قهرمان مرعي
كانت المعاناة النفسية لأهالي منطقتي كوباني وعفرين في غرب كوردستان والتواجد الكوردي التاريخي في دمشق وحلب وفي عموم سوريا تشّكل نوع من الغُبن السياسي بحقهم في التمثيل والقيادة وفق ما كانوا يصرَّحون به أو يشتكون منه، قياساً بمنطقة الجزيرة وما يتمتع به أبناءها من هيمنة عددية وسطوة معنوية على هرم قيادة أحزاب الحركة السياسية الكوردية والاستئثار بامتيازاتها المادية الشخصية في سوق السياسة والتي من الممكن أن نطلق عليها بعد قيام الثورة في سوريا دون مواربة، بالاستثمار السياسي .
تجربة حزب يكيتي الكوردي في سوريا منذ (القيادة المشتركة 1992 والمؤتمر التوحيدي 1993 وإنطلاقة عام 2000) تعد نموذجاً ولو بشكل نسبي لبقية الأحزاب التي كانت لها تنظيمات في تلك المناطق، باستثناء حزب الوحدة العائد لـ (شيخ آلي) بالنسبة لمنطقة عفرين، لهذا سعت تلك التنظيمات لحزب يكيتي في الحصول على (كوتا) في المؤتمر السابع للحزب المنعقد في عامودا في 29 آذار 2013، لانتخاب أعضاء للجنة السياسية من خلال كونفرانسات ملاكاتهم التنظيمية في مناطقهم الجغرافية، وتكررت الخصوصية المناطقية في المؤتمر الأخير للحزب في 25/12/2018 في (قامشلو والغرف الإلكترونية الأخرى في إقليم كوردستان وتركيا وأوروبا)، بالرغم من الهجرة والتشتت وإفراغ المناطق بسبب السياسات الكارثية لمنظومة (ب.ك.ك) في غرب كوردستان (سوريا)، ولم يفقدوا تلك الميَّزة الـ (كوتا) إضافة إلى ذلك أصبحوا جزء من ملاك المؤتمر العام تصويتاً بالرغم من توزع أعضاء منظمة (كوباني وكرى سبي ) في الداخل حيث حضر قسم منهم المؤتمر في قامشلو على أساس ملاك الداخل وحضر قسم آخر في تركيا على أساس الخارج، لكنهم في الحقيقة انضموا لتكتلات الجزيرة و أصبحوا بقصد أو دونه جزء من أصل المشكلة التي أدت في النتيجة إلى انشقاق الحزب على نفسه و تشَّكل حزبين (كوردستانيين….) لغاية تاريخه..؟ . حيث قامت الغرفة (17) والرقم هو مجموع الأصوات في مدينة أورفة بتركيا من ممثلي تنظيمات مدن تركيا و (هي غير مقتصرة على أهل كوباني وكرى سبي )إضافة إلى الذين حضروا في الداخل من منظمة كوباني والذين لا يحق لهم التصويت أصلاً بفعل وجود (كوتا) خاصة بهم، بضرب التوازن السائد في تشكيلة قيادة يكيتي المستمرة توليفتها منذ سنوات والتي كانت تعد حلقة أمان للحفاظ على التركيبة التنظيمية الضامنة لوحدة الحزب سواء بالنسبة لاستبعاد أشخاص من مؤسسي حزب يكيتي ومناضليه من المنصب القيادي أو التقصد بالتخلص منهم في محطة شرعية بطريقة غير شرعية تحت مسمى ( ديمقراطية صندوق التصويت ) وجرى ذلك دون شك بفعل تكتلي لصالح أحد أطراف الشقاق، ومن الملفت تذكيره وفي سابقة أخرى، عندما منح تنظيم كوباني ( كوتا ) في المؤتمر السابع للحزب/2013 سمح لهم ودون وجود مسوّغ شرعي في النظام الداخلي، التصويت في المؤتمر بالرغم من المعارضة الشديدة، بأنه لا يجوز لهم الترشح وكذلك التصويت، ماداموا سيعقدون كونفرانساً خاصاً بهم، جاء ذلك رغبةً في صالح (توصيل) أشخاص إلى القيادة، كما هو حال التكتلات في معظم الأحزاب الكوردية، ومقارنةً مع ذات الحالة، لم تشارك منظمة أوروبا تصويتاً وترشيحاً في المؤتمر الأخير على اعتبارها ليست منظمة مستقلة كما السابق، بل على اعتبارها جزء من المؤتمر العام، لها ( كوتا ) خاصة بها لاختيار أعضاء لجنة سياسية بموجب كونفراس تنظيمي لاحق (حيث ألغي نظامها الداخلي الخاص وأصبحت تتبع النظام الداخلي العام للحزب ) أي بمعني أن الحالة التنظيمية لمنظمة أوربا أصبحت لا تختلف عن منظمة كوباني بغض النظر عن موقع كل منهما الجغرافي ولم يُأَخذ بالاعتراضات بالاً بسبب الفوضى التي حدثت والتي تتكرر حدوثها في نهاية كل المؤتمرات وخاصة عند الترشيح والتصويت وأغلب المنصفين من الأخوة يعلمون حقيقة مثل هذه الأمور، هذا جزء من المفارقات الغريبة التي تحصل دون أن ندرك مخاطرها في العمل التنظيمي والسياسي الكوردي لافتقادها معايير العدل والإنصاف والاحتكام لمنطق الأشياء والشرعية التنظيمية بالنسبة للجميع والتي مع مرور الزمن دون الإشارة إليها، تصبح عادة من شأنها المساس بمنظومة القيم الأساسية التي تتمتع بها المجتمعات في طور التحول وحاجتها للتعبير الحر عن إرادتها وخاصة تلك التي لها قضية عادلة كقضية الشعب الكوردي في الحق الحرية .
