فاطمة يوسف محمد
عشر سنوات من الحرب الدائرة في سوريا ، عشر سنوات من اللهاث وراء الحقوق التي شرعها الله في كتبه السماوية ، الضامنة للحرية والكرامة لأسمى مخلوق على وجه الخليقة ، عشر سنوات من المعاناة والمكابدة ، وشظف العيش ، عشر سنوات من الليالي الحالكات ، يعيشها الناس طولا وعرضا ، ضنك لم يعيشوه من قبل .
” جوع شعبك يتبعك”
سياسة معروفة ومتبعة من قبل الأنظمة الدكتاتورية المستبدة و الحاقدة على شعوبها ، هدفها جلي ، وواضح كعين الشمس ، وهو إركاعها ، وإذلالها ، كي تتبعها تبعية عمياء ، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
سياسة إلهائية ، تفرضها عليها ، كي تشغلها بالأمور الحياتية الثانوية ، و تلهيها عن التفكير بجوهريات القضايا الوطنية ، و المصالح العليا ، فمن البدهي ان يركز المواطن على الأولويات ( الخبز اليومي ) ، وأن ينحصر جل همه في تأمين قوت عياله ، و ملء البطون الغرثى من حوله ، التي تتضور جوعا ، فكما يقال ” الجوع كافر” ولا يرحم أحدا .
فما يقاسيه شعبنا اليوم في غرب كوردستان ، مأساة مابعدها مأساة ، تفوق كل معاني الفقر ، والعوز ، والحاجة ، وخاصة بعد صدور قانون قيصر ، و دخوله حيز التنفيذ ، والذي كان يعتقد أنه سيطبق لفرض عقوبات شديدة على النظام ، ومن يواليه ، أو ينفذ سياساته، و أنه سيخفف من وطأة الحرب ، والفقر على الشعب ، و يحدث بعض التغيرات ، و الانفراجات في الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن ، ولكن مثله كمثل باقي القوانين الدولية التي استهدفت الشعب المغلوب على امره دون غيره ، وهذه كانت صدمة اخرى أصيب بها بعد أن استحالت مقومات الحياة أحلاما ، مستحيلة التحقيق . فهو يعلم جيدا أن النظام يجيد إدارة الأزمات، ويستطيع شد الأحزمة على البطون الخاوية ، ليحمل مسؤولية كل كوارثها لأمريكا صاحبة القانون ، ويدير الزوايا بالشكل الذي يحقق أهدافه.
إن افتعال الأزمات ،وقطع الماء ، والكهرباء ،و نقص في المواد الغذائية الضرورية ، والأدوية ، وغلاء الأسعار الشبه يومي ، والتحكم بلقمة عيش المواطن ، و استغلاله بكل الطرق ، والتحكم بمصائر اطفاله، ومسكه من اليد التي توجعه ، والضغط النفسي الذي يمارسه النظام ، ومؤسساته القمعية ، ومن يقف وراءهم ، في روژ آفايى كوردستان لهي سياسة في قمة الانحطاط الأخلاقي ، والإنساني ، و الوطني ، و لن تجدي نفعا ، ولن تضر سوى مفتعليها، بل العكس قد ينقلب السحر على الساحر ، وتزيد من حالة الغليان الشعبي ضدها ، و بالتالي إلى المزيد من الجرائم ، و الهجرة و الدمار المجتمعي ،فمن المعيب جدا ان تكون محافظة ، كمحافظة الحسكة الغنية بالزراعة، و النفط ، والغاز الطبيعي ، و بالأنهار ، والينابيع ، ويعتمد عليها كرافد وداعم رئيسي للاقتصاد السوري ، تموت جوعا ، وعطشا ، و تحرم من الكهرباء طوال هذه السنوات ، بذريعة استهدافها من قبل تركيا ، والجماعات المسلحة التابعة لها من جهة ، و بسبب الأعطال المتكررة التي تتعرض لها من جهة أخرى .
ربما يقال بأن الظروف المأساوية المتردية التي تمر بها المناطق الكوردية طبيعية كباقي المناطق السورية ، وهي نتاج الحرب وآثارها السلبية ، وهي مؤقتة ، تنتهي بمجرد انتهاء حالة الحرب ، نعم ، قد يجوز ، وقد يحدث اكثر من ذلك ، ولكن المناطق الكوردية كانت شبه مستقرة ، وتعيش حياة شبه طبيعية مقارنة بمناطق النزاع الأخرى في سوريا ، و فيها إدارة كوردية محلية تدير شؤونها ، و لها حزمة من العلاقات الدولية التي تدعمها بشكل أو بآخر ، و تقوم بتسيير الحياة فيها من خلال مؤسساتها ، و تتصرف وكأنها شبه دولة ،
فلماذا لا تقوم بواجبها في مكافحة الفساد ، والنهب ، والسلب ؟ ولم لا توفر مستلزمات الحياة الطبيعية والعيش الكريم لابنائها ، أم انها تمارس عين سياسة النظام في اذلال الشعب وإفقاره ؟
ولماذا لا تفرض عقوبات شديدة على كل من تسول له نفسه في الاستغلال ، و الكسب غير المشروع ؟
أليست الإدارة الذاتية هي الراعية ، وكل راع مسؤول عن رعيته ؟
هذه التساؤلات تحتاج إلى ضمير حي للإجابة عنها ، وبكل شفافية و روح مسؤولة ، لأن الناس ضاقوا ذرعا ، و طفح بهم الكيل ، و أنهكتهم الحرب النفسية ،والسياسية ، و العسكرية ، و أثقلت كواهلهم بالهموم ، وحملتهم اطنانا من الأعباء ، التي قد تعجز الجبال عن حملها ،
ولكن ورغم كل الظروف الكارثية بقي الشعب الكوردي يراهن على الحوار القائم بين الطرفين الكورديين ، والمدار امريكيا ، لذا تعهد على نفسه بالصمود ، ، في سبيل ترتيب البيت الكوردي ، و تحقيق الوحدة بين الحركة السياسية الكوردية ، و ظل محفاظا على ثوابته الوطنية ، وتشبث بأرضه ، ووطنه ، متأملا الفرج القريب ، للوصول إلى مرامه في وطن آمن ، يتقاسم فيه مع بنيه الحلو والمر ، وأن يشعر بالعزة والإباءعلى ارضه ،
لن ابالغ إذا ما قلت بأن شعبنا الكوردي شعب جبار ، وحمال للأذية ، عانى منذ قرون من شتى صنوف الظلم ، والاضطهاد ،و من ظلم ذوي القربى ، الذي كان عليه اشد مضاضة من القتل ، لكنه آمن بأنه لا يقهر ، ولا يقبل الركوع والخنوع للسياسات الرعناء، ولا يرضى حياة الذل والهوان مطلقا ، و أن مهما طال الظلم ، والعسف فلا بد لليل أن ينجلي .