عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
عُقد المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية في الآونة الأخيرة. ونظرًا للظروف الاستثنائية الناجمة عن ظهور وباء كورونا وتفشيه في البلاد، نجد أن إقامة هذا المؤتمر العام الحالي كانت أكثر تأثيرًا مقارنة بالسنوات السابقة، وكانت لها دوي أوسع في الدوائر السياسية والإعلامية وكذلك في شبكات التواصل الاجتماعي، ورغم الجوانب الفنية والتقنية المنقطعة النظير التي تميزت بها إقامة هذا المؤتمر التي كانت تبدو مستحيلة في بداية الأمر، فإن نظام الملالي الحاكم في إيران لعب على هذا الجانب، ففضلًا عن محاولاتة الشيطانية السنوية المعتادة للحيلولة دون إقامة هذا المؤتمر العظيم، أطلق هذا العام حملة من الافتراءات ضد المقاومة الإيرانية الباسلة لتشويه صورتها.
والجدير بالذكر أن إطلاق حملة من الافتراءات ضد قوة المعارضة تعتبر من الخصائص الفطرية لنظام ديكتاتوري ضعيف وهش وغير مستقر. وبات إطلاق هذه الحملة الشيطانية علامة من علامات المرحلة النهائية لنظام الملالي الفاشي.
المرحلة الأولية لهجوم المقاومة الإيرانية وتقدمها
لا محالة من أن الأطراف التي تتابع القضية الإيرانية وخبراء هذا المشهد من جغرافيا الأرض اليوم تبلور لديهم الشعور بأن شيئًا ما تحول لصالح الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية نتيجة لإقامة المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية هذا العام، وأن الديكتاتورية الحاكمة وفلول الديكتاتورية الساقطة السابقة وقفوا في خندق واحد يجعجعون ضد المقاومة الإيرانية بشكل غير مسبوق في التاريخ على مدى نصف القرن الماضي (ونقول لهم الكلاب تنبح والقافلة تسير والنصر قادم لامحالة). وبناءً عليه، يمكننا أن نستنتج أن هذا المؤتمر يعتبر بداية جديدة للمقاومة الإيرانية، أبرز سماتها هي الهجوم المنطوي على التقدم الفطري.
والجدير بالذكر إن المقاومة الإيرانية تعتمد كعادتها على قدرتها وقوتها وشعبها. ومن هذا المنظور، تعتقد المقاومة الإيرانية أن الوضع الجديد ناتج أولًا وقبل كل شيء عن الانتفاضة الشعبية وأنشطة المقاومة على جانبي الحدود الإيرانية، على الرغم من أنه من الطبيعي أن ينطوي ذلك على معايير أخرى.
نظام الملالي وبديله الحقيقي
إن الرسالة الرئيسية التي ينطوي عليها التجمع السنوي للمقاومة الإيرانية هي أن موعد تغيير نظام الملالي في إيران قد حان، وأن النظام الحاكم يعيش في أضعف نقطة ممكنة في تاريخه، وأن هناك بديلا جديرا بالقيادة وقويا ومستعدا للنهوض بالبلاد ورفع شأنها بين الأمم.
وهو البديل الذي يعتبر “صوت مقاومة الشعب الإيراني على مدى 40 عامًا ضد الديكتاتورية والفاشية الدينية من أجل الحرية والديمقراطية”.
والصوت الأعلى والأطول والأكثر عمقًا وتضافرًا والأخطر للمقاومة المنظمة في تاريخ إيران بنهر صاخب متدفق بدماء شهدائها وبصوت زئير المجاهدين الذين ارتُكبت المذابح التعسفية في حقهم، ومع ذلك صمدوا في مواقفهم الإنسانية السامية ضد الحاكم الأكثر تعطشًا للدماء.
وصوت الإطاحة في الانتفاضات المتتالية بدءًا من انتفاضة يناير 2018 وصولًا إلى انتفاضة يناير 2019. وهو زئير الإطاحة في نهاية عصر شعوذة “الإصلاحي – الأصولي” التي ترمي إلى الحفاظ على هذا النظام الفاشي.
وصوت معاقل الانتفاضة والمدن المنتفضة التي قلبت صفحات تاريخ اليأس والزندقة والعجز رأسًا على عقب، ورسول إقناع المواطنين بالقدرة على الإطاحة ووجوبيتها”.