ما أحب توضيحه للأخوة في مناطق كوباني وعفرين وبقية مناطق التواجد الكوردي في سوريا، بأن الأمر في الحقيقة لم يكن ولم يعد مقتصراً على مناطقكم وحدها، بل ضمن مناطق الجزيرة نفسها وأكثر حساسية من بقية المناطق فإذا أجرينا إحصاء بسيط لنسبة سكرتيري الأحزاب ( المتوفين منهم والذين لم يزالوا على قيد الحياة ) ليس في كوردستان فقط ولا في الشرق الأوسط، بل في العالم، فسيكون في مدينة قامشلو التي تعج بشخصيات من مختلف أنواع السكرتاريا وهذا الصفة المكتسبة والفارقة في شخصية الإنسان الكوردي، لا تأتي اعتباطاً ولا سهلاً كما يراها البعض، بل لا بدَّ للشخص أن يمر في عدة مراحل وأن يكيّف نفسه مع المتغيّر الجديد في حياته وسلوكه وكيانه الوجودي وأن يؤسس لنفسه جملة من العوامل للوصول إلى رأس هرم القيادة منها مادية حسية وأخرى معنوية في طور اللملمة لبلوغ الشكل الموسوم (الهيئة الشخصية) التي يصبغ بها عادة النخب أنفسهم في المجتمعات التقليدية، يأتي في أولوياتها أن تكون من ساكني مدينة قامشلو وفي حال وجود سكنك خارج المدينة تلك، ذات الشوارع المستقيمة المتقاطعة وفق المخطط التنظيمي للمستعمرالمعمارالفرنسي في المنتصف غرباً حيث السبع بحرات المصلوب على نوافيرها الرقراقة صنم المجرم حافظ أسد ,قبل غزو العشوائيات، عليك الانتقال للسكن في المدينة وقبل فترة ليست بقصيرة من تسلم المنصب تمهيداً للتعارف على من سبقوك في المنصب بالنسبة لمجموع الأحزاب السياسية الكوردية وما ظهر وما بطن من الحركات الأخرى، الآشورية والكلدانية والسريانية والعربية والجاجانية والتركمانية والدرزية والإسماعيلية والعلوية والسنية وكذلك التجمعات العشائرية والقومية والوطنية والأممية والأمة الديمقراطية و المجتمع المدني والعسكري والميليشياوي والطبقي وما يرافقها من حفلات التعارف والعزائم والمجاملات وزيارة المقرات والمكاتب والمطاعم والحانات برفقة الأعلام المرئي والمخفي، الأرضي والفضائي، ولا تنسى نصيبك من زيارة المساجد والكنائس والأديرة والصوامع وان تلتقي مع الحاخام و الراهب والمرجع والقسيس والفقير والمفتي وخاصة هذا الأخير .
لهذا يعاب على أهل منطقة ديريك التي تتشكل من المدينة ومنطقة ضفاف دجلة والسهل (دشتا هسنا) والجبل (كوجرات… ) ووصولاً إلى مناطق آليان، بإنه لا يوجد ولا سكرتير واحد منهم و ينطبق الأمر على سرى كانيه ومنطقة حسكة، ويقال بأن الأمر يختلف بالنسبة لـ عامودا التي تتنازع سلطة قامشلو السياسية المطلقة، بل لسان حالهم المستتر يقول : أنّ معظم سكرتارية الأحزاب الذين يشغلون مناصبهم كنا دائماً نرتب لهم الأمر ولولا مباركتنا لما حظي أغلبهم بالوجاهة وإذا أراد أحدنا في يوم من الأيام أن يصبح سكرتيراً وهي بالأساس لا تلزمنا مادام الوصول إلى المنصب عامودياً وليس شاقولياً، فلا داعي أن ننقل مسكننا إلى هناك في إشارة لمن سبق أن أصبحوا في المنصب قبلاً ,
لعبت المناطقية دوراً سلبياً في تطور الحركة السياسية الكوردية منذ نشؤوها، لأسباب كثيرة، منها، تخلف المجتمع الكوردي بسبب السياسات الاستثنائية لأنظمة الحكم العنصرية في سوريا في مواجهة التطور الطبيعي للمجتمعات الحية ووصولاً للسياسات العنصرية للنظام الأسدي المجرم قبل الثورة وخلالها وما بعدها، ولعبت الأنظمة الغاصبة لكوردستان (تركيا وإيران) في استغلال قضيتنا القومية العادلة في هذا الجزء الصغير بجغرافيته والكبير بتضحياته و بتدخلاتها الدولية ( الأمريكية والروسية ) وتمكنت من احتلال أجزاء عزيزة من مناطقنا سبقت وباء (كورونا ) في عزلنا وحجرنا ضمن بيئاتنا الضيقة التي لا تحمل مرادفات أسمائنا أماكنها كما هو الحال في بقية أجزاء كوردستان . (للقصص بقية…)
في ـ 22.نيسان.2020