صلاح بدرالدين
يكاد يتفق المتابعون على كون جمعية أو حركة – خويبون – القومية المحاولة التنظيمية الأولى في كردستان السورية ذات التوجه الكردستاني العام والتي ظهرت ضمن شروط أحداث وتطورات دولية عنوانها تطبيع وترسيخ نتائج التقسيم الاستعماري الغربي عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية ولم يكن ميلادها بمنأى عن بصمات القوى الخارجية المتصارعة حول النفوذ بالمنطقة .
لحركة – خويبون – موقع ودور في نشوء الحركة الكردية السورية وتتخذ مكانة خاصة في ذاكرتهم كما كانت لها تأثيرا بالغا في مسار الحركة الكردية في تركيا والعراق ، فقد نشأت ( جمعية خويبون وهي اسمها الرسمي حسب قوانين الانتداب ) منذ قرن ونيف كأول تنظيم أو حركة قومية كردية سياسية بعد تطبيق اتفاقية سايكس – بيكو ” ١٩١٦ ” وتقسيم الكرد ووطنهم الى أربعة أجزاء انطلقت من سوريا ولبنان بدور أساسي للكرد السوريين في نشأتها ووصلت أفكارها ومبعوثوها الى مناطق كردستان العراق واتخذت أولى قراراتها من أجل التحضير لانتفاضة في كردستان تركيا التي بدأت في ( أرارات ) من دون الانتشار في بقية المناطق .
خويبون – وترجمتها العربية ( الانبعاث ) أو ( استمرارية الحياة ) جاءت كرد فعل طبيعي على مالحق بالكرد من مظالم وماتعرض اليه وطنهم التاريخي من تقسيم والحاقات وظهرت كحركة قومية استقلالية في سياق حركات التحرر التي ظهرت حينذاك وقبلها من جانب معظم شعوب المنطقة والمفارقة أن فرنسا الاستعمارية ذات الدور الأساسي في تقسيم وطن الكرد توافق على قيام حركة تنتقم من ارثها الشرير حيث ارتبطت الاتفاقية المشؤومة بوزير خارجيتها – بيكو – .
الى جانب تجسيد حركة – خويبون – لفكرة حق تقرير مصير الشعب الكردي في تلك المرحلة بشكل عام وحملها إرادة الحرية والخلاص للكرد بسائر الأجزاء فقد شكلت محاولة لتنظيم عمل سياسي نضالي لكرد سوريا وبالفعل ألهمت النخبة في التحرك عبر جمعيات ونوادي وتنظيمات ونشاط ثقافي في أوساط الكرد السوريين وصولا الى اعلان التنظيم السياسي الأول عام ١٩٥٧ تحت اسم ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ) .
الاعتقاد السائد لدى النخب الفكرية الكردية يميل الى انتهاج الحركة الكردية السورية الخط العام لحركة – خويبون – والتأثر بجوهرها السياسي – الثقافي من دون تجاهل التأثير البالغ للحركة القومية في كردستان العراق وكاريزمية الزعيم الراحل مصطفى بارزاني والدعم المعنوي من جانب قيادات من – الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق – في بدايات تأسيس التنظيم السياسي الأول عام ١٩٥٧ .
استذكر بعض الاخوة يوم انبثاق حركة – خويبون – ( بالخامس من أكتوبر ١٩٢٧ ) بمقالات أو بوستات واعتمد بعضهم على كتابات ومصادر متعددة ومن دون الدخول بسرد ومناقشة تفاصيل مانشر قد أتناولها مستقبلا فقط أشير الى وجود نوعين من المصادر حول هذه الحركة واحد : مذكرات المشاركين وهي موضع الاعتماد ولم أعثر الا الى عملين ( وقد تكون هناك مساهمات أخرى من مشاركين لم أسمع بها ) وهما لكل من المرحومين : قدري جميل باشا بمذكراته المنشورة بكتابه ( دوزا مة ) الذي قامت ( رابطة كاوا للثقافة الكردية ) بترجمته الى العربية ونشره ، – وأحمد نامي – بمذكراته المنشورة بشكل محدود والنوع الآخر هو مانسب الى وثائق الانتداب الفرنسي وما جاء بايجاز ومرور سريع في كتب مثقفين وسياسيين كرد وكذلك مقالات حديثة لكتاب لم يعاصروا ذلك الزمان .
