العسكر والسياسة في تجربتنا السورية

صلاح بدرالدين
من ضمن عشرات المشاريع والغرف النقاشية الهادفة حسب اعلاناتها الى البحث عن برامج وهياكل منظمة والعمل على عقد مؤتمرات وطنية جامعة المنتشرة بين سوريي المعارضة نجد في صدارة معظمها ضباطا من بقايا الجيش الحر بالإضافة الى بروزمسميات  جديدة على صفحات التواصل الاجتماعي كتجمعات ومجموعات على رأسها ضباط كانوا في تشكيلات الجيش الحر قبل انفراط عقدها فهل هذه الظاهرة تعتبر إيجابية في الحاضر والمستقبل السوريين ؟ أم لها صلة بما يشاع عن نية الأطراف المحتلة والقوى المعنية بالملف السوري بان تستلم لجنة عسكرية من المعارضة والموالاة زمام الأمور في المرحلة الانتقالية وفي ظل النظام الراهن ومؤسساته ورموزه ولذلك نشهد هذا التسابق للتحضير والمشاركة مع آمال العودة الى الديار .
  التوجه العام لبقايا ضباط الجيش الحر – مع استثناءات – قليلة جدا يصطدم من حيث الجوهر مع محاولات إعادة بناء الحركة الوطنية السورية وعقد المؤتمر الوطني الجامع ووضع المشروع الانقاذي وانتخاب القيادة المدنية المناسبة التي بإمكانها مواجهة التحديات الماثلة لسبب بسيط وهو لن يكون العسكر جزء من القيادة السياسية بل يجب أن يكونوا بامرتها ولهم وظائف أخرى ودور مهم جدا في الحفاظ على مايتم إنجازه من خطوات اذا دعت الحاجة لأن العمل العسكري كما في السابق أمر مستبعد وهذا أحد دروس الثورة السورية المغدورة . 
   بالرغم من الأهمية البالغة لعملية مراجعة دور الجيش الوطني في البلدان التي شهدت الثورات الربيعية الا أنه وببالغ الأسف لم ينشر أي عمل فكري ثقافي جاد بهذا الشأن خاصة وأن الأنظار تركزت منذ بداية اندلاع الثورات الشعبية على موقف العسكر وردود أفعالهم تجاه مواقف السلطات الحاكمة هل سيقتلون الشعب بموجب الأوامر أم سيقفون مع الغالبية المنادية الى التغيير أم سيقفون على الحياد ؟ وقد اختلف المشهد بين بلد وآخر ففي البلدان التي تحكمها أنظمة الحزب الواحد والطائفة الواحدة والحزب الواحد مثل سوريا  لم تكن الأمور مشابهة لبلدان أخرى تحكمها أنظمة رئاسية شمولية من دون مرجعيات آيديولوجية أو طائفية مثل مصر وتونس .
  في الساحة الكردية السورية أيضا نرى هذه الظاهرة بوضوح أي تسلط العسكر والمسلحين ليس على جميع المرافق الحياتية فحسب بل يتحكمون بمصير الحركة السياسية ويرسمون الخطط المواتية لأمزجتهم وقيادتهم المركزية وراء الحدود الى درجة أن ( جنرالاتهم ) بدؤوا بالترويج لانفسهم انهم المنقذون وينادون باتفاقيات الأحزاب ومنح حرية العمل لهذا وحجبها عن ذاك . 
  العسكر والسياسة والحركة الوطنية في الحالة السورية 
  أشعل الحراك الوطني الثوري المدني الانتفاضة السورية عام ٢٠١١ بشكل سلمي ومن خلال التظاهرات الاحتجاجية ورفع الشعارات الرمزية المطالبة بمرحلتها الأولى بالإصلاحات والتغيير واستعادة الحرية والكرامة ومالبثت أن رفعت من وتيرة شعاراتها والمناداة بأن الشعب يريد اسقاط النظام بعد أن جابهت السلطة وأذرعها العسكرية والأمنية المتظاهرين السلميين بالحديد والنار و الاعتقالات وزج عشرات الآلاف في جحيم – صيدنايا – وأقبية الامن العسكري والمخابرات الجوية السيئة السمعة والرهيبة .
   جاءت الاحتجاجات الشعبية في السياق التاريخي للحركة الوطنية السورية بعد تراكمات لعقود وأعوام في ظل المنظومات الأمنية القمعية مرادفة ومتزامنة لموجات ثورات الربيع التي ااندلعت  بتونس ومصر وكتتويج لنضالات السلف في العمل الوطني المعارض .
   سرعان مااستجابت مجموعات وأفراد من منتسبي الجيش والشرطة والأمن والإدارة والحزب الحاكم ورجال الاعمال لنداء الثوار المنتفضين وأعلنت انشقاقها وانحيازها لصف الشعب وكان ذلك عملا رائعا ،أضاف زخما قويا لارادة مواجهة  النظام في مختلف المناطق والمدن والبلدات ولدى غالبية المكونات  .
