أيها الكُرد… اقتلوا آلهتكم

أهريمن
  حينما ننظر حولنا في منطقة الشرق الأوسط ونراقب الثقافات المختلفة من جانبٍ، ومتطابقة من جانب آخر، نرى أن العامل المشترك لدى الأكثرية هو تمجيد أو تأليه الشخصيات المسماة “شخصيات عظيمة” في مختلف المجالات سواء كانت سياسية أو تاريخية، فالفرد في تلك البلاد يرى مستقبله عبر تاريخه الميت، والذي يثابر محاولاً قتل الحاضر وتمجيد الماضي بحجة بناء المستقبل. كل شيء ما عدا الحاضر, فالحاضر بالنسبة له ضعف والماضي قوة، الحاضر فقر، والماضي غنى الحاضر خسارة، والماضي فوز مبين على الأعداء. ومن هذه العقلية الرجعية يستسقي عبادته لآلهة الماضي ويتملق الأصنام الموجودة في الحاضر والتي تمثّل أوهامه “المجيدة”.
  فالمسلم يمجّد محمداً أو عليّاً، والتركي يمجّد أتاتوركاً أو سلطاناً عثمانياً، والفارسيّ يمجّد عمامة سوداء أو شاه منفيّاً ولكن لماذا؟ ببساطة، لأنه يرى أن هذه الأصنام تمّثل حقبة نصر، وإن هذه الأصنام تمثّل العصر الذهبي والتي -إن نظرنا إليها عن كثب- ليست سوى هالة فارغة لتاريخ ميت لطالما كان سبباً في البؤس والانحطاط لهذه الشعوب التي كانت دائماً في منزلة الخاسر الضعيف، والضحية المنحطّة التي كانت وستكون دائماً عتبةً للغير الساميّ الذي يتقدمّ في جميع المجالات تاركاً حشود العبيد وراءه، في الجهل والفقر والضعف والتخلّف.
  هذه هي عقلية القطيع الذي يلحق الراعي الأعمى، في صحراءٍ قاحلة، فلا يجترّ القطيع ولا يستفيد الراعي من حليبها، ويبقى الحال على نفسه للطرفين، هذا هو مجرى الطبيعة بالنسبة لهم فما فائدة الراعي بدون قطيع؟ وما فائدة القطيع بدون راعٍ؟
  الإنسان المتفوّق على درايةٍ تامة بأنه هو إله العالم الجديد. فالقوة والحياة بحوزته. الموت للماضي وللتاريخ اللذان لا يمثلان سوى تجارب فاشلة قد يستفيد منها إلى حدّ ما لتجاوز تكرار الأخطاء، التي لطالما كانت متفشيّة في كل مكان. الإنسان المتفوّق متحرر من قيود الرجعية. تلك الرجعية التي تدفع بطاغية لنفيّ معارضيه حتى يعارضوه خارج نطاق نفوذه، وليستطيع إلصاق تهمة العمالة والخيانة بهم بكل سهولة، فتبدو كتهمةٍ منطقية بالنسبة لرعيته الذين يقتاتون على فتات خيراته المحتكرة بحجة القانون والعدل وغيرها من المفاهيم المصنوعة من قبل طغاةٍ قبله.
  الإنسان الكردي الضعيف لا يكلّ ولا يملّ من وصف تاريخه الضائع حتى أنه نسي أن يبني حاضره فما بالك بمستقبله، بماذا سيتفاخر أولاده؟ بحروب غير مجدية؟ وبطولات محكيّة بدون أيّ نتائج ملموسة؟ فهو يأخذ مسار العربيّ الذي مجّد صدام يوماً بل ويتفاخر أيضاً بالسلع التركية أو غيرها من السلع الأجنبية، متذرّعاً بأنها أفضل من السلع المحلية وأكثر جودة، وكأنّ الأتراك هم من اخترعوا الملابس والطعام. فحين تذهب إلى سوق، ترى التجار يحتفون ببضائعهم الأجنبية ويسوّقونها على أنها بضائع ذات جودة أفضل. وذلك يساهم في تراجع صناعته المحليّة، وهو على يقين أنها لن تصبح يوماً ما بمقام تلك السلع الأجنبية الفاخرة. وهذا مثال بسيط عن طريقة التفكير السائدة في بلادنا.
   تباً لفكرك المنحط يا من تمجّد الغير. إن عقلية لاعقي الأحذية الذين يجدون سعادتهم بتمجيد الغير أكثر من بناء حاضرهم ومستقبلهم، منهمكون بالدفاع عن تاريخهم بكل حماس وهم يقتلون مستقبلهم ومستقبل نسلهم الكردي؛ ماذا سيفعل أبناء هؤلاء الكُرد؟ يتزاوجون مع أبناء أعراقٍ أخرى لتحسين الجينات الكردية ربما..؟ أم يتبنون أولاد الأجانب لتحسين نسلهم؟ لا عجب من ذلك، فهذه هي ذات العقلية التي تسعى للدفاع عن تاريخ ميت بينما تمجّد أوثان الماضي.
  متى تحرّر العالم الأوّل من قيود الحرب؟ عندما تجاوز معضلة المنقذ، عندما أمسى المسيح رمزاً في الكنائس فقط لا غير لا يتجاوز عتبة الكنيسة ولا سطوة له خارج أبوابها، عندما أصبح الرؤساء خدماً في سمع وطاعة الشعوب وليس العكس، عندما أصبحت الشخصيات التاريخية محل نقد وسخرية الناس العامة، عندما أصبحت مصلحة الشعوب أسمى وأكثر معنىً من حيوات في بلدان أخرى. فالأوروبي لا يكترث لطفل إفريقيّ جائع وهو يتناول وجباته اليومية، والأمريكي لا يكترث بالمال الذي حصل عليه جرّاء الحروب التي أضرمتها حكومته في بقعة جغرافية لا علم له بوجودها أصلاً. هذه الانتهازية والماديّة البحتة وإدراك تفوّق الذات على الغير والإيمان بالقدرة الكاملة على التفوّق دون الحاجة للأجنبي أو قصص الماضي الخيالية هي عنوان النجاح.
 تقرير المصير بيد الأحياء وليس بيد الأموات.
 اقتلوا آلهتكم فأنتم آلهة الحاضر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…