ومايتعلق بوثائق سلطات الانتداب الفرنسي وهي أولا وأخيرا قوى استعمارية ققد تحتوي على بعض الحقائق وليس كلها فهي عبارة عن تقارير دوائر الأمن ومستشاري الحكام العسكريين وهي متطابقة مع مصالح بلادهم وتصب في مجرى سياسات سلطة الانتداب ومايتعلق بماورد حول – خويبون – في كتب وأعمال ومقالات سياسيين أو كتاب مقالات مغمورين فلايعتمد عليها كمصادر موثوقة بل مجرد مواقف شخصية لاتلزم أحدا .
لقد قرأت المصدرين المعتمدين حسب وجهة نظري وكان سرد الراحل قدري بك رائعا وموضوعيا رغم انه لم يتطرق مفصلا الى مسآلة المؤتمر التأسيسي وقد يكون مراعيا للاتفاق المبرم آنذاك ووجدت تفاصيل دقيقة في مذكرات الاديب والشاعر المعروف – أحمد نامي – الذي يعتبر من مؤسسي خويبون فهو أشار الى أن الاجتماع أو المؤتمر التأسيسي الأول عقد في القامشلي بمنزل الوجيه – قدور بك – في الحي الذي سمي باسمه فيما بعد ويذكر حضور نحو ( ٣٧ ) شخصا ويعني أن التأسيس مر بمرحلتين الأولى والاساسية بالقامشلي والثانية وهي كانت إعلامية في مصيف – بحمدون – لبنان وكانت في الخامس من أكتوبر ١٩٢٧ .
أما تفسيري الشخصي لهذا الجدل الحاصل حول مكان التأسيس والتعتيم على اجتماع القامشلي من جانب الوثاٍئق الفرنسية فهو أن سلطات الانتداب الفرنسي ومن أجل مصالح فرنسا والحيلولة دون نشوب نزاعات جديدة مع تركيا التي قد ترفع دعوى ضدها الى عصبة الأمم وكذلك من أجل عدم اثارة حلفاء الانتداب من السوريين بدمشق وفي الوقت ذاته تعزيز العلاقات مع الكرد ولكن بشكل غير معلن ( سلطات الانتداب هي من منحت إجازة تأسيس ” جمعية ” خويبون وليس باسم حركة للأسباب السالفة الذكر ” فقد طلبت تلك السلطات من الزعماء الكرد وخصوصا ( جلادت بدرخان باشا وقدري جميل باشا ) اللذان كانا على علاقة حسنة مع الفرنسيين بتقسيم المؤتمر التأسيسي الى خطوتين واحدة بالقامشلي وبحضور أوسع ( لان الغالبية قد لاتتمكن من الانتقال الى لبنان ) وبعدم مشاركة ممثلي الأرمن لانه في تلك الحالة ستتسرب أخبار الاجتماع ثم قد تأخذ منحى آخر فيعقد اجتماع آخر بحضور من يكون قادرا وبمشاركة الأرمن والاعلان عنه بوسائل الاعلام .
وقد أعلن فعلا عن عقد المؤتمر التأسيسي في – بحمدون – وبحضور زعيم حزب الطاشناق الأرمني – بابازيان – الذي وعد بدعم الحركة وتقديم المساعدات لمواجهة تركيا ، وقامت المؤسسات الإعلامية التي كانت تحت تأثير الأرمن بالإعلان عنه بشكل واسع ولكن كان من الواضح أن من حضر اجتماع لبنان من الكرد كان أقل عددا بكثير من المشاركين بالقامشلي بالإضافة الى وجود أسماء مؤسسة ولكن أصحابها لم يحضروا الى لبنان وهذا يعني أن مشاركة هؤلاء كانت في المرحلة الأولى بالقامشلي .
لم أناقش هنا الجانب السياسي مباشرة وكذلك تفاصيل ماأرادت أن تقوم بها الحركة من نشاطات ( عسكرية ! ) مبرمجة ! لم تتحقق كما لم أناقش مدى صحة القائمة الطويلة من الأسماء المزعومة كمؤسسين لحركة – خويبون – أو أعضاء في لجنتها المركزية واترك كل ذلك لأصحاب الاختصاص والمؤرخين أو قد أتصدى لذلك بمناسبات أخرى ولكن ان صح تفسيري لمسألة التأسيس بدءا من القامشلي فذلك بعينه يشير الى العديد من المسائل الأساسية بالغة الأهمية ومن ضمنها دور الكرد السوريين في – خويبون – وكذلك تأثير – خويبون – المتعاظم فيما بعد التأسيس على نهج الحركة الكردية السورية من البدايات وحتى الآن وذلك ماأميل اليه وأفصحت عنه في كتاباتي .