصحفيين-  وكتاباً من منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف، لمتابعة أموره هناك، وللتعريف به ككاتب، وكناشط، وكانت رسائله المكتوبة – بخط يده- والمرسلة عبرالإيميل تصلني، باستمرار في فترة الحصارعليه وبعض أبنائه في ليبيا، إلى أن غامر وسافر عبر تونس، إلى تركيا – ويدي على قلبي خطوة خطوة- ليستقبله زملاؤنا في ماف والرابطة، وكانت فرحتي بذلك جد كبيرة.
أوليت الصديق فرمان الثقة المطلقة في تمثيلي في الرابطة مع: صديقين آخرين، إلا أن عملاً منظماً تم من أجل وأد الرابطة، وكنت أعول على من وثقت بهم العمل  للدفاع عن – رابطتهم- وفعل الآخران، ذلك، حتى فترة محدَّدة، بالرغم من الحصار والتهديد حتى درجة القتل، أما هو فقد كان أول من غادرالرابطة، إلا أن إرادة وأد الرابطة كانت كبيرة، ومضى أواخر من بقوا في الرابطة لتركها، لاسيما أمام إغراءات وخديعة أكثر من جهة، وتصويرهم الأمور، من منظار آخر، ناهيك عن استفادتهم من عامل بعدنا عن – قامشلي- إلا أن الرابطة عملت بالوتائر نفسها وها هي قد عادت أقوى، بل هي في موقع متقدم من جبهات الكتاب، بالرغم من أنها- حتى تاريخ اليوم- لم تتلق أي دعم، من أي طرف ما خلا تبرعات واشتراكات  أعضاء مكتبها التنفيذي، ومن ثم لجنة الأنشطة التي أبهرتني، بتعاونها، ودأبها، وحرصها، إلى الدرجة التي صرت أتأكد بأن الاتحاد في أيد أمينة، بعد أن تطهرت منظمة حقوق الإنسان في سوريا-ماف، من حالة اختراقية عابرة.
آلمني – بعمق- موقف الصديق فرمان آنذاك، كما آلمتني مواقف سواه، وانخدعوا بخطاب- الانشقاقيين – ليترك اتحاد الكتاب الكرد “الأول” الذي أدار هو مؤتمره الأول – كرئيس مؤتمر- بعد أن اكتشف الكثير، ولم أسأله، للآن، لم تم كل ذلك؟ ولديه برأيي شهادات ثمينة منصفة له ولنا، ولم أتخذ أي موقف منه، بل بالعكس فإن قصيدتي التي كنت قد كتبتها في نجله – الشهيد أحمد- الأول من سبتمبر “التي كتبتها يوم استشهاده، والمنشورة في ديواني “ساعة دمشق”  أثناء فترة تركه للرابطة، من دون سبب يذكر، ومن دون أي نقاش، أو حديث، أو استفزاز شخصي بيننا، من أكثرالقصائد التي كتبتها تحت وطأة الألم، في فترة مابعد الثورة السورية!
ثمة الكثيرلديَّ من تفاصيل محاولات وأد الرابطة، في ما يتعلق بأصدقاء، وجهات حزبية، إلا أنني أترك كل ذلك جانباً، أمام ما وصلني مما هو منشور على صفحات التواصل الاجتماعي ، حيث قرأت ” فبركات” ملفقة بحق الأسرة التي أعرفها، باعتبار الأب ابن المنطقة التي أنتمي إليها، في الأصل، بل إنني مطلع على موقف أبيه الوطني والإنساني، وهكذا بالنسبة للصديق فرمان الذي انقطعنا منذ أول الثمانينيات، إلا أنني قرأت الكثير من مقالاته، وهو في ليبيا، أو وهو في قامشلو، أو و هو في دهوك، وكيف أنه صاحب موقف، ولعله أول من رفع لافتة في قامشلي – في وجه منظومة  ب ي د- مؤكداً أنهم من قتلوا ابنه، في إطار سياسات بثهم الترويع، للهيمنة على مصيرالكرد، في مكان ليس لهم، وكنا في- رابطة الكتاب والصحفيين – من ننظم- الاحتجاجات الرسمية- إلا أنه تم اختراق بعض هؤلاء الأصدقاء، من قبل شخص ظهر، على حين غرة، واختفى، وقيل عنه الكثير، وإن كانت علاقتي بمن انشقوا عن الرابطة ظلت كما هي، وبيني وكثيرين منهم علاقات وهم أصحاب موقف، إلا من أساء لنفسه، بأمر صغير، أو محاولة استفادته من الوضع القائم: لدى هذا الطرف أو ذاك، فهو شأنه..!