  لذلك يجب ان لايغيب عن البال ولو للحظة بأن الانتفاضة السورية أشعلها المدنييون من الحراك الوطني وتنسيقيات الشباب بدعم واسناد المناضلين السياسيين في مختلف المناطق وبين صفوف معظم المكونات السورية والتحق بها العسكرييون المنشقون وانحازوا الى صفوف الشعب وبعد التطور الذي حصل وأقصد الانتقال من العمل الاحتجاجي السلمي نحو الصدامات العسكرية وتوسيع رقعتها والتي أبلى فيها الجيش الحر بلاء حسنا في الدفاع والمقاومة وقدم الضحايا بسخاء ولكنه خسر المعارك العسكرية وتراجع بل قام البعض بتوقيع اتفاقيات خفض التصعيد وترك المناطق وشارك البعض في تفتيت الجيش الحر بتشكيل فصائل تابعة للمانحين الإقليميين والتعامل مباشرة مع أنظمة دول الإقليم وتلقي الاموال منها وتحضرنا المئات من الأسماء .
   كل ذلك لايعفي بطبيعة الحال انحراف القيادة السياسية لهياكل المعارضة و أولها ( المجلس الوطني السوري ) السئ السمعة والمسار وتسلط الإسلام السياسي الذي أراد أخونة الثورة ولما لم يفلح بدأ بالتخريب المنظم وتشتيت شمل الجيش الحر وتصفية البعض وتطبيق الحصار الاقتصادي على البعض الآخر .
   وبمرور الزمن وبعد فترة قصيرة من  تصدر ” الوافدين المدنيين ” الى جانب جماعات الإسلام السياسي  للمسؤوليات في كيانات المعارضة بدعم من النظام الرسمي العربي والإقليمي وبتزكية من قوى كبرى انهارت الثورة وتمزقت المعارضة ، والى حد هذه اللحظة لم تظهر مراجعات جادة وشاملة لأسباب الانهيار ومازالت تلك المجموعات والشخصيات تدعي المعارضة بل وتبحث عن صفقات مع محتلي بلادنا من دون تخويل أو تكليف .
 قام الجيش الحر ببداية تشكيله بجهود خارقة واستحوذ سمعة طيبة ونال احتراما كبيرا من غالبية السوريين ولكنه للأسف ولأسباب عديدة لم يكن قادرا على الصمود والاستمرارية وأخفق ثلاث مرات: واحدة في المواجهة مع جيش النظام وأخرى في الصراع مع جماعات الاسلام السياسي وثالثة في الحفاظ على وحدته وجهوزيته واستقلاليته، وفي مجال المقارنة نرى في تجارب ثورات الربيع بمصر وتونس وقف الجيش الوطني بصف الشعب ومع الثوار من دون تدخل بالعمل السياسي .
  ولدينا الآن البعض من ضباط الجيش الحر – سابقا – خاصة ذوي الرتب العليا وبعد تلك الإخفاقات يصر على تصدر مشهد محاولات سياسية – فكرية جارية من جانب نخب وطنية مستقلة لم تتحمل مسؤوليات في كيانات المعارضة وليست مسؤولة عن الفساد والاخفاقات لاعادة بناء الحركة الوطنية السورية ويحاول بعض هؤلاء الضباط فرض مواقفه على الآخرين بل وقيادة أي مشروع يطرح للنقاش .
  أليس الاجدى ان يتفرغ هذا البعض اسوة بزملاء لهم حافظوا على قيم الجيش الحر باعداد مراجعات نقدية لتجربتهم العسكرية وأسباب الهزيمة والتعمق في استنباط دروس جديدة قد تنفع الأجيال القادمة ؟ أم أن هناك أسباب نفعية خاصة لسلوك هذا البعض غير السوي والمثير ؟  أليس الأفضل لهذا البعض التنحي جانبا  ؟ ثم متى كان العسكر موجها للسياسة الا في حالات الانقلابات العسكرية المغامرة التي اشتهرت بها بلادنا .
  بحكم معرفتنا واطلاعنا هناك الكثير من الضباط الشرفاء آمنوا بأهداف الثورة وخرجوا من حزب البعث وخرجوا عليه ومارسوا النقد الذاتي وطوروا أفكارهم وغيروا مفاهيمهم السابقة عن قناعة كاملة وضحوا من أجل أهداف الثورة  وهناك البعض منهم تعرضوا للاغتيالات والخطف أما البعض الذي يصر أن ( يقود المعارضة ويرسم السياسات )  ويتخذ الموقف الشوفيني والعداء المبطن تجاه المكونات غير العربية وغير المسلمة السنية  ) خاصة تجاه الكرد فلاشك أنه مازال أسير أفكاره ومواقفه التي نهلها من ثقافة نظام البعث لثلاثين عاما أو أكثر أو أقل .
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….