وبناءً عليه، فإن هذا البديل قوة متجذرة تمتلك كنزًا من الأصول والخبرات، وتجاوز الأحداث العاتية وتطورات العقود الأربعة الماضية التي وصفتها الرئيسة المنتخبة السيدة مريم رجوي بإيجاز في هذا المؤتمر. وإذا كان هناك حديث عن بديل آخر هنا أو هناك، يجب أن نعلم أنه يفتقر إلى الشروط والمبادئ الأساسية.
التزامات المقاومة الإيرانية
قالت السيدة مريم رجوي في كلمتها في هذا المؤتمر: “لقد اجتمعنا للتأكيد على تمسكنا بالالتزامات التاريخية الكبرى التي قطعناها على أنفسنا”، وهي: استرداد إيران من نظام الملالي، وتأسيس إيران ديمقراطية حرة علمانية، وإرساء نظام حكم قائم على التصويت الشعبي النزيه”. وتتعارض هذه الالتزامات الثلاث الكبرى تمامًا مع أي نظام ديكتاتوري، سواء كان من نوع الشاه أو من نوع ولاية الفقيه.
والوجه الآخر للالتزامات الثلاث المشار إليها هو استعادة الاستقرار والأمن في المنطقة، والتعايش السلمي مع البلدان الأخرى، ولاسيما بلدان المنطقة والبلدان المجاورة لإيران.
عقلية المجتمع الإيراني
ولكن هل هناك خلفية جيدة تساعد على الوفاء بهذه الالتزامات؟ قالت السيدة مريم رجوي إنه على الرغم من أن فيروس الفاشية الدينية (ولاية الفقيه) وحليفه فيروس كورونا، قد تعاونا على إحباط المجتمع الإيراني وإصابته بالسلبية، بيد أننا رأينا بأم أعيننا أن نيران الانتفاضات تستعر فجأة في 900 منطقة في جميع أنحاء البلاد في عاصفة نوفمبر العام الماضي وخلقت مثالًا ساطعًا للعملية الكبرى للإطاحة بنظام ولاية الفقيه وإبادته من على وجه الأرض. فضلًا عن الجيل الذي صرخ بملء فيه في معمعة الانتفاضة مرددًا هتافات : ” الموت للظالم، سواء كان ملكًا أو ملالي” و “نحن لا نريد الشاه ولا الملالي، لا نريد السيء ولا الأسوأ”.
استراتيجية المقاومة الإيرانية
قالت رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، السيدة مريم رجوي في كلمتها: ” إن ظهور المدن المنتفضة وأنشطة معاقل الانتفاضة ضد الكبت خلال هذين العامين من أجل كسر جو القمع والكبت والمحافظة على تلألؤ محرك الانتفاضة وحث أبناء الوطن على فعل شيء لإستراداد وطنهم المحتل؛ كشفوا عن الخطر الذي يحيق بالولي الفقيه. وفي تاريخ نضال تحرير إيران، أسسّ مسعود رجوي ظاهرة معاقل الانتفاضة والمدن المنتفضة وصاغ دورها الأساسي في استراتيجية الانتفاضة، وهذا هو سر الانتفاضة والنصر وإحدى علامات جيش التحرير العظيم”.
المعركة الكبرى للمقاومة الإيرانية ورغبتها الرئيسية
قالت السيدة مريم رجوي في كلمتها: تجري في إيران الآن إحدى أكبر المعارك والاختبارات على مر العصور بين الحرية والديكتاتورية الدينية، وبين الديمقراطية والتطرف الديني. وترتبط هذه المعركة بمصير البشرية المعاصرة وبالسلام والأمن العالميين. لذا، ندعو جميع الحكومات والهيئات الدولية إلى أن يقفوا بجانب الشعب الإيراني في المواجهة التاريخية التي تعتبر أكبر تهديد للسلام والأمن العالميين. ويعتبر القرار الأخير الذي صدق عليه أغلبية مجلس النواب الأمريكي نموذج موثوق يحتذي به لجميع الحكومات والمجتمع الدولي فيما يتعلق بشؤون إيران”.
الدعم الدولي للمقاومة الإيرانية
تجدر الإشارة إلى أن الدعم الدولي للشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية الباسلة شهد زيادة ملفتة للنظر هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة. فبالإضافة إلى مئات الشخصيات الدولية البارزة من جميع أقطار العالم، شارك في هذا المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية عشرات الأشخاص من المسؤولين الحكوميين البارزين، على مستوى رؤساء الوزراء والوزراء السابقين، وأعربوا عن دعمهم الكامل لرغبة الشعب الإيراني في الإطاحة بالديكتاتورية الدينية، ودعم ميثاق السيدة مريم رجوي المكون من 10 بنود، من أجل إيران الغد.
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.