الصديق فرمان الذي انقطعت العلاقة بيننا، منذ عشية أول مؤتمر للكتاب، في مواجهة – رابطة الكتاب والصحفيين- حقيقة لم أجد منه على الصعيد الشخصي أي موقف مسيء معلن – وليس بيننا قبل ذلك الموعد إلا الخير- إلا أنني اعده من مقربي. أسأل – نجله منيار الذي يعيش معه في الإقليم- اخوته- اخواته- عن وضعه” أنى أتيح لي ذلك، وإن كنت لا أعرف أن له ولداً آخرباسم شاكر”، مع أنني كنت أتذكرموضوع طلاق زوجته: والدة شاكر.
وإذا كنت أكتب -هنا- شهادتي فيه، وأبين أننا في مرحلة قطيعة، ولست أكتب تحت وطأة صداقة مستمرة، وفي هذا مايسجل لصالحه، وهو في محنته الجديدة، بعد أكثرمن محنة تعرض لها.
ما هو مهم هنا، أيضاً، أن محاولة الإساءة إلى أسرة كاملة، أو عائلة كاملة، من خلال شذوذ أي ابن لها، حتى ولوكان مجرماً، كما هو حال شاكر- إن كانت المعلومات الأخيرة المنشورة حوله صحيحة – إنما هي جريمة، فلا يمكن الحكم على أب أو أخ أو جد أو عائلة أو أصل العائلة، لمجرد جريمة يرتكبها أحد، إذ إن كل فرد عاقل مسؤول عما يقوم به: إن خيراً أو شراً، بعيداً عن إدانات “الجملة”، فلرب أب سيء ابنه خير، ولرب أب خيرابنه سيء، وهكذا بالنسبة إلى الأخوة، فليس في العالم كله محاكمة تعدم أسرة كاملة على جريمة فرد منها، فحسب!
  بل إن هؤلاء المفترين الذين ظهرت منشوراتهم كالفطر، إثر تناولها لوضع – المدعو شاكر- على صفحات الفيس وجدوها فرصة لتشويه الأسرة”الوطنية الكردية” على أنها غير كردية، انطلاقاً من اسم الشهرة “بونجق” الذي تتكنى به أسر كردية كثيرة، بل هناك من اسمه: تركي وهوعربي أو كردي أو غير ذلك، وهي فرضية صبيانية، لا وجود لها إلا في العقل التخويني، كما أن قرائح هؤلاء، ومخيلاتهم، وذممهم الواسعة دفعتهم حتى للافتراء على ” بيشمركة روج”، على أنها تحارب في: ليبيا، بالرغم من أن الرجل لم يكن يوماً منتمياً إلى هذه البيشمركة، وأن غيارى بيشمركة روج أكدوا أنهم  لا ولن يشاركوا  إلا في الدفاع عن أهلهم، ولن يشاركوا في حروب الارتزاق خارج حدود كردستان، وأن الكرد ينظرون بحب إلى أخوتهم العرب عامة، والليبين منهم خاصة!. هذا الاصطياد في – المياه العكرة-  وهو عمل منظم، متكرر، ويتكرر، يدل على أن هناك من يبحث عن خرم إبرة، ليواجه المختلف معه بعدوانية، وعبر أسلحة محرمة.
حسناً، فعلت  الأسرة عندما أصدرت بيان التبرئة من”أعمال” ابنها المذكور، في حال صحة المعلومات حوله، وإن كنت شخصياً، لست مع عبارات مثل “هدر الدم” وكان الأولى بالأسرة التي أقدر ارتباكها المفاجئ أمام هول وصعقة الصدمة، أن تقول: إننا نسلم أمره لمحاكم “…..” محايدة، لمحاكمته، لينال جزاءه المطلوب، وأننا نتبرأ من عمله الارتزاقي، المشين، إلخ الصفات التي يمكن قولها عمن يعمل مع عدو شعبه، ومن أجل قضية لاعلاقة له بها، بل إنها تخدم عدوه
أمدُّ يدي إلى صديقي – فرمان- في محنته، كما فعلت وأنا تحت وطأة صدمة خبر استشهاد نجله أحمد حين هتفت إليه، ولم يرد، وقيل لي: كان منكباً على دماء فلذة كبده -الساخنة المهدورة للتو- على الأرض يلثمها، وقدرت ذلك، كما أنني عزيته في الليلة ذاتها، من دون أن يرد على هاتفي، إلى الآن، لأكتب الكثير من بيانات ومقالات التضامن معه- ولا أعرف ما يجري له منذ ثماني سنوات- وللأسف- وأنقطع ،عن أي تواصل معه، وإن كنت أعرف أنه يكافح من أجل لقمة أسرته، إلا أثناء محنه التي مرَّ و يمر بها، وهي حقاً كثيرة، تهد- الجبال- إلا أنني أثق بطاقاته، وجلده، وثقته بذاته. كان الله في عونك صديقي!
*ملاحظة: حين ذكرت  خلافاً قديماً بيني وصديقي فرمان-وقد زال- فذلك لأكون صادقاً مع نفسي وصديقي والحقيقة، مؤكداً أننا لن نقبل أية إساءة، أوتشكيك بوطنية هذا الكاتب وشجاعته، وشهامته، وإنسانيته